الحكومات التي تقود الدول النامية، هي في مجموعها “حمام زاجل” بنظر الدول الكبرى “حمام” يحمل بين جناحيه المال إلى بنوكها، مصدّرا ثروة لن تعود إلى أهلها، بل سيتم صرفها عن طريق البنوك “الليبيرالية” على مشاريع واستثمارات. أو تعود في شكل قروض إلى حكومات جاءت من أراضيها ملايير الدولارات في شكل أموال مهربة أو مشاريع تم تضخيم تكاليفها. عندما ترفض دول مجموعة الثمانية فك “الحجاب” المفروض على مصادر الأموال المتنقلة عبر البنوك الأجنبية، السويسرية وغيرها، فهي تفعل ذلك تماشيا مع مبدأ المصلحة. وتدرك تلك الحكومات أن بنوكها وشركات الأموال وشركات التأمينات، ومن ورائها النسيج الاقتصادي معرضا لخطر الانهيار.. وتفضل حماية “فسادها” ليستفيد من “فسادنا”. إلا أن الفرق بينهما واضح.. ففسادنا يجفف المنابع وينهك القيم والقوى وفسادهم يضمن استمرار الدورة الاقتصادية، ويزيدهم قوة. في حالة “الجزائر”، أبدع أبناء بلدنا في فن “تضخيم تكاليف المشاريع” ودول مثل ايطاليا أو سويسرا، أو مثل كندا، التي عارضت حكومتها خلال الاجتماع الأخير لمجموعة الثماني، رفع السرية عن تعاملات البنوك، أو فرنسا التي لم تفعل حكومتها شيئا لفك لغز “إمارة موناكو”، تتلذذ لوجود مثل النموذج الجزائري، الذي يضمن لهم المشاريع وعليها فوائد غير معلنة في شكل ما يتم تضخيمه. من السهل اليوم اقتحام خصوصية الأفراد عبر مراقبة الشبكات الاجتماعية والاطلاع على الرسائل الالكترونية والتصنت على الهاتف. ولا يشكل ذلك “صدمة” أو تعديا على الحريات الفردية في نظر أولئك المدافعين عن سرية تعاملات البنوك، من أجل حماية من يحول، ومن يهرب، ومن يبيض، ومن يختلس، ومن يسرق، ومن يضخم التكاليف، ومن ينهب ومن يسطو.. فهؤلاء لهم آليات ليبيرالية تحميهم باسم الحرية وباسم الحقوق الديمقراطية. نحن أمام قانون يفرضه الأقوياء لحماية كل أنواع السرقات والاختلاسات، وحماية كل سارق وناهب لثروة بلده مادامت تلك الأموال ستصب في بنك أو أكثر، من بنوك محميات التهرب الضريبي. خصوصا في زمن الأزمة المالية العالمية. فماذا لو كانت حكومات الدول الكبرى صادقة، ونظيفة”؟ ما كان حجم الفساد ينمو بهذا الشكل، لو تم سد طرق المرور إلى أماكن تخزين المال وبأمان. لكن الواقع غير ما نقرأه في الكتب. فاليوم يستفيد “السراق” من “جو محلي ملائم للنهب”، ومن جو “دولي يشجع على النهب” من خلال ضمان سرية من يقوم بتخزين أو توظيف المال المنهوب. بل وأمام الفاعلين خيارات عديدة لتحويل المال إليها. وهذا ما تحرص عليه مجموعة الثمانية، وتجتهد في الدفاع عليه، حتى تستفيد من المال المهاجر إليها من دول الجنوب.. والوجه الثاني لقضية حماية التهريب، أن الفاعلين سرهم ليس في “بئر”. بل هو بين أيدي الحكومات المستقبلة للمال الفاسد، مما يجعل كل صاحب حساب غير شرعي “دمية” بين أيديها تفعل به ما تريد.. وعندما تضم القائمة أسماء مسؤولين نافذين، ندرك حجم الخطر، ومدى التهديد المحدق بالاقتصاد وبالسيادة.