قراءة سيرة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بتدبّر واعتبار تدفع المؤمن إلى الاهتداء بسنّته والسّير على طريقته، ولكن الاحتفال بذِكرى ليلة المولد النّبويّ أمر لم يكن معروفًا في صدر الإسلام، وأوّل مَن بدأه هم الفاطميون في القرن الرابع الهجري في مصر وغيرها. ويُقال إنّ أوّل مَن فعل هذا في مدينة الموصل بالعراق هو الشيخ عمر بن محمّد المُلاّ، أحد الصّالحين، ثمّ اقتدى به في مدينة إربل بالعراق الملك المظفّر أبو سعيد، حيث ألّف له الحافظ ابن دِحْيَة كتابًا في قصّة المولد سمّاه: “التّنوير في مولد البشير النّذير” فأجازه بألف دينار. وقد علّق الإمام أبو شامة على ذلك بقوله: [ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما كان يُفعل بمدينة إربل كلّ عام في اليوم الموافق ليوم مولد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الصّدقات والمعروف وإظهار الزِّينة والسّرور. فإنّ ذلك مع ما فيه من الإحسان إلى الفقراء، مُشعرٌ بمحبّة النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وبعظمته وجلاله في قلب فاعله وشكر الله تعالى على ما منّ به من إيجاد رسوله الّذي أرسله رحمة للعالمين، صلّى الله عليه وعلى جميع المرسلين]. فهذه سُنّة حسنة ولمَن سنّها أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة كما جاء في الحديث النّبويّ الشّريف. فلا غضاضة أبدًا في أن يَعنَى بها المسلمون وأن يجتمعوا عليها بشرط أن يكون احتفالهم بهذه الذِّكرى غير خارج عن حدود شرع الله الحنيف.