أمر عيسى عليه السلام الحواريين بصيام ثلاثين يوما ولما أتموها سألوه إنزال مائدة من السماء، ليأكلوا منها وتطمئن قلوبهم أن الله تعالى قد قبل صيامهم وتكون لهم عيدا يفطرون عليها يوم فطورهم، فخاف عيسى عليه السلام عليهم ألا يقوموا بشكرها، فأبوا عليه إلا أن يسأل لهم ذلك، وألحوا عليه فأخذ يتضرع إلى الله تعالى في الدعاء والسؤال أن يجابوا إلى ما طلبوا فاستجاب الله عزوجل دعاءه. وأنزل سبحانه المائدة من السماء والناس ينظرون إليها تنحدر بين غمامتين، وجعلت تدنو منهم وكلما دنت أكثر سأل عيسى عليه السلام الله أن يجعلها رحمة لا نقمة وأن يجعلها سلاما وبركة، فلم تزل تدنو حتى استقرت بين يدي عيسى عليه السلام وهي مغطاة بمنديل، فقام يكشف عنها وهو يقول ''بسم الله خير الرازقين''، فإذا عليها من الطعام سبعة من الحيتان وسبعة أرغفة وقيل، ''كان عليها خل ورمان وثمار ولها رائحة عظيمة جدًا''. وأمر عيسى عليه السلام الحواريين وكذا الفقراء وأصحاب الحاجة والمرضى والعاهات، وكانوا قريبا من الألف وثلاث مائة أن يأكلوا من هذه المائدة، فأكلوا منها فبرأ كل من به عاهة أو آفة أو مرض مزمن، واستغنى الفقراء وصاروا أغنياء فندم الناس الذين لم يأكلوا منها لما رأوا من إصلاح حال أولئك الذين أكلوا ثم صعدت المائدة وهم ينظرون إليها حتى توارت عن أعينهم. وقيل إن هذه المائدة كانت تنزل كل يوم مرة فيأكل الناس منها، حتى قيل أنه كان يأكل منها كل يوم سبعة آلاف شخص، ثم أمر الله تعالى أن يقصرها على الفقراء دون الأغنياء، فشق ذلك على كثير من الناس وتكلم منافقوهم في ذلك فرفعت ومُسخ الذين تكلموا في ذلك من المنافقين خنازير، فجعلهم الله عز وجل في الدرك الأسفل في النار مع المنافقين وآل فرعون ليكونوا بذلك من أشد الناس عذابا يوم القيامة.