بوتفليقة يهنئني بالعيد كل عام .. وأنصحه بالاستراحة الإعلام الجزائري غرق في الشأن المحلي وابتعد عن الشأن العربي والدولي يتحدث، الكاتب الصحفي عبد الباري عطوان، بامتعاض شديد عن واقع الإعلام العربي، مشددا على ضرورة أن تقوم الجزائر بفتح مجال السمعي البصري، لمواجهة أفكار قناة “الجزيرة”، التي قال إنها نجحت في تغيير خارطة الدول العربية. كما يعرج الكاتب الفلسطيني في هذا الحوار ل “الخبر” بمكتبه في صحيفة “رأي اليوم” الإلكترونية بلندن، وهو يتحسر على صحيفة “القدس العربي” التي ربطته بها علاقة “حب وعمل” مدة ربع قرن، قبل أن يضطر لتقديم استقالته. آخر زيارة قمت بها إلى الجزائر كانت سنة 1991، ومنذ ذلك اليوم لم نسمع بشاهد عبد الباري عطوان على أرض الجزائر لماذا؟ بدأت قصتي مع الجزائر وعمري 7 سنوات، في مخيم فلسطيني مع صورة جميلة بوحيرد، وقد كنت حريص منذ تأسيس جريدة “القدس العربي”، على أن تكون هناك مساحة هامة للجزائر، كنت أزورها تباعا، ولكن ليس في إطار العمل الصحفي، بل في إطار المجلس الوطني الفلسطيني، فنحن ننظر دائما للجزائر على أنها نموذج في الإنسانية والتاريخ والنضال والشهامة. أتذكر أول مرّة زرتها كان سنة 1975، كنت أعمل في جريدة “البلاغ” الليبية، حيث تم اختياري للحديث باسم الوفد الليبي، نظرا لإتقاني اللغة الإنجليزية، وكان عمري 23 سنة وهي أول وظيفة رسمية أتقلدها، وطلب مني يومها أن أترجم الجملة التالية: “الوفد الليبي قرّر الانسحاب من المؤتمر”، فكانت الرحلة من أربع كلمات. وقد حزنت كثيرا لأن الرئيس بوتفليقة تجاهل دعوتي في مؤتمر عدم الانحياز، رغم دعوته لجريدتي “الشرق الأوسط” و”الحياة اللندنية”،كما دعوني إلى المؤتمر القومي العربي في الجزائر، ولكن السفارة الجزائرية في لندن لم تمنحن الفيزا، ومنذ سنة 1991 لم أزر الجزائر. كتبت العديد من المقالات عن الجزائر، كيف كنت تتابع الأحداث في الجزائر، خصوصا أن الجزائر غير منتشرة إعلاميا؟ لا أدعي المعرفة بالشأن الجزائري والتخصص في السياسة الجزائرية، وكل ما كتبته عنها هو بمثابة الموقف السياسي أكثر منه الموقف التحليلي أو معرفة بالحدث، وقد تعلمت الكثير من صحيفة “الخبر” عن الجزائر. كنت شخصيا أتألم، لأن الجزائر من النادر أن تجد مثلها في غناها الاقتصادي، لكنها تعاني حالة إفلاس، كان الأمر يمزقني. الجزائر كانت مرشحة لقيادة الأمة العربية والإسلامية، وأستغرب لماذا حدثت تلك الانتكاسة في التسعينيات. كنت ضد إلغاء الانتخابات التشريعية سنة 91، لأن حلمي أن أشاهد الديمقراطية في الجزائر، ولم أكن مع إحباط العملية الانتخابية، لكني لم أكن مع جبهة الإنقاذ، بل يجب أن يكون التغيير دائما. وما موقفك من تطورات الأوضاع السياسية في الجزائر اليوم؟ كنت أتمنى أن يستريح الرئيس بوتفليقة، فقد استطاع أن يوفر الاستقرار وقد كانت الجزائر بحاجة إليه، وهو من تمكّن من تسديد ديونها. أقول له يجب أن تستريح، وأتمنى له ذلك من كل قلبي، يجب أن يكرّم ويستريح، فلم أكن أتوقع، ولم أكن أتمنى أن يستمر في الحكم بعد الوعكة الصحية التي تعرّض لها مؤخرا. هناك حديث عن عهدة رابعة وتعديل الدستور. ما رأيكم وأنتم تنظرون للوضع من بعيد كمراقب؟ تحتاج الجزائر في هذه المرحلة إلى الشباب، لأنها بلد شاب بنسبة 60 بالمائة. وأعتقد أن الجزائر بها كفاءات شابة يمكنها مواصلة المسيرة، وتسمح بتقديم رئيس قوي ومتعاف. ويبقى أن أهل مكة أدرى بشعابها، إذا تعافى الرئيس بوتفليقة وأصبح في صحة جيدة واختاره الشعب، ولكن إذا لم تسعفه صحته في قيادة دولة، أنا أفضّل أن لا يكون هناك تمديد أصلا، ففي تقديري في كل الحالات يجب أن يرتاح ويكرّم، لأن الرجل قدّم للجزائر إيجابيات في مرحلة صعبة. وأيضا أنقذها من سيناريو “الربيع العربي”؟ الجزائر ما زالت تواجه مؤامرات خارجية وأنا أعي كلامي جيدا، وكانت هناك خطة لتدمير البلدان العربية وتفتيتها تحت مسميات عديدة، كانت الجزائر بعد سوريا، وما حمى الجزائر هو صمود النظام السوري ولو سقط النظام السوري، لتكرر السيناريو الليبي في الجزائر، هذا لا يعني أنني ضد الديمقراطية. الاستعمار القديم لديه رغبة انتقامية، نحن شعوب عاطفية للأسف. وأنا أعرف جيدا أن الجزائر كانت بعد سوريا وأعدوا العدة الإعلامية تحديدا ضد الجزائر، فهي مستهدفة لأنها تملك مؤهلات التقدم والحضارة، والتي تجمع الثلاثة من الماء والنفط والغاز، بالإضافة إلى الشعب القوي، الاستعمار الغربي يستخدم الأدوات. هل الربيع العربي مشروع فاشل إلى هذا الحد؟ تحوّلت سوريا وليبيا والعراق إلى دول فاشلة، أرادوا للجزائر، أن تكون دولة فاشلة. عندما عارضت التدخل العسكري في سوريا هاجموني بقوة، وأقول هذا الكلام، و”جريدة القدس العربي” محجوبة في سوريا منذ أيام حافظ الأسد، كما رفضت التدخل العسكري ضد ليبيا ورغم ذلك هدد القذافي بقتلي ويشهد على ذلك عبد السلام التركي وهو حي يرزق، لأنني أنتقد أبناء القذافي، حيث هاجمته عندما طرد الفلسطينيين. واعتبر أن الربيع العربي عبارة عن عملية تصفية حسابات مع كل الدول الاستعمارية وثأر ضد الدول العربية التي وقفت ضد الاستعمار. هذا السيناريو “من الربيع العربي” لمصلحة إسرائيل من خلال إضعاف حماس؟ للأسف حتى الشعوب العربية والحكومات تنسى ذلك، فهناك تحالف غير معلن بين دول الخليج وإسرائيل ضد إيران، وحماس أخطأت عندما تركت سوريا، وعندما اعتقدت أن النظام السوري سوف يسقط بسرعة. لقد حذرت دول الخليج حركة حماس من أن تحذو حذو الرئيس الراحل ياسر عرفات وتتخذ موقفا يشابه موقفه من غزو الولاياتالمتحدة للعراق، عندما أعلن عرفات دعم العراق وفُسر حينها على أنه دعم من عرفات للرئيس صدام حسين، وقد قالت دول الخليج بالحرف الواحد لحركة حماس “لا تكرّروا خطأ ياسر عرفات” وأكبر غلطة ارتكبتها حماس، هي وقوفها مع الإخوان المسلمين في مصر، مع أن الذي سلّح حماس هو حزب الله وإيران. أين هو مستقبل حماس؟ هو مستقبل غامض، لأن مشكلة حماس أنها وضعت رهانها في سلة الإخوان وفي سلة الرئيس مرسي، وامبراطورية الإخوان سقطت رغم أنها كانت خيارا شعبيا. ما حدث للإخوان في مصر أقوى مما حدث للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر. أنا لا يمكن أن أصدّق أن الإخوان مدعومين من الولاياتالمتحدةالأمريكية، لأن الأمريكيين لا يمكن أن يثقوا في الإسلاميين، بل هناك عمليات تظليل إعلامي غربي كبير. هل يعني أن “امبراطورية” الإخوان في العالم العربي انتهت إلى الأبد ؟ لا يعني ذلك إطلاقا.. فالإخوان لم ينتهوا، لأن عمر حركتهم بلغ ال 83 سنة، وهذا القمع سيولّد قيادات شابة جديدة لديها رغبة جامحة في التغيير. كنت أتمنى لو أطاح الليبراليون بالإخوان عبر صندوق الاقتراع بما أنهم يتحدثون عن 30 مليون مصري قدّم التفويض للجيش. لكنها خسرت قيادتها ومنها الرئيس مرسي الذي ضيّع أكبر فرصة تاريخية للإخوان؟ التقيت بمرسي بقصر الاتحادية في أول زيارة قمت بها بعد 18 سنة من تواجد اسمي على قائمة الممنوعين من دخول مصر. لم يكن مرسي في مستوى القيادة وأنا التقيت به لمدة 45 دقيقة وسألته، لمعرفة رأيه في الأوضاع بمصر، قال لي “أريد أن أحقق الاكتفاء وإحياء صناعة الحديد والصلب وإحياء المؤسسة العسكرية”. وهذا كلام كبير، لن تقبل به الولاياتالمتحدة، ولو وصلت الجبهة الإسلامية إلى الحكم في الجزائر لوقعت في نفس خطأ الإخوان. في نفس اليوم دعاني المجلس العسكري إلى العشاء وكان من المفروض أن يحضر الاجتماع عبد الفتاح السيسي، والتقيت بالفريق أول عبد العزيز سيف الدين قال لي لن ننحاز إلى أي جهة. وأكد أن الرئيس مرسى يجب أن يواصل حكمه، وفجأة انحاز الجيش إلى مظاهرات 30 يونيو.كنت من القلائل الذين قالوا إن ما حدث في مصر هو انقلاب عسكري، بغطاء ديني بقيادة الأزهر والكنيسة، لصالح المؤسسة العسكرية التي انحازت إلى التيار الليبرالي. لماذا تدافع عن الإخوان ؟ لا أدافع عن الإخوان، بل عن الديمقراطية وصناديق الاقتراع. في اعتقادي إن التهم الموجهة إلى مرسي ملفقة. لست مع الإخوان ولست مع العسكر، بل مع الانتخابات. تقول السعودية وقطر إن ثورات الربيع العربي من أجل الديمقراطية، هذه البلدان لا تعرف الصناديق ويقولون لنا ربيع عربي. هل تشتت الدول العربية إلى هذا الحد؟ ما يحدث في سوريا ليس ثورة شعبية، هناك 1200 فصيل مسلح اليوم في سوريا، ويقولون لنا “ربيع عربي” أين هي الثورة الليبية؟ الوضع في مصر من أسوأ ما يكون أيضا، أصبح وضعا محزنا، وهي بحاجة إلى مصالحة وطنية عاجلة. كان شرط الاستقرار في الجزائر هو أن تتم المصالحة الوطنية التي حققت ذلك. تتم الآن في مصر عملية إقصاء الإخوان المسلمين، ولا يمكن اجتثاثها لأن لديها عمق في الشارع المصري، من مصائب العراق بعد الحرب هو محاولات اجتثاث حزب البعث. بالعودة إلى صحيفة القدس العربي التي تعتبر بفضلكم واحدة من أهم الصحف العربية، لكنكم قررتم الاستقالة بعد ربع قرن مما يطرح عديد التساؤلات، لماذا استقال عبد الباري عطوان؟ تعبت من الضغوط المالية وأيضا تقدمي في السن، لا أريد الحديث في التفاصيل من الناحية القانونية فقط، أنا رجل حر وأكتب قناعتي ولا أعرف أن أكتب ما يملى عليه، وأنا عمري 63 سنة وأتحدى أي أحد يثبت عكس ذلك. شقت صحيفة “القدس العربي” طريقها إلى النجاح بجهود بسيطة وخاضت حروبا ومعارك من أجل الوصول إلى هذا الصدى العربي. طبعا مهمة التأسيس سنة 1989 لم تكن سهلة على الإطلاق، في ظل المنافسة الحادة من الصحف الكبيرة في ذلك الوقت، مثل “الشرق الأوسط” و”الحياة اللندنية”. إلا أننا نجحنا في الثبات على خط الصحيفة التي راهنت على القارئ العربي، سيما المثقفين، حيث أصرّيت منذ تأسيس الجريدة على أن تكون هناك مساحة هامة للثقافة التي قد لا ترفع من حجم المبيعات، بقدر ما تحقق للجريدة احترام القارئ. لهذا فنجاح “القدس العربي” يعود إلى الثقافة التي خصصت لها صفحتين كاملتين في وسط الجريدة، ولا يزال النهج معمول به إلى غاية اليوم.