إننا ننتج أفلاما لا يراها أحد يعيش الإنتاج السينماتوغرافي الجزائري حالة تذبذب كبيرة، أرجعها أهل المهنة إلى عدة عوامل، تتعلق تارة بالسياسة الثقافية في الجزائر وتارة بمحيط الإنتاج نفسه، حيث تضاربت آراء بعض المهنيين الذين التقت بهم "الخبر" حول المسؤول عن الوضعية الحالية للإنتاج في الجزائر، بين من يحمّل السلطة المسؤولية وآخرين يرمون الكرة في ملعب المنتجين والمهنيين. اختلفت الآراء حول الأسباب المباشرة لغياب صناعة سينماتوغرافية حقيقية في الجزائر، رغم التاريخ المشرف للسينما الجزائرية على مدى العقود الماضية، بين مختلف الفاعلين الذين تحدثت معهم “الخبر” على هامش ندوة الأيام السينماتوغرافية لمدينة بجاية، بين من يُحمّل السلطة مسؤولية الشلل الذي يعاني منه قطاع الإنتاج السينمائي في الجزائر، مع غياب إرادة سياسية، بالإضافة إلى ممارسة الرقابة عن طريق التحكم في منابع التمويل، وبين مسؤولية المنتجين أنفسهم، من خلال تحايل الكثير منهم على الميزانيات التي تخصصها الدولة لقطاع الإنتاج السينمائي. وقال العديد من المنتجين إن ملايير كثيرة تنفق لإنتاج أفلام لم يشاهدها أبدا الجمهور الجزائري، ومن المتدخلين من ربَط غياب الإنتاج بغلق قاعات السينما لأسباب سياسية. وطرحت “الخبر” إشكالية الإنتاج السينمائي في الجزائر على عدد من المنتجين الشباب، على غرار ياسين بوعزيز صاحب مؤسسة “تالة إنتاج”، هاشمي زرطال ممثل مؤسسة “سيرتا فيلم”، وممثل مؤسسة “نايا إنتاج” شوقي عماري ومريم حميدات، إلى جانب رئيس جمعية المخرجين السينمائيين الجزائريين عبد النور زحزاح. ياسين بوعزيز صاحب مؤسسة “تالة إنتاج” ملايير وجّهت لأفلام لم نشاهدها أبدا أرجع ياسين بوعزيز، ممثل مؤسسة “تالة إنتاج”، ضعف الإنتاج في قطاع السينما في الجزائر إلى غياب الإرادة السياسية وعدم تحمس المسؤولين في القطاع لإنعاشه. وتبقى الأسباب بالنسبة للمنتجين الشباب، حسب رأيه، مجهولة. فالمشرفون على قطاع الثقافة والإنتاج السينمائي يتهربون من مسؤوليتهم تجاه الفعل السينمائي، ولا يفعلون ذلك لما يتعلق الأمر بإنتاج الأغاني أو ما شابه ذلك، وفي المقابل هناك في أقطاب أخرى من العالم من يهتم بالسينما الجزائرية، لكن ليس بالشكل الذي يفيد المجتمع الجزائري. ودعا بوعزيز السينمائيين الشباب إلى رفع التحدي ومواصلة الإنتاج مهما كانت الظروف والعراقيل، لأن الإنتاج الوسيلة الوحيدة التي تمكّن السينمائيين من فرض أنفسهم على الساحتين الوطنية والدولية. وأشار بوعزيز إلى أن الحكومة تسخّر أغلفة مالية ضخمة للإنتاج السينمائي تقدر بمئات الملايير، لكن أغلب الأفلام التي تم تمويلها لم تر النور أو على الأقل لم يشاهدها الجمهور. شوقي عماري ممثل “نايا إنتاج” الوزارة حوّلت بعض المخرجين إلى أثرياء قال شوقي عماري، ممثل مؤسسة “نايا إنتاج”، إن المنتجين عندما يطرحون مشاكلهم على الجمهور لا ينتظرون منه صدقة، حتى لا يقال عنهم إنهم يذرفون دموع التماسيح. فالسينما الجزائرية تعيش وضعا خاصا والجمهور من حقه أن يعرف ما يعانيه السينمائيون بصفة عامة، من منتجين ومخرجين وموزعين. وأكد عماري أن الكاميرا ستواصل العمل وتنتصر على من يريد إسكاتها، وأضاف أن الوزارة حوّلت بعض المنتجين والمخرجين إلى أثرياء، لأنهم يستولون على المال الموجه للإنتاج دون أن ينتجوا شيئا، كما أوضح بأن المؤسسة التي تستفيد من تمويل حكومي عن طريق الوزارة أو غيرها، تحرم من “السبونسور”، لأن هذا الأخير مرتبط بموافقة الوزارة.ودعا شوقي عماري جموع السينمائيين الشباب إلى التضامن والتكتل، لتجاوز العراقيل والحواجز التي تمنع السينما الجزائرية من تخطي الحدود وتحقيق البعد العالمي. عبد النور زحزاح: رئيس جمعية المخرجين الجزائريين المقص يطارد المنتجين أينما حلوا انتقد المخرج الشاب عبد النور زحزاح ورئيس جمعية المخرجين الجزائريين، من جانبه، الرقابة التي تطارد المنتجين في كل مكان، واستدل في قوله بأن كل فيلم ينتج لابد أن يعرض على رئيس ديوان الوزيرة للنظر في أمره، وأحيانا يتطلب الرّد شهورا طويلة، ولهذا فإن القفزة السينمائية تتطلب إرادة سياسية أولا، ثم إرادة احترافية. ويشير رئيس الجمعية إلى أن هذا لا يعني مطالبة الوزارة بتمويل المشاريع، بل مرافقتها وتسهيل عملها، حيث إن الفيلم الحقيقي هو الذي ينتج بأموال المبيعات في القاعات وليس الذي تموّله الحكومة، وهذا ما جعل الحكومة تموّل مشاريع أفلام لم يشاهدها الجمهور الجزائري، خاصة التي أنتجت بتمويل خاص في إطار الجزائر عاصمة الثقافة العربية أو تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية وغيرها. وقال زحزاح إن الوزارة تمسك جيدا عملية الإنتاج، من خلال استنساخ النظام الفرنسي في نفس المجال، بمعنى كل من يريد الإنتاج عليه أن يخلق مؤسسة قانونية حتى تخضع جيدا للرقابة، مشيرا إلى أن النظامين الفرنسي والجزائري في مجال تسيير العمل السينمائي، هما الأسوأ في العالم، إذ هناك كثير من البيروقراطية والرقابة الوزارية وقليل من الفعالية، وكشف أن كل مؤسسة معتمدة في المغرب لا تنتج ثلاثة أفلام في السنة، تحرم من الإعانات الحكومية، عكس ما يحدث عندنا في الجزائر. مريم حميدات نريد أن نعرف حجم الغلاف المالي المخصص للإنتاج السينمائي من جهتها، تساءلت المنتجة مريم حميدات عن حجم الغلاف المالي الذي تنفقه الوزارة سنويا في تمويل المشاريع السينمائية، وقالت إنه لا يجب أن يكون سرا لأن الأموال هي للشعب وغياب الشفافية وراء غياب الثقة بين الوزارة والفاعلين في حقل السينما. وأرجعت بدورها ضعف الإنتاج إلى غياب قاعات السينما لتسويق المنتوج، وبالتالي يجد المنتج نفسه مرغما على وضع منتوجه تحت تصرف غيره، مثل ما ينتج الكثير اليوم لفائدة القنوات الخاصة والتلفزيون الجزائري. وحسب حميدات، فإن شتاء السينما هو ربيع التلفزيون، ورغم ذلك دعت إلى تكثيف الإنتاج لمنع زوال السينما، وقالت إنه إذا استمر الوضع على نفس الحال، فإن المؤسسات ستضطر لإنتاج أفلام الاستهلاك السريع. الهاشمي زرطال: ممثل مؤسسة “سيرتا فيلم” المنتج المفوّض طفيلي يتربص الفرص من جانبه، رافع الهاشمي زرطال من أجل التمييز بين المنتج والمنتج المفوّض، لأن العلاقة الغامضة بين الطرفين أضرت كثيرا بالإنتاج السينمائي، حيث اعتبر المنتج المفوّض بمثابة طفيلي يتربص الفرص لضرب مصالح المنتج الحقيقي. ولتوضيح الأمر أكثر، قال المتحدث إن المنتج الحقيقي هو صاحب مؤسسة الإنتاج الذي يشتغل وفق القانون، بينما المنتج المفوّض يضر السوق مثل الوزارة والتلفزيون وغيرها من اللوبيات التي تتحكم في التمويل. وتساءل الهاشمي زرطال إن كانت الجزائر في حاجة إلى إنتاج سينماتوغرافي وفق النمط الذي تنتجه الحكومة اليوم، وما جدوى الاستمرار في إنتاج الأفلام الظرفية والمناسباتية.