يقول الله سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} المجادلة:7. إنّ الذّنوب حجاب عن الله عزّ وجلّ، والانصراف عمّا يبعد عن الله تعالى واجب. وإنّما يتمّ ذلك بالعلم والنّدم والعَزم، فإنّه متَى لم يعلم أنّ الذّنوب أسباب البُعد عن المولى الكريم سبحانه وتعالى، لم يندم على الذّنوب، ولم يتوجّع بسبب سلوكه طريق البُعد، وإذا لم يتوجّع لم يَرجِع. وقد أمر الله تعالى بالتّوبة فقال: {وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَميعاً أَيُّها المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفْلِحُون} النّور:31، وقال سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “يا أيّها النّاس توبوا إلى ربّكم، فإنّي أتوب إلى الله في اليوم مائة مرَّة”. واحذر من المعصية حتّى وإن كانت صغيرة، فالصّغيرة تكبُر بأسباب منها: الإصرار والمواظبة. واستصغار الذّنب، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “إنّ المؤمن يرى ذنوبه كأنّه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإنّ الفاجر يرى ذنوبه كذُباب وقع على أنفه، فقال به هكذا”، أخرجه البخاري ومسلم. وأن تَفرح بالصّغيرة وتتمدّح بها، كأن تقول: أمَا رأيتني كيف مزَّقتُ عَرْضَ فلان، وذكرتُ مساويه حتّى خجلته، أو يقول التاجر أمَا رأيت كيف روّجتُ عليه الزّائف، وكيف خدعته وغبنته، فهذا وأمثاله تكبر به الصّغيرة. وتتهاون بسِتر الله تعالى وحِلْمِه عنك وإمهاله إيّاك ولا تدرى أن ذلك قد يكون مقتًا لتزداد بالإهمال إثمًا. وأن تأتي الذّنب ثمّ تذكره بمحضر من غيرك، وفى الصّحيحين من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: “كلّ أمّتي مُعَافَى إلاّ المُجاهرين، وإنّ مِن المُجاهرة أن يَعْمَل الرّجل العمل باللّيل، ثمّ يَصبَح وقد سترَهُ الله عليه، فيقول: يا فلان عَمِلْتُ البارحة كذا وكذا، وقد بات يَسْتُره الله عليه، ويَصبَح يَكشف ستر الله عنه”. فعلى الإنسان قبل أن يَقدِم على معصية الله، يجب عليه أن يعلَم أنّ الله معه، وأنّ الله يُراقبه، وأنّ الله له بالمِرصاد، وأنّه يعصي الله وهو في ملك الله، ويعصي الله وهو يأكل مِن رزق الله، ويعصي الله والله يراه. وقبل أن يعصي المرء ربّه، ينبغي أن يعلم أنّ الملائكة تحصي عليه جميع أقواله وأفعاله وأعماله، ويكتب هذا في صحيفته، ولا يترك من ذلك ذرّة، قال الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ق:18، وقال تعالى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} الجاثية:29. وقبل أن تعصي الله تعالى، ينبغي لك أن تقرأ قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “يُحْشَر النّاسُ حفاة عراة غُرلاً، قالت عائشةُ، فقلت: الرّجالُ والنّساء جميعًا ينظُر بعضهم إلى بعض؟ قال: الأمرُ أشدّ من أن يُهِمَّهم ذلك”، أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها لهول المحاسبة. وقبل أن تعصي الله عزّ جلّ، ينبغي أن تتمعّن ما قاله النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام حينما يرى أمّته تُسَاق إلى النّار يقول: “يا ربّ، أمّتي”، فيُقال له: “إنّك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك”، فيقول: “سُحقًا، سُحقًا”، أخرجه مسلم. وعليك قبل أن تعصي الله تعالى، أن تعلم أنّ ملك الموت وهو يهمّ لإخراج روحك، تتمنّى حينها أن يستغفر الله تعالى، فلا تقدر. وعليك قبل أن تعصي الله تعالى، أن تذكُر القبر وعذابه، وضيقه وظلمته، وديدانه وهوامه، فالقبر إمّا روضة من رياض الجنّة، أو حُفرة من حفر النّار. وقبل أن تعصي الله سبحانه وتعالى، يجب أن تتذكَّر أنّ الذّنوب تؤدّي إلى قِلّة التّوفيق، وحرمان العلم، وحرمان الرّزق، وضيق الصّدر، وتعسير الأمور، ووهن في البدن، وقصر في العُمر، وموت الفجأة، وفساد العقل، وذهاب الحياء والغيرة، والأنفة والمُروءة، والمَعاصي تزيل النِّعَم، وتحل النِّقم، وتمحَق بركة العمر، وبركة الرّزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة الطّاعة.