لا يمكن تصنيف تصريحات أمين عام الأفالان، عمار سعداني، حول إبعاد دور المخابرات عن الحياة السياسية، سوى في خانة “كلمة حق يراد به باطل”. فلماذا تريد جماعة الرئيس “تجريم”، اليوم، هذا الجهاز وإلصاق به كل مشاكل الجزائر، وهو الذي كان ضد الجميع من أجل تمكين بوتفليقة من البقاء 3 عهدات متتالية ؟ لا أحد يعترض على أولوية السياسي على العسكري وعلى استقلالية القضاء وإطلاق حرية الإعلام وإبعاد الممارسة السياسية عن هيمنة مصلحة المخابرات، وهي من المطالب التي دعا إليها الجزائريون والطبقة السياسية تحت مسمى “التغيير”. ولو صدرت هذه المرافعات من قبل أي حزب سياسي آخر غير عمار سعداني لكانت تلقى “المصداقية” المطلوبة، أما أن تصدر من شخصية على شاكلة عمار سعداني فهو ما يجعلها أقرب إلى “كلمة حق يراد بها باطل”. سعداني الذي خرج مبكرا للترويج للعهدة الرابعة، حتى قبل أن يتمكن من تنصيب مكتبه السياسي، يريد إقناع الناس بأن بوتفليقة الجالس على كرسي متحرك قرر قلب النظام رأسا على عقب من أجل إنشاء دولة مدنية. فلماذا انتظر بوتفليقة 13 سنة كاملة تعايش فيها مع التسويات وقواعد اللعبة التي كانت في صالحه، ويحاول اليوم تخطي تلك الخطوط وهو في غير كامل قواه البدنية والنفسية، رغم أنه كان وراء “تغوّل” هذا النظام وأحد مؤسسيه. فمن كان وراء عدالة الليل من أجل الظفر بعهدة رئاسية ثانية في 2003 ؟ ومن كان وراء تكبيل الصحافة بقانون عقوبات قاس جدا جعل الصحافيين يجلسون في قاعات المحاكم أكثر من المكوث في قاعات التحرير ؟ ومن الذي أغلق باب اعتماد الأحزاب لفترة تجاوزت ال 10 سنوات لم يعتمد فيها أي حزب، رغم أن الدستور كرس حق إنشاء الأحزاب والصحف والجمعيات؟ فإذا كان الدستور قد جعل من رئيس الجمهورية “هو حامي الدستور”، فلماذا ترك بوتفليقة الدستور “يتهرس” وكان هو شخصيا في مقدمة من تجاوزوه في أكثر من مرة ؟ لا يفهم من تركيز سعداني على جهاز المخابرات للمرة الثانية في أقل من شهر وقبيل استحقاق رئاسي هام، سوى أن جماعة الرئيس تواجه صعوبة في تعبيد طريق العهدة الرابعة التي يدعو إليها المنتفعون من الرئيس ومن حصانته، أكثر من رغبة الرئيس نفسه، ويرون ربما أن تحقيقها يمر عبر ما يسميه عبد الكريم عبادة “شيطنة” جهاز المخابرات، لأنه لا يعقل أن يقتل أحد كلبه دون أن يتهمه بالجنون.