في لقاء تاريخي جمع أمس بمقر ولاية غرداية الإخوة الفرقاء إباضية ومالكية، حيث جلسوا على طاولة واحدة لتوقيع الاتفاق الذي هندسته أطراف فاعلة وحضره الوزير المنتدب المكلف بالجماعات المحلية "دحو ولد قابلية" بمشاركة كبار الوجوه من المذهبين الميزابي والمالكي وعقلاء المنطقة من الطرفين بما في ذلك ممثلي الشعب في البرلمان بغرفتيه وعناصر مجلس الأمن الولائي. * * إجماع على تجاوز المحنة ودعاة الترسيم خارج السرب * لن نقبل بجدار برلين وبريان وحدة لا تتجزء * * حيث تكللت المساعي بعد أكثر من شهرين من التفاوض والمشاورات لإخراج أول وثيقة في تاريخ الجزائر من طابعها العرفي إلى الجانب البروتوكولي الرسمي، وعرفت قاعة الاجتماعات بديوان والي غرداية تحضيرات مسبقة ومحكمة قبل أن يتم في العاشرة صباحا الإعلان عما سمي بورقة الطريق لوضع حد لعداوة الإخوة في بريان، حيث ساهمت عدة فعاليات منها كبار عقلاء الجهة على تحقيق هذا الإنجاز الذي وصف بالتاريخي لتفويت الفرصة على من نعتوا بالانتهازيين وصيادي المياه العكرة حسب أكثر من رأي. * خرج الإخوة الفرقاء ببريان بأرضية تفاهم موثق يحمل طابع الرسمية على أكثر من صعيد يحتوي على 15 بندا للعمل على استتباب الأمن وعودة المياه إلى مجاريها بعد عمليات مد وجزر بين الشباب خلفت خسائر في الأرواح والممتلكات، اللقاء الذي حضره والي الولاية "يحي فهيم" ورئيس المجلس الشعبي الولائي ورجال الأسرة الثورية وفعاليات المجتمع المدني وقف عليه الوزير بحرص من القاضي الأول للبلاد شخصيا حسب توضيحات الوزير ذاته الذي دعا ممثلي الطرفين إلى وجوب الالتزام ببنود الاتفاقية لحماية الممتلكات والأشخاص والعمل على إيجاد صيغ توافقية لجمع الشتات وتفويت الفرصة على المحرضين والمتلاعبين بأمن الجزائر، المسؤول ذاته الذي تردد على المنطقة لعقد لقاءات جوارية لأكثر من شهر في شكل جلسات حرص على نبذ العنف وإرساء الاستقرار في منطقة كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان. * هذا ورحبت كافة تشكيلات التركيبة الميزابية والمالكية على حد سواء بما سمته النية الصادقة والجدية والمصارحة في طرح إشكالات كانت توصف بالمعقدة للخروج من الأزمة، حيث حاولت في السابق بعض العناصر البزنسة بالملف والتلاعب بمقومات الجهة الصحراوية وهو ما أجمع على نبذه المشاركون في جلسة حميمية وتضامنية جعلت كل من في القاعة يدعو إلى طي صفحة الماضي في صور تضامنية قلما شاهدناها بالرغم مما سماها البعض بالجراح التي سنعمل على تضميدها وتجاوز المحنة التي ألمت بشبابنا يضيف أكثر من متحدث "للشروق اليومي" على اعتبار أنه لا فرق بين ميزابيين ومالكيين إلا بالتقوى، فمنهم إخوة من الرضاعة وزملاء الدراسة والخلان، فمن المستفيد من التنطع والتشدد وكره الطرف الآخر؟ يشير الحكماء وأئمة المنطقة وكبراؤها، مؤكدين أن بريان قلعة الجهاد لن تترك بين يدي من يريد بها سوءا وأن العمل مستقبلا سيكون جواريا وجنبا إلى جنب لجبر الكسر وإصلاح ذات البين في دائرة تعد الأكبر بالولاية والأكثر تجانسا، حيث كانت في الماضي القريب أثناء العشرية السوداء ملاذا لجميع الجزائريين وتلقب بسويسرا الجزائر لما عرفته من إطعام للجائع وأمن للخائف. * * ولد قابلية: الدولة ستضمن تطبيق خارطة الطريق ولا مكانة لدعاة ترسيم المذهب الإباضي * أوضح دحو ولد قابلية، الوزير المنتدب لدى وزارة الداخلية المكلف بالجماعات المحلية في تصريح "للشروق اليومي" أن الدولة ستتكفل بتنفيذ ما جاء في مذكرة الاتفاق التي أمضتها الأطراف الثلاثة: الوزارة والطرفين الإباضي والمالكي، وتجسيدها حرفيا وتعويض كافة المتضررين وإعادة ترميم العقارات، إضافة إلى كل ما خرب من مبان ومرافق وأنه لا مكانة لدعاة ترسيم المذهب الإباضي بيننا، علما أن الدستور ينص على أن الإسلام دين الدولة وهذا المطلب غير مؤسس وليس من الدين ولا الدستور في شيء، أما مسألة الأمازيغية المعترف بها كلغة فتشمل جميع اللهجات الجزائرية بما فيها اللهجة الميزابية يضيف نفس المسؤول، مشيرا أن أطرافا حاولت على مدار الشهور الماضية إجهاض هذا الاتفاق بطرح أفكار ضيقة لا تخدم أحدا ومحاولة تسييس القضية ومنه إخراجها عن نطاقها العام والسعي إلى إذكاء نار الفتنة من خلال طرح تصورات عبر تدخلات هامشية لم تكن ترغب في خدمة الدين والوطن، وأن المذاهب كما هو معروف ثمانية حسب قوله أربعة سنية وثلاثة شيعية وواحد إباضي وهي راسخة منذ قرون، وقد اجتهدت يقول ولد قابلية بتوجيهات شخصية من فخامة رئيس الجمهورية للتحكم في الملف بحكم سابق معرفتي بالمنطقة وشيوخها وكافة الفاعلين الذين ساهموا في الوصول إلى ميلاد ورقة خارطة الطريق هي الأولى من نوعها على أن يتم إصدار ميثاق السلم والتعايش بعد شهور، وعاد الوزير ليؤكد "للشروق اليومي" أن تعليمات أعطيت للمجلس الشعبي البلدي ورئيس الدائرة للعمل في حياد والالتزام بتنفيذ قرارات الدولة لخدمة المواطنين لا غير، مضيفا أن الوصول إلى هذا الاتفاق التاريخي هو درس للجميع بالرغم من المشاكل الداخلية والخارجية، وأن كل الانشغالات المسجلة بما فيها تأخر التلاميذ عن الدراسة سيستدرك في حينه وقبل الشروع في امتحانات نهاية السنة. * * الشرطي المتسبب في فتنة بريان تمت معاقبته * أفاد دحو ولد قابلية الوزير المنتدب لدى وزارة الداخلية المكلف بالجماعات المحلية أن الشريط المصور الذي رفع للسلطات العليا ضد الشرطي المتهم بإثارة الفتنة أثناء الأحداث تمت معاقبته رسميا عقب التحقيق الذي عكف عليه مسؤلو مديرية الأمن الوطني ووزارة الداخلية وذلك من أجل تجنيب المنطقة ما وصف بالحرب الأهلية، سببها تصرفات انفرادية ضيقة، وأن الدولة حريصة على تنفيذ قوانين الجمهورية بما يخدم المصالح العليا للبلد وعودة الأمن والطمأنينة. * * الناطق الرسمي لهيئة الميزابيين: جماعة الترسيم تغرد خارج السرب * أكد الناطق الرسمي باسم هيئة جماعة الميزابيين ببريان "داود بورقيبة" أن دعاة ترسيم المذهب الإباضي يغردون خارج السرب ونحن براء منهم براءة الذئب من دم يوسف، وأن الدعوة إلى مثل هذه الأفكار تعد لغوا في الدين ولن نؤيد أصحابها مهما كلفنا الثمن، وأن الجزائر موحدة دينا وترابا، كما أن الهيئة تتبرأ من كل من يحاول طرح تصورات ضيقة لا تخدم مصلحة الوطن ولا لجدار برلين في بريان، فهي جسم غير قابل للتجزئة وأن جميع الشركاء والفاعلين في هذه البلدة مستعدون لإستتباب الأمن والجلوس جنبا إلى جنب بغية قطع الطريق على الانتهازيين وأعداء الدين، كما أن شباب المنطقة تعهد بطي صفحة الماضي، من جهته نفى "يوسف بن زايط" أحد كبار الإباضية أن يكون وفد من الميزابيين قد تنقل إلى قصر المرادية لرفع جملة من المطالب لرئيس الجمهورية، في إشارة واضحة إلى تصريح إعلامي سابق أدلى به حقوقي وناشط في جبهة القوى الاشتراكية مطلع الأسبوع الجاري. * * رئيس وفد المالكية: سنسعى إلى إذابة الجليد وتجسيد المطالب * كشف بشير قوادري رئيس وفد المالكية الذي أمضى على ورقة الطريق المكونة من 15 بندا منها العمل على إيقاف الفتنة ونزع الأسباب والمسببات مع مختلف الشرائح، أن الأحداث الأخيرة التي شهدتها بريان والتي لم تعرفها أي جهة في تاريخ الجزائر أعطت درسا لشباب المنطقة الذي عرف كيف يسير أزمته بنفسه في إطار العرف العام، مشيدا بمجهودات الوزارة وكافة الخيرين الذين تجندوا لتجنيب المنطقة كارثة إنسانية، مطالبا فئات المجتمع من مالكيين ومزابيين الالتفاف حول الرأي الحكيم وتطبيق بنود ورقة الطريق والتي من بين ما جاء فيها استنكار العنف والتبليغ عن المتسبب فيه وترسيخ دعائم السلم ونشر ثقافة الصلح والاهتمام بانشغالات المواطنين لسد كل الثغرات، إذ لا يمكن بقاء الوضع على ما هو عليه بعد أن سجلت بريان أحداثا دامية أرجعت المنطقة إلى مدينة أشباح وهجرتها العديد من العائلات لدواعي أمنية. * * رئيس المجلس الشعبي الولائي بغرداية : الحكمة تغلبت على الفتنة والمتوج هي بريان * قال أحمد بوخاري رئيس المجلس الشعبي الولائي بغرداية على هامش التوقيع على ورقة الطريق بين مالكية وإباضية بريان أمس، أن حكمة أبناء المنطقة تغلبت على الفتنة التي اندلعت بينهم، داعيا الإخوة إلى التضامن والتآزر بينهم ونسيان الأحقاد والضغائن، مصرحا "للشروق اليومي" أن الجميع تكاتف منذ اندلاع شرارة الأزمة لإيجاد صيغة توافقية تخدم الطرفين وتعيد الأمل للفئات الشبانية، مذكرا أن عدة جهات تحب الخير لبريان، كما سعت جاهدة لإخراج المنطقة من دائرة الخطر والجلوس إلى طاولة واحدة لامتصاص الغضب والبحث دوما عن مستقبل أفضل. * * هذا ما اتفق عليه الإباضيون والمالكيون لطي صفحة الخلاف * اتفق المالكيون والإباضيون بمنطقة وادي ميزاب، على طي صفحة الخلاف التي تفجرت إلى العلن من خلال المواجهات الدامية التي خلفت سقوط عديد الضحايا في السنتين الأخيرتين، وأكدوا بأنهم يرفضون استخدام أبناء المنطقة من الطرفين لتصفية حسابات لا علاقة لهم بها، ولا تخدم سوى أصحاب الأنفس المريضة. * الاتفاق جاء تتويجا لسلسلة من اللقاءات رعاها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بواسطة الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية والجماعات المحلية، المكلف بالجماعات المحلية، دحو ولد قابلية، وتحت إشراف مباشر للوزير الأول، أحمد أويحيى، حسب ما تضمنته ورقة الصلح الموقعة بتاريخ 31 مارس 2009، والتي تحصلت "الشروق" على نسخة منها. * ووقع على الوثيقة التي اصطلح على تسميتها "ورقة الطريق"، هيئة جماعة المزابيين ببريان، وهم داود بورقيبة بصفته ناطقا رسميا باسم الهيئة، وقاسم بوكراع والناصر حريزي وعبد الحميد الطالب باحمد ويوسف بهون بصفتهم أعضاء، وأعضاء مكتب المجلس المالكي ببريان، وهم قوادر بشير بصفته ناطقا رسميا باسم المجلس، وبكاير عبد القادر ومهدي ابراهيم وبورقعة عبد المالك وسريفيح محمد، بصفتهم أعضاء مكتب المجلس المالكي. * واتفق الطرفان، كما جاء في "ورقة الطريق"، على 15 نقطة ملزمة للجميع، تصب في جهود إطفاء نار الفتنة المشتعلة في الشهر الأخيرة بين أبناء المنطقة، أولها تكثيف عقد اللقاءات مع مختلف الشرائح للتوعية من أجل استتباب الأمن، والعمل على إيقاف الفتنة ونزع الأسباب والمسببات، وتشجيع روح الحوار وإرساء مبدأ الإحترام المتبادل بين الجميع في الخصوص والمقدسات، وإحصاء جميع الممتلكات التي تعرضت للضرر جراء الأحداث وتقييم الخسائر على أن ينطلق الإحصاء والترميم بالتوازي. * والتزمت وزارة الداخلية أمام الطرفين المتصالحين، على أن الترميم سيكون "بالطرق المناسبة (بواسطة المقاولات أو ذاتيا) وفق جدول زمني تحت إشراف الهيئتين الموقعتين على وثيقة الصلح، كما تم الاتفاق على إنشاء رابطة لجمعيات أولياء التلاميذ ببريان ترافق الدولة لخدمة قطاع التربية الوطني، على أن يتم تدعيمها من قبل الدولة تحسبا لامتحانات نهاية السنة الدراسية. * وستتولى الهيئتان الممثلتان للمالكية والإباضية، حسب الوثيقة، مسؤولية إعادة السلم للمنطقة في حال حدوث أي تجاوز من شأنه أن يهدد التعايش، مع إمكانية إعادة النظر في الخارطة الأمنية في كل تراب بلدية بريان بالتشاور وبالتعاون مع هيئة جماعة المزابيين ببريان ومكتب المجلس المالكي ببريان، وذلك لضمان أمن المنطقة، و"اعتبار الخصومة بين الأفراد شخصية وحصرها بينهم فقط". * وشدد الطرفان في الوثيقة على تفادي تكرار أي استفزاز او اعتداء جماعي او فردي، مع التنديد بأي عنف مع التبليغ عن المتسبب فيه، وفتح المجال أمام مصالح الامن "للتدخل الفوري وبالطرق الاحترافية والمعهودة لمعالجة الوضع والحيلولة دون تطور الوضع"، وأكدوا على أن "التعايش مهمة الجميع وتحميل كل فرد السعي والمساهمة في تحقيقه والمحافظة عليه"، من خلال ترسيخ دعائم السلم التي تتطلب ضرورة التكفل التام والعاجل بالمتضررين من المواجهات الأخيرة، ونشر ثقافة السلم ومواجهة الفكر والعمل التطرفي، ومواصلة الحوار بصفة منظمة للقضاء على كافة العوامل المسببة للتوتر وفي زيادة التوتر، والتأكيد على التشاور بين الهيئتين الممثلتين للطرفين، وكذا مع السلطات المحلية من الإدارة ومنتخبين بلدية بريان، قصد التشخيص والتكفل الفعلي بانشغالات المواطنين في إطار تساهمي مناسب، بحسب ما جاء في "ورقة الطريق". *