يفسر البعض "تكالب" وسائل الإعلام والأحزاب السياسية وحتى بعض الدوائر الرسمية في المملكة المغربية على الجزائر هذه الأيام، بالمتاعب التي تواجهها الرباط جراء تسقيف توزيع الوقود في محطات ولاية تلمسان. ذكرت مصادر مطلعة ل “الخبر” أن المملكة المغربية لم تستطع مواجهة الطلب على الوقود بفعل تراجع دخول الوقود المهرب من الجزائر، والذي كان يصل عن طريق شبكات منظمة حتى إلى الرباط العاصمة الإدارية للمملكة، خاصة مع وصول أعداد كبيرة من المهاجرين المغاربة إلى بلادهم بسياراتهم، ما خلق اضطرابا حقيقيا في محطات الخدمات التي تعرض مختلف أنواع الوقود بأسعار مضاعفة ثلاث مرات عن تلك التي يبيع بها مهربو الوقود الجزائري. وبينت دراسات مغربية أن الأغلبية الساحقة لمهاجري هذا البلد يستهلكون الوقود المهرب خلال عطلهم في بلاده، وهو ما قد يسبب مشكلات كبيرة لموسم الاصطياف في المغرب، خاصة أن المغرب يعتمد على إيرادات القطاع السياحي التي تمثل 10% من مداخيل الدولة. ومست الأزمة أيضا القطاع الفلاحي في مناطق الجهة الشرقية للمملكة، والتي يعتمد فيها الفلاحون والناقلون على الوقود المهرب من الجزائر بشكل كلي، ويفيد الرقم “الرهيب” الذي قدمه والي ولاية تلمسان ل “الخبر” حول حجم الوقود الذي خرج من الجزائر نحو المغرب “التبعية الكبيرة” لمختلف النشاطات الاقتصادية لشبكات التهريب المغربية، والذي قدره السيد عبد الوهاب نوري خلال سنة 2012 بأكثر من 265 مليون لتر من الوقود بقيمة فاقت 4 مليارات دينار، وهو رقم بعيد جدا عن ذلك الذي تقدمه مصالح الأمن المختلفة ومصالح الجمارك. وذكرت مصادر “الخبر” أن سلطات عمالة وجدة الحدودية متخوفة من شهر رمضان الذي تأكد أنه سيشهد تراجع تموين السوق المحلية بالمواد الغذائية، وهي السوق التي تعتمد بنسبة كبيرة على المواد الغذائية المهربة من الجزائر، وهذا بسبب تراجع نشاط سيارات التهريب المغربية التي كانت تدخل الجزائر والتي تشتغل في هذا المجال، خوفا من حجزها. مسيرو وملاك محطات الوقود يخافون التحقيق ومن جهة أخرى أكدت مصادر موثوقة ل “الخبر” أن والي تلمسان أصدر قرارا بغلق محطة توزيع الوقود بقرية فاطمي العربي ببلدية الرمشي، لتكون المحطة الثانية التي يتم غلقها منذ تطبيق صدور قرار تسقيف توزيع البنزين في بداية جوان الماضي. وخوفا من عمليات التفتيش التي تقوم بها اللجنة الولائية لمحطات توزيع الوقود ال70 التابعة للقطاعين العام والخاص بتلمسان، طلبت محطات متواجدة بالحناية وباب العسة وبني مستار من شركة نفطال توقيف تموينها لمدة 75 يوما، بمبرر أنها ستقوم في هذه المدة بأشغال الصيانة على مستوى هذه المحطات. ولم ترد مؤسسة نفطال على هذه الطلبات إلى غاية نهار أول أمس، حسبما أفادته مصادر مؤكدة، وهو ما فسرته مصادر عليمة بالخوف من حلول لجان التفتيش التي تم تنصيبها.كما سجلت مصالح الأمن والدرك الوطنيين تراجع تردد سيارات “الحلابة” إلى ولايات عين تموشنت، سيدي بلعباس ووهران في الأيام الأخيرة، وهذا بسبب خوف سائقيها من الوقوع في حواجز مصالح الأمن، وكذا خوف ملاك ومسيري محطات الوقود من انكشاف تواطئهم في التهريب، ما جعلهم يحذرون من التنقل إلى هذه الولايات قصد التموين. وقد شهدت مختلف ولايات غرب البلاد تراجعا نسبيا لأزمة الوقود والتي يتوقع أن تختفي في رمضان، بفعل قلة حركة المواطنين، “وإذا استمرت الرقابة على محطات الوقود وفي الطرقات من طرف مصالح الدرك والجمارك، تستطيع الجزائر أن تضع حدا نهائيا لهذه الظاهرة “، كما يقول عارفون بالموضوع. محطات الوقود توزع 4 أضعاف ما تحتاجه السيارات بتلمسان وكشفت مصادر أمنية ل “الخبر” أن لجنة التحقيق التي تم تنصيبها في ولاية تلمسان، عقب ما أثاره قرار والي هذه الولاية بتسقيف توزيع وقود السيارات، توصلت إلى معطيات “مهمة” حول تنظيم التهريب نحو المملكة المغربية، حيث كشفت أن محطات الوقود ال70 المنتشرة عبر تراب ولاية تلمسان توزع أربعة أضعاف حاجة مركبات الولاية يوميا، وكشفت أيضا أن طلبات التموين التي تتلقاها مراكز التوزيع لمؤسسة نفطال من محطات سيدي بلعباس وعين تموشنت تضاعفت هي الأخرى منذ فتح الطريق السيار شرق غرب. واستغرب المحققون “لعدم توفر مؤسسة نفطال على أرقام واقعية ودقيقة في مجال توزيع منتوجاتها”، كما أنهم اكتشفوا أنها لا تملك منهجية تقديرية حول حاجيات السوق، بالإضافة إلى الخلل في توازن التوزيع، حيث تقوم منذ ما يقارب عشرية كاملة على تضخيم استهلاك منطقة مغنية، مما يجعلها تتحمل مسؤولية كبيرة في تنامي حجم التهريب”. وعن تنظيم التهريب، توصل المحققون إلى وجود “تواطؤ بين مسيري المحطات وإطارات مؤسسة نفطال في مجال تضخيم الطلب، خاصة مع دخول أسطول كبير من الشاحنات المصهرجة التابعة للقطاع الخاص مجال النشاط، وتراجع نسبة تموين نفطال لمحطات الوقود”، حيث إن “مراكز التوزيع التابعة لهذه الشركة الوطنية لم تعد تؤدي دور منظم السوق، كما أن مديريات التجارة على مستوى الولايات غير قادرة على تنظيم السوق بسبب نفوذ أصحاب الشاحنات الذين يملك بعضهم عددا كبيرا من المركبات المصهرجة، واحتلالهم لمواقع إدارية وسياسية مؤثرة”، إضافة إلى “نفوذ أصحاب محطات الوقود، ففي ولاية تلمسان تملك نفطال من بين ال70 محطة خدمات 16 محطة فقط”. كشف أسرار ملاك “المقاتلات” واهتم التحقيق الذي جرى منذ بروز أزمة الوقود أيضا إلى “التركيبة الاجتماعية والاقتصادية للمهربين”، وكشف أنه يشتغل بنظام خاص، فمن بين مجموع “المقاتلات”، وهي السيارات التي تستعمل في التهريب التي تشتغل في الشريط الحدودي، تعود ملكية 70% منها إلى مجموعة قليلة جدا من الأشخاص، وأن كثيرا منهم ليسوا من السكان الأصليين للمنطقة، وسبق لهم أن شغلوا مناصب في مؤسسات الدولة وشيدوا بنايات ضخمة، استثمروا ما جمعوه خلال فترات خدمتهم في المنطقة وتحولوا بعد التقاعد إلى “ملاك حظائر مهمة من المقاتلات”. هذه السيارات التي تقدر مصادر غير رسمية عددها ب10 آلاف لا يملك أغلبها وثائق رسمية. ويعكف المحققون هذه الأيام على تحديد عددها الحقيقي والتعرف على ملاكها الحقيقيين. أما سائقو هذه السيارات فهم من سكان المنطقة الذين لم تتوفر لهم فرص العمل والذين يضطرون للمغامرة بحياتهم في التنقل بين حدود البلدين. وحمل المحققون مصالح الجمارك الجزائرية جزءا كبيرا من المسؤولية في مجال مواصلة “المقاتلات” النشاط وهي من نوع رونو 21 و25، وكذلك مرسيدس من طراز سنوات السبعينيات وبيجو 505، هي التي تخترق الحدود بين البلدين وتتنقل إلى محطات الوقود في التراب الجزائري لملء خزاناتها، يحجز منها مصالح الأمن والدرك والجمارك سنويا ما يقارب 2000 مركبة، إلا أنها سرعان ما تعود إلى النشاط بعد أن تقوم مصالح الجمارك بتنظيم بيع بالمزاد العلني، وتعيد شبكات التهريب شراءها. ويعرف الجميع كيف ينظم المزاد العلني في بلادنا، وهو نفس ما يحصل من الجهة الغربية للحدود، عندما تبيع الجمارك المغربية السيارات المحجوزة في المزاد، ويقدر عدد سيارات تهريب الوقود المحجوزة في المغرب سنويا ب1500 مركبة خفيفة. ومازال التحقيق الميداني متواصلا مع لجوء سلطات ولاية تلمسان إلى الاستعانة بمصالح الأمن والدرك لتنظيم التزود بالوقود في المحطات وفق قرار التسقيف الذي اتخذه والي الولاية في بداية جوان الماضي.