تشير الآية الكريمة {الّذي يُوَسْوِسُ فِي صُدُور النّاس} إلى أنّ الوَسوسة صفة للشّيطان، فذَكَرَ وسوسته أوّلاً، ثمّ ذكر محلّها ثانيًا، وأنّها في صدور النّاس، وقد جعل اللّه للشّيطان دُخولا في جوف العبد ونفوذًا إلى قلبه وصدره، فهو يجري منه مَجْرَى الدّم وقد وَكَّلَ بالعبد فلا يُفارقه إلى الممات. ورد في الصّحيحين من حديث الزّهري عن عليّ بن حسين عن صفية بنت حَيَي قالت: كان رسول اللّه مُعْتَكِفًا، فأتيتُه أزوره ليلاً، فحدّثته ثمّ قمتُ فانقلبتُ فقام معي ليقلّبَني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمَرّ رجلان من الأنصار، فلمّا رأيَا النّبيّ أسْرَعَا، فقال النّبيّ: ”على رَسْلِكُما إنّها صفية بنت حُيَي”، فقالاَ: سبحان اللّه يا رسول اللّه؛ فقال: ”إنّ الشّيطان يجري من الإنسان مَجْرَى الدّم، وإنّي خشيتُ أن يَقْذِفَ في قلوبكما سُوءًا أو قال شيئًا”. وفي الصّحيح أيضًا عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ”إذا نُودِيَ بالصّلاة أَدْبَرَ الشّيطان وله ضُرَاط، فإذا قضى أقْبَل، فإذا ثوّب بها أدبر، فإذا قضي أقبل حتّى يخطر بين الإنسان وقلبه، فيقول: اذْكُر كذا، اذْكُر كذا، حتّى لا يدري أثلاثًا صلّى أم أربعًا، فإذا لم يدر أثلاثًا صلّى أم أربعًا سجد سجدتي السّهو”. ومن وسوسته ما ثبت وفي الصّحيح عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ، صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ”يأتي الشّيطان أحدكم فيقول: مَن خَلَقَ كذا؟ ومن خَلَقَ كذا؟ حتّى يقول: مَن خَلَقَ اللّه؟ فمَن وجد ذلك فليَسْتَعِذْ باللّه ولْيَنْتَهِ”. ومن وسوسته أيضًا أن يشغل القلب بحديثه حتّى يُنسيه ما يُريد أن يفعله، ولهذا يضاف النّسيان إليه إضافته إلى سببه، قال تعالى حكاية عن صاحب موسى إنّه قال: {إنّي نَسِيتُ الْحُوتَ ومَا أنسَانِيهِ إلاّ الشّيطان أن أذْكُرَهُ} الكهف:63.