وزير المجاهدين يقف على مدى التكفل بالفلسطينيين المقيمين بمركز الراحة بحمام البيبان    افتتاح الطبعة 14 للمهرجان الثقافي الوطني للشعر النسوي    طاقة ومناجم: عرقاب يستقبل وزير الإسكان و الاراضي لجمهورية موريشيوس    اللقاء الجهوي الاول للصحفيين والاعلاميين الجزائريين بوهران: توصيات لدعم مهنة الصحافة والارتقاء بها    السيد عطاف يتحادث مع نظيره المصري    اجتماع تقييمي لنشاطات هيئة الوقاية من الأخطار المهنية في مجال البناء والأشغال العمومية    زيت زيتون ولاية ميلة يظفر بميدالية ذهبية وأخرى فضية في مسابقة دولية بتونس    إطلاق المنصة الرقمية الجديدة الخاصة بتمويل مشاريع الجمعيات الشبانية لسنة 2025    الاتحاد العربي لكرة السلة: انتخاب الجزائري مهدي اوصيف عضوا في المجلس و إسماعيل القرقاوي رئيسا لعهدة رابعة    حج 2025: اجتماع اللجنة الدائمة المشتركة متعددة القطاعات    مشروع قانون الأوقاف: النواب يثمنون المشروع ويدعون لتسريع تطبيق مضامينه    طيران الطاسيلي تنال للمرة الثامنة شهادة "إيوزا" الدولية الخاصة بالسلامة التشغيلية    سعداوي يؤكد التزام الوزارة بدعم ومرافقة المشاريع والأفكار المبتكرة للتلاميذ    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 51065 شهيدا و116505 مصابا    استثمار اجتماعي: سوناطراك توقع عدة اتفاقيات تمويل ورعاية    وهران : الطبعة الأولى للمهرجان الوطني "ربيع وهران" من 1 الى 3 مايو المقبل    توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني    وزارة التربية تلتقي ممثّلي نقابات موظفي القطاع    تحقيق الأمن السيبراني أولوية جزائرية    والي العاصمة يستعجل معالجة النقاط السوداء    مزيان يُشرف على تكريم صحفيين    منارات علمية في وجه الاستعمار الغاشم    معارك التغيير الحضاري الإيجابي في تواصل    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    اتحاد الجزائر وشباب بلوزداد وجهاً لوجه    سوناطراك توقّع مذكرتين بهيوستن    مؤامرة.. وقضية مُفبركة    نرغب في تعزيز الشراكة مع الجزائر    تراث الجزائر.. من منظور بلجيكي    بن سبعيني يمنح برشلونة رقما استثنائيا    اجتماع بين زيتوني ورزيق    الوزير الأول, السيد نذير العرباوي, ترأس, اجتماعا للحكومة    الجزائر قامت ب "خطوات معتبرة" في مجال مكافحة الجرائم المالية    إحباط محاولات إدخال قنطارين و32 كلغ من الكيف المغربي    فرنسا تعيش في دوامة ولم تجد اتجاهها السليم    التكنولوجيات الرقمية في خدمة التنمية والشّمول المالي    "صنع في الجزائر" دعامة لترقية الصادرات خارج المحروقات    اجتماعات تنسيقية لمتابعة المشاريع التنموية    الرياضة الجوارية من اهتمامات السلطات العليا في البلاد    آيت نوري ضمن تشكيلة الأسبوع للدوريات الخمسة الكبرى    السوداني محمود إسماعيل لإدارة مباراة شباب قسنطينة ونهضة بركان    عين تموشنت تختار ممثليها في برلمان الطفل    الطبخ الجزائري يأسر عشاق التذوّق    استبدال 7 كلم من قنوات الغاز بعدة أحياء    بومرداس تعيد الاعتبار لمرافقها الثقافية    مشكلات في الواقع الراهن للنظرية بعد الكولونيالية    أيام من حياة المناضل موريس أودان    نافذة ثقافية جديدة للإبداع    صناعة صيدلانية : قويدري يتباحث مع السفير الكوبي حول فرص تعزيز التعاون الثنائي    بلمهدي يبرز دور الفتوى    سانحة للوقوف عند ما حققته الجزائر من إنجازات بالعلم والعمل    حجز الرحلات يسير بصفة منظمة ومضبوطة    التنفيذ الصارم لمخطط عمل المريض    20 رحلة من مطار "بن بلة" نحو البقاع المقدسة    ما هو العذاب الهون؟    عربٌ.. ولكنهم إلى الاحتلال أقرب!    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حقيقة أزمة غرداية.. وخارطة طريق معالجتها
نشر في الخبر يوم 14 - 02 - 2014

إن تجدد أحداث الفتنة في ولاية غرداية منذ قرابة الشهرين من الزمن، والتطورات المتسارعة والخطيرة التي آلت إليها الأمور، من انتهاك كل المقدسات والمحرمات في الدين والإنسانية والوطن، المتمثلة في حرمة النفس والعرض والمال، جعلت الكثير من الخيّرين في الجزائر، من كل الأوساط والشرائح والمستويات يتساءلون بحرقة وغيرة عن حقيقة ما يقع في غرداية، وعن الأسباب والدواعي وراء هذه الفتنة، ثم عن السبل الكفيلة للخروج منها ولملمة الأوضاع في هذه المنطقة، التي كانت تمثل رمز التعايش والتسامح والتنوع الحضاري الذي يزخر به هذا الوطن.
إن هذا الاهتمام بأحداث غرداية ينمّ عن وعي لدى هذا الشعب، وعن شعوره بوحدة مصيره وبكونه لحمة واحدة تجمعه عقيدة الإسلام ومبادئ ثورة نوفمبر، وأنه إذا اعتل فيه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، كما دل على ذلك حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام.
وباعتبارنا من أبناء هذه المنطقة، فإن الأسئلة والاستفسارات ما فتئت تتهاطل علينا من نخبة هذا الوطن، أساتذة ومثقفين وإعلاميين وسياسيين ودعاة وأئمة، تريد معرفة الحقيقة، وترغب بكل صدق ومحبة في تقديم يد المساعدة لتجاوز هذه الأزمة.
فكانت هذه المحاولة لتوضيح ما حدث، ولا يزال يحدث، للرأي العام الوطني وتحليل هذه الظاهرة الخطيرة والغريبة، واقتراح خارطة طريق لمعالجة الأزمة من جذورها، والمساهمة في إيجاد حلول لها.
بداية، أسجّل بكل وضوح أنه من الصعب فك ألغاز وطلاسم ما يحدث في غرداية، وما هي الأسباب العميقة والخفية وراء تفجّر الأوضاع بهذه الصورة المنكرة الرهيبة في كل مرة. كما أسجّل كذلك بكل وضوح أنه من الصعوبة بمكان إيجاد حل ناجع وجذري للأزمة لمن لم يقف على حقيقة التركيبة الاجتماعية للسكان، ولمن لم يفهم مكوّنات المجتمع وشرائحه في غرداية، ولمن يجهل تاريخ المنطقة القريب منه والبعيد. مع هذه الصعوبات الموضوعية في فهم حقيقة المشهد، أحاول توصيف الواقع الاجتماعي في غرداية كما يلي:
إن هناك كيان مجتمع تعود جذور نشأته إلى أزيد من عشرة قرون من الزمن تميزه خاصيتان نوعيتان هما: كونه أمازيغي العرق، إباضي المذهب؛ استطاع طوال هذه المدة أن يقيم في صحراء الجزائر حضارة متميزة متكاملة الجوانب، ويبني مشروع مجتمع متكامل الأركان، تجسدت هذه الحضارة أعمالا ومنجزات في مناحي الحياة المختلفة دينيا واجتماعيا واقتصاديا وعمرانيا.
استلهم هذا المجتمع فلسفته وفكره من روح الشريعة الإسلامية ومقاصدها، ونزل بها إلى حياة الناس فضبط بها سلوكهم وبنا شخصيتهم وعالج مشاكلهم وأوجد حلولا لعصرهم.
وكان من ثمار هذا الجهد تشكيل مجتمع يسوده الالتزام بأخلاق الإسلام وأحكامه وآدابه، وبناء عمران يراعي حرمات الإسلام، وإنشاء شبكة علاقات اجتماعية تحقق التكافل والتعاون والتآزر بين الأفراد، ودفعهم إلى العمل والجد والكسب الحلال، ومحاربة البطالة والتكاسل والفراغ، ونبذ الجريمة والآفات الاجتماعية.
كل هذا تحت إمرة مشايخ وأعيان ورؤساء عشائر وعائلات، جمعوا بين الأخلاق والحنكة وخبرة الحياة، عرفوا في هذا المجتمع بالعزابة والأعيان.
استغرق بناء هذه الحضارة الإنسانية الجزائرية الإسلامية الواقعية تراكم جهود عشرة قرون من الزمن، حتى أضحى هذا المجتمع لدى كل عقل لبيب علامة حضارية مميزة داخل الجزائر، لا توجد لها صورة مماثلة في كل أرجاء الدنيا. دون أن يعني ذلك كمالها أو خلوّها من النقائص والعيوب. هذا هو باختصار المجتمع الميزابي في غرداية.
في مقابل ذلك وفي المشهد الثاني من التركيبة السكانية لأهل غرداية يوجد أعراش عديدون للإخوة العرب، الذين من أهمهم عرش المذابيح وبني مرزوق والشعانبة، الذين قدموا إلى المنطقة في فترات زمنية مختلفة، وبأسباب تاريخية متعددة، واستقروا بجوار المجتمع الأول وحواليه. وكل عرش من هذه الأعراش تحكمه أعراف وتقاليد ومميزات ونمط في العيش يتفق في جوانب ويختلف في أخرى مع المجتمع الميزابي، وهذا هو طبع كل البشر. وطوال القرون الماضية لاستقرار هذه الأعراش في غرداية كانت هناك محاولات موضوعية عديدة لنسج شبكة علاقات اجتماعية واقتصادية ونشوء مصالح متبادلة بين الكيانين الاجتماعيين المتساكنين.
إلا أن التباين الحضاري والاجتماعي بين هذه الشرائح السكانية كان أقوى من أن يسمح بحصول انسجام تام بين أفرادها، خاصة وأن المجتمع الميزابي الذي يرى أن المحافظة على خصوصيته الحضارية تقتضي منه الإبقاء على نوع من الانغلاق الداخلي على نفسه في حياته الاجتماعية، ويرى أن ذلك حقا مشروعا له ما دام لا يؤذي الآخرين ولا يتعدى عليهم.
إن عدم تفهم هذه الخصوصية وعدم مراعاتها، مع الجهل بحقيقتها وتشويه صورتها، وعدم القدرة على مسايرتها حضاريا واجتماعيا، وتعذّر تقليدها أو إيجاد مثيل لها. كل هذا كرّس الشرخ والتباين والفارق بين الكيانين، وتحوّل مع الوقت إلى تحاسد وتصارع وتخاصم في بعض مجالات الحياة الحيوية التي يقع فيها التلاقي والتماسي اليومي مثل الإدارة والوظيفة والعقار وغيرها، في ظل غياب الوعي، وغياب سياسة فكرية ثقافية واضحة المعالم لدى الدولة لضبط مثل هذه الأمور.
في تقديري، هنا يكمن صلب الإشكال ومربط الفرس وحجر الزاوية في أزمة غرداية، وما ظاهرة تفجّر الفتنة في أيامنا هذه إلا مشهد من مشاهد الاحتقان المتراكم طوال فترة زمنية طويلة. وتبقى كل الأسباب الأخرى، من مخدرات وعقار ومصالح سياسية، أسبابا ثانوية تستعمل في إشعال نار الفتن في تربة هشة ومعدة سلفا لهذا الاشتعال في أي لحظة.
أمام هذه الوضعية الاجتماعية الحساسة جدا، فإن خارطة طريق معالجة الأزمة والخروج منها نهائيا في غرداية ليست مستحيلة، إلا أنها ليست يسيرة كذلك، كما أنها لا تعالج بالبهرجة الإعلامية وتبادل القبلات وتوزيع الجوائز على مشايخ وأعيان في مناسبات دينية أو وطنية لوحدها، وإنما بعمل دؤوب متواصل على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وبرعاية صادقة حازمة من الدولة، وبمشاركة الخيّرين من أبناء هذا الوطن، وفي تقديري هذه أهم معالمها:
الخطوات الآنية العاجلة:
-الحضور القوي للدولة على المستوى الأمني للتحكم في الوضع وعدم السماح بتعفنه أكثر.
-القيام بتحقيق جاد وعميق لكشف الأيادي الخفية التي تقف وراء الفتنة.
-القبض على المجرمين والجناة ورؤوس الفتنة المشاركين في القتل وتقديمهم للعدالة
-معاقبة المتورطين في أعمال السرقة والحرق والتحريض.
-التعويض المادي والمعنوي للمتضررين في أجسادهم وسكناتهم وتجارتهم وبساتينهم
-إطلاق سراح كل الأبرياء الذين ألقي عليهم القبض وهم في حالة دفاع عن ذويهم وحرماتهم.
الخطوات على المدى المتوسط والبعيد:
-اقتناع الدولة بأن ولاية غرداية ذات خصوصية حضارية واجتماعية، ما يقتضي منها وضع سياسة متكاملة لمراعاة هذا الأمر، من ذلك: التعريف بالتاريخ المشترك لتعايش أبناء المنطقة، وتدريس المذهب المالكي والإباضي على حد سواء في المدارس والجامعات، وتصحيح أئمة المساجد والدعاة للرؤى الخاطئة حول المذهب الإباضي بنسبته إلى الخوارج، ومحاربة بذور فكر التكفير والتبديع والتضليل بالولاية.
-تحكم الدولة الحازم في معالجة الملفات الحساسة التي تكون سببا لإثارة الفتن، المتمثلة في العقار والشغل والسكن والوظائف والانتخابات، ومحاولة تسييرها بصيغة توافقية، أو ما يسمى بنظام ”الكوطة”.
-قيام المجتمع المدني بنشر ثقافة التعايش وتجسيد قيم المواطنة في الولاية عن طريق أعمال مشتركة في المجالات المختلفة، وبالاحترام المتبادل للخصوصيات الاجتماعية والحضارية واعتبارها حقا مشروعا ومكفولا للجميع.
-معالجة المخلفات النفسية والاجتماعية والمعنوية للأزمة من خلال التوعية والإرشاد والنصح الذي يقوم به المختصون والجمعيات.
-تعاون الجميع على محاربة مظاهر العنصرية والطائفية في كل مؤسسات الدولة الإدارية والتربوية والصحية.
هذه محاولة لفهم ظاهرة الفتنة في ولاية غرداية، والوقوف على جذورها العميقة، واقتراح خارطة طريق لحلها. وبتحرك جميع الخيّرين في الولاية وهم كثر، وبمساعدة خيّري الوطن نستطيع تجاوز آثار هذه الأزمة المزلزلة، ونمضي قدما في سبيل نشر المحبة والأخوة والألفة التي أوصانا بها ديننا الحنيف، ونرسي في الجزائر العزيزة دعائم السلم الاجتماعي الذي ينشده الجميع للعيش في هناء وسعادة وأمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.