رشح أمس، الأمين العام لجبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رابعة مثلما كان منتظرا، دون إعارة اعتبار لا لمناضليه في الحزب، ولا استشار في ذلك أعضاء اللجنة المركزية التي من حقها وحدها مساندة مرشح ما للرئاسيات، سواء كان الرئيس بوتفليقة أو أي مرشح آخر. سعداني يفتح بهذا التصريح الجديد من جملة التصريحات التي ما انفك يدلي بها يمينا وشمالا منذ توليه قيادة الحزب، مرحلة جديدة من البلبلة السياسية، ليس للدفع بالحياة السياسية التي تعاني الجمود مع أن بيان مجلس الوزراء تحدث عن استحقاقات سياسية هامة، وإنما للإبقاء على الضبابية التي تسود سماء الجزائر، منذ مرض الرئيس في أفريل الماضي، وما نجم عنه من سير بطيء للحياة السياسية ولمؤسسات الجمهورية. ويفهم من قول سعداني أن الجبهة ترشح الرئيس بوتفليقة، أن الرجل يرمي ببالون اختبار، ولا شك أنه ينتظر الآن رد الفعل، خاصة بعد تصريحاته نهاية الأسبوع التي من شأنها تقزيم دور المخابرات في الحياة السياسية، والتي مهد من خلالها لموقف أمس، فبعدما أبعد الرجل المخابرات عن الجدل السياسي، تراءى له أن الطريق أصبحت جاهزة أمامه ليكون اللاعب الوحيد في الساحة السياسية، يرشح من يشاء ويدعم من يشاء للرئاسيات المقبلة. فالهدف الأساسي من خرجات سعداني ليس دعم الرئيس لعهدة رابعة، لأن الرئيس ما زال لم يعلن عن نيته ويعبر بالصوت والصورة أنه يريد الترشح لعهدة رابعة، وبالتالي يكون من حق الآخرين تأييده ومساندته في هذا المسعى، وإنما الهدف هو تحجيم إرادة الآخرين ومنعهم من اتخاذ موقف ما من الرئاسيات المقبلة، فلا يجرؤون على مساندة مرشح آخر، ولا في التفكير في الترشح للطامعين في المنصب، لأن في منطق سعداني، لا أحد يجرؤ على الترشح أمام بوتفليقة، ولا أحد يمكنه دعم مرشح غير بوتفليقة، وقد أثبتت تجربة رئاسيات 2004 وما بعدها ما معنى الترشح ضد بوتفليقة. سعداني لم يول اعتبارا لصحة الرئيس، هل تسمح بذلك أم لا تسمح، بل فقط يريد سد الطريق أمام الآخرين، الذين إن تمكنوا من الوصول إلى الحكم، لن يكون لسعداني ولا لمن وراء سعداني مكان بينهم. فخرجة سعداني ليست نابعة من حب للرئيس، ولا للجزائر، وإنما لسعداني ومصالح سعداني. لكن ما لم ينتبه له الأمين العام للجبهة في هذه الغوغاء، أن تصريحاته جاءت متناقضة، فمرة يقول إن الرئيس سعيدل الدستور ليحد من تدخل المخابرات في الحياة السياسية وفي صناعة الرؤساء قبل رئاسيات 2014، ومرة أخرى يقول إن التعديل الدستوري سيكون بعد أشهر. ويفهم من هذا التناقض أن الرجل لا يدري شيئا عما يجري في دواليب الدولة، وأنه لم يطلع على مسودة الدستور، وما قاله ما هو إلا كلام أوحي به إليه من جهة ما. فالتعديل إن كان هناك تعديل فهو ليس من صميم برنامج الحزب، الذي يكون الأمين العام ملزما بمناقشته مع مناضليه، قبل تبنيه علنا. فما هو معروف أن تعديل الدستور كلفت به لجنة خاصة تحت إشراف الوزير الأول، ولا علاقة للأمين العام للأفالان، ولا لأي حزب آخر بها. فأية أجندة يخدمها سعداني في هذا الظرف الخاص الذي تمر به البلاد؟!