حملت المواقف الإسرائيلية آراء شديدة التناقض إزاء المبادرة الروسية لوضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت رقابة دولية، ما بين مرحب ومتوجس في وجهات نظر محللين سياسيين وعسكريين، وسط تحذيرات رسمية إسرائيلية من المس بمكانة الولاياتالمتحدة الأميركية في الشرق الأوسط، ومن تأثيرات المبادرة الروسية لاحقاً على معالجة الملف النووي الإيراني، الذي تدعو حكومة نتنياهو إلى مواجهته بوسائل عسكرية. بعيداً عن واجهة الحدث، تولي وسائل الإعلام الإسرائيلية أهمية كبيرة للمبادرة التي أطلقتها روسيا بشأن وضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت رقابة دولية، لتجنب عمل عسكري أميركي لوح به الرئيس باراك أوباما، وقطعت التحضيرات له شوطاً رئيسياً بحشد سفن حربية أميركية في شرق المتوسط. وتراوحت مواقف المحللين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين ما بين مرحب بالخطوة الروسية، كونها تنزع فتيل ضربة عسكرية قد تؤدي إلى حرب إقليمية شاملة ومفتوحة تتورط فيها إسرائيل جراء ردود الفعل المحتملة، وما بين معارض لهذه الخطوة لأن الموافقة الأميركية على المبادرة الروسية، حسبما يرى أصحاب هذا الموقف، تعطي رسائل خاطئة توحي بضعف الولاياتالمتحدة وجهة النظر الرسمية الإسرائيلية تبدو أقرب إلى موقف المعارضين للقبول بالمبادرة الروسية، بتركيز المواقف الرسمية الإسرائيلية على التحذير من مغبة المس بمكانة الولاياتالمتحدة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، مما سيرتد سلباً على الحليف الإسرائيلي، ويشجع بعض القوى في المنطقة على اتخاذ مواقف متصلبة، خاصة إيران، التي تصنف إسرائيلياً باعتبارها أكبر خطر يواجه إسرائيل على المستوى الاستراتيجي، بينما تراجعت التهديدات من بلدن الجوار العربي نتيجة الأزمات الداخلية الحادة التي تعصف بهذه البلدان صحيفة "هآرتس" أكدت في خبر رئيس، 12/9/2013، أنه "على خلفية الاتصالات بين روسياوالولاياتالمتحدة لإيجاد حل دبلوماسي في إطاره ينزع السلاح الكيماوي لسورية، يعلمون في القدس بسيناريو محتمل تطرح فيه محافل دولية الطلب أن تأخذ إسرائيل أيضاً خطوات مشابهة، وتوافق على نزع السلاح الكيماوي الذي تحوزه، حسب منشورات أجنبية..".وأضافت الصحيفة: "وتشير أوساط وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى ربط عقده في الأيام الأخيرة مسؤولون روس كبار بين نزع السلاح الكيماوي لسوريا وبين قدرات إسرائيل العسكرية. فقد قال الرئيس فلاديمير بوتين في مقابلة مع وسائل الإعلام الروسية: إن السلاح الكيماوي السوري موجود من أجل التصدي للقوة العسكرية لإسرائيل. وقال السفير الروسي في باريس في مقابلة مع الإذاعة الفرنسية إن السلاح الكيماوي السوري يستهدف الحفاظ على ميزان رعب حيال إسرائيل التي تحوز سلاحاً نووياً". ونقلت الصحيفة عن الناطق بلسان وزارة الخارجية الإسرائيلية يغئال بلمور قوله: "إن إسرائيل لن تصادق على الميثاق، طالما لا تعترف دول أخرى في المنطقة بوجود إسرائيل وتهدد بإبادتها وتحوز سلاحاً كيماوياً. إن منظمات الإرهاب التي تعمل بتكليف من تلك الدول من شأنها أن تستخدم هي أيضاً السلاح الكيماوي..". آري شابيط كتب مقالة في الصحيفة ذاتها، أكد فيه أن "الجمع بين التهديد العسكري الأميركي الصادق والمبادرة السياسية الروسية يمكنه أن يحل الأزمة السورية، ويمكنه بعد ذلك أن يواجه المعضلة الإيرانية التي هي أصعب بأضعاف". وأردف: "الصحيح إلى الآن أن الأمور انتهت إلى نهاية حسنة، فبرغم تردد الرئيس أوباما أدرك آخر الأمر التحدي الذي يواجهه. وبرغم هزل الرئيس بوتين وضع على الطاولة اقتراحاً ممتازاً، فأحدث التأليف بين ضغط عسكري أمريكي وإبداع سياسي روسي خطة صحيحة للحل، فهل تُحقق؟ أشك كثيراً. لكن المجتمع الدولي صاغ بعد أسابيع من الاختلاط المُحيّر فكرة لا تستجيب للانهزاميين ولا تستجيب للقتاليين، بل تواجه تعقيد الأزمة السورية وقابليتها للتفجر..". وتحت عنوان "شكراً يا موسكو" كتب جدعون ليفي مقالة أكد فيها أنه "يجب على أوباما الآن أن يرسل باقة أزهار إلى فلاديمير بوتين، الرجل الذي أنزله عن شجرة القصف؛ ويجب على العالم أن يشكر موسكو لأنها خلصته من ورطة أخرى؛ بل إن إسرائيل مدعوة إلى الكف عن التجهم في كل مرة تُمنع فيها حرب أو قصف للعرب في المنطقة وأن تقول لروسيا شكراً". بالتضاد مع ما ذهب إليه ليفي، رأى البروفيسور ابرهام بن تسفي، في صحيفة "إسرائيل اليوم" 12/9/2013، أن خطاب أوباما فجر يوم الخميس جاء فارغاً من أي مضمون جدي. وزاد: "بدت أقوال أوباما الحازمة جوفاء بصورة خاصة، وكشفت مرَّة أخرى عن الإفلاس المطلق للسياسة الخارجية الأمريكية تحت إمرته، لأن الخيار العسكري قد جُمد الآن. ويحدث عندنا انطباع أن البيت الأبيض لم ينجح في ردم الهوة بين مكانة الولاياتالمتحدة المهيمنة والمسؤولية المشتقة من هذه المكانة بالنسبة لأمن المجتمع الدولي ورفاهه..". بدوره يؤكد الرئيس الأسبق لجهاز الموساد افرايم هليفي أن "روسيا عادت إلى مركز المسرح في الشرق الأوسط كقوة عظمى، يمكنها أن تحدث فيها تغييرات إستراتيجية.. يمكن للرئيس بوتين أن يسجل في صالحه أيضاً الضعف الذي طرأ على مكانة الرئيس الأميركي: بداية في الساحة الدبلوماسية، حين فشل أوباما في محاولاته تجنيد دعم حليفتيه بريطانيا وألمانيا، ولاحقاً أيضاً في الساحة الداخلية إذا ما رفض الكونغرس الأميركي إقرار الهجوم على سورية". ويتابع هليفي في مقالة نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت"، 11/9/2013، "إن نجاح الخطوة الروسية سيفتح أمام روسيا إمكانيات توسيع نفوذها إلى دول أخرى في الشرق الأوسط، غير حليفتيها الفوريتين سورية وإيران. فالعراق مثلاً أوشك قبل سنة على التوقيع معها على اتفاق لتوريد السلاح بمليارات الدولارات. والضغط الأميركي الشديد وحده على بغداد أحبط هذه الصفقة..". غير أنه يستدرك: "من ناحية روسيا، فإنها تقف بالتالي أمام فرصة ذهبية لكسب أرباح كبيرة وتعزيز مكانتها كقوة عظمى. ولكن إذا ما فشلت مبادرتها، فإن روسيا ستُتهم بأن كل الخطوة كانت خدعة، وكل الانجازات التي حققتها ستصبح في غير صالحها". الكاتب عنار شيلو مع إقراره بأن روسيا ستحقق مكاسب إستراتيجية كبيرة إذا ما نجحت مبادرتها بشأن وضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت رقابة دولية، يعتقد في مقالة له على صفحات "هآرتس"، 11/9/2013، أن الولاياتالمتحدة ستكون رابحة أيضاً في المحصلة، ويعلل ذلك بالقول: "إن الموافقة الأميركية على المبادرة الروسية قد تضر في ظاهر الأمر بمنزلة الولاياتالمتحدة في العالم، وبالثقة بها بعد أن تبيَّن أن تهديداتها بالحرب جوفاء. لكن تنفيذ المبادرة سيكون انتصاراً أميركياً في واقع الأمر، فلولا التهديد العسكري الحقيقي، ووضع القوات إزاء السواحل السورية، لما أمكن أن يخطر بالبال موافقة السوريين على التخلي عن سلاح يوم القيامة الذي لهم، وهو من نحو ألف طن من الغازات السامة التي قد تجلب كارثة فظيعة على المنطقة كلها، ولا يمكن تدميرها بهجوم جوي. وإن موافقة كهذه ستمتحن جدية الرئيس الروسي وقدرته على أن يُسهم في إبطال التهديد السوري غير التقليدي فوراً..". يبقى شيء مجمع عليه إسرائيلياً أن إسرائيل سترفض بشدة فتح ملف ترسانة الأسلحة النووية ومخزون الأسلحة الكيماوية لديها، مع التأكيد على أن الحجة الإسرائيلية للاحتفاظ بترسانتها سيكون أضعف في حال نجحت المبادرة الروسية إزاء الأسلحة الكيماوية السورية، وتبع ذلك انفراج إيجابي في الملف النووي الإيراني، عندها يمكن أن تتحول إسرائيل الرابحة إلى خاسرة على المدى المتوسط.