رغم محاولات الدول المشاركة في قمة البلدان المصدرة للغاز بالعاصمة الروسية موسكو تغليب الخطاب الدبلوماسي وإبراز التوافق حول مطلب السعر العادل، إلا أن تباين المواقف والسياسات ظل قائما في الواقع، وهو ما تجلى في البيانات الصادرة عن القمة والتي لم تخرج عن دائرة النوايا والتصريحات البروتوكولية، توافق طبيعة التجمع غير الرسمي. وحاولت الدول المصدرة للغاز في القمة التي شاركت فيها الجزائر ممثلة برئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح إيجاد نقاط توافق للحفاظ على الأسعار المحددة في العقود طويلة الأجل والمرتبطة بأسعار النفط، وهي الأسعار التي اعتبرت بأنها “عادلة” في سوق شديد التقلب، ولكن الواقع كشف عن ممارسات وسياسات مناقضة تماما للمعلن عنه في موسكو، فأغلب البلدان الكبيرة، منها الدولة المضيفة روسيا وقطر، تلجآن إلى السوق الحرة “سبوت” وتعمد إلى سياسات أقرب إلى الإغراق في سوق الغاز، وهو ما فتح الباب أمام مطالب شركات بمراجعة الأسعار. وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أعقاب ختام القمة أنه من الأهمية بمكان في سوق شديد الحساسية أن تُحدد قواعد لعبة قابلة للتوقع ومفهومة، مضيفا: “إبرام عقود طويلة الأجل يسمح بتوازن المخاطر بين البائع والمشتري وتوفير الشروط الكفيلة باستقطاب استثمارات كبيرة وتكنولوجيات ضرورية لاستغلال الحقول الجديدة”. وقال بوتين في إشارة إلى رغبة الدول المستوردة في التوقف عن توقيع العقود الطويلة الأجل مع الدول المصدرة للغاز، إن هذه السياسة لا تضر بمصدّري الغاز فحسب بل تضر بالأمن الاقتصادي للدول المستوردة. ونوه بوتين إلى أن القوانين الجديدة المنظمة لسوق أوروبا للغاز تفرض قيودا خطيرة على موردي الغاز الذين قضوا عشرات السنين في استثمار أموالهم لتطوير صناعة الغاز الأوروبية. وفي البيان الختامي، شددت البلدان الأعضاء في المنظمة غير الرسمية على الرغبة في مواصلة دعم أسعار الغاز المرتبط بالبترول والمنتجات النفطية وعلى ضمان أسعار عادلة وتنمية مستقرة للموارد الغازية، إلا أن البلدان التي تمثل 60% من الاحتياطات العالمية لم تخرج عن دائرة الخطاب الذي طورته في وهران منذ أفريل 2010 أي الحفاظ على الأسعار وعلى عقود التموين طويلة الأجل لتمويل المشاريع الغازية الكبيرة، إلا أن الواقع منذ ثلاث سنوات بين عن صراع غير معلن ومنافسة في السوق، مع تعدد المشاريع والتوجه إلى الأسواق الحرة “سبوت”. بالمقابل، اقترح الرئيس الفنزويلي “مادورو” إنشاء بنك مشترك موجه لتمويل المشاريع الغازية الأكثر تكلفة، فيما اقترح عبد القادر بن صالح أن الوفد الجزائري يتمنى أن يوافق المجتمعون في موسكو على قرار عقد اجتماع القمة الجديد في إيران، اللقاء الذي جمع 13 بلدا عضوا و4 دول مراقبة، نظم في سياق تقلبات السوق، مع بروز الغاز الصخري في أمريكا الشمالية وتطور سوق الغاز الطبيعي المميع، هذا العامل دفع بالعديد من الشركات للمطالبة بإعادة النظر في العقود طويلة الأجل خاصة الجانب المتصل بالأسعار وبإدخال السوق الحرة في حساب الأسعار. ويضم منتدى الدول المصدرة للغاز الآن الجزائر وبوليفيا وفنزويلا ومصر وإيران وقطر وليبيا ونيجيريا والإمارات العربية المتحدة وترينيداد وتوباغو وغينيا الاستوائية وسلطنة عمان وروسيا، بالإضافة إلى العراق والنرويج وكازاخستان وهولندا كمراقبين، ويتوقع الخبراء ارتفاع الطلب بمعدل 2.4% سنويا كمعدل خلال السنوات الخمس لتصل إلى حدود 4000 مليار متر مكعب في 2018.