أخبرنا القرآن الكريم بما تضرَّع به عيسى عليه السّلام بعد أن سمع من الحواريين ما قالوه في سبب طلبهم لنزول المائدة من السّماء، كما بيّن ذلك سبحانه بقوله: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللّهمَّ رَبَّنَا أنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} المائدة:114، فقد طلب عيسى عليه السّلام من ربّه سبحانه أن ينزل على أنصاره رزقًا من السّماء، يكون يوم نزوله عيدًا يحتفلون به، ويبتهجون، ويتقرّبون به إلى اللّه عزّ وجلّ على ما رزقهم من الطيّبات، ويكون أيضًا عيدًا لمَن يأتي من بعدهم، ممّن لم يشهد هذه الآية المعجزة الرّبّانية. قال السِّدّي: أي نتّخِذ ذلك اليوم الّذي نزلت فيه عيدًا، نعظّمه نحن ومن بعدنا. وقال سفيان الثوري: يعني يومًا نصلّي فيه. وقال قتادة: أرادوا أن يكون لعقبهم من بعدهم. وعن سلمان الفارسي رضي اللّه عنه: عِظَة لنا ولمَن بعدنا. ثمّ ختم سبحانه حديثه عن هذه المائدة وما جرى بشأنها بين عيسى عليه السّلام والحواريين بقوله: {قَالَ اللّه إنِّي مُنْزِلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمَيْن}، فأخبرهم سبحانه أنّه منزل هذه المائدة عليهم؛ إجابة لدعاء رسوله عيسى عليه السّلام، وأخبرهم أنّ مَن يَكفُر بعد نزولها، فإنّه سوف يعذّبه عذابًا شديدًا. وقد مدح اللّه تعالى الحواريين في سورة الصف، ودعا المؤمنين إلى التّشبُّه والاقتداء بهم، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أنْصَار اللّه كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيينَ مَنْ أنْصَارِيَ إلَى اللّه قَالَ الْحَوَارِيُونَ نَحْنُ أنْصَارُ اللّه فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأصْبَحُوا ظَاهِرِين} الصف:14، فالآية هنا تأكيد لما جاء في آية آل عمران من دعوة عيسى المؤمنين من بني إسرائيل إلى نصرته، والالتزام بما جاء به.