أكدت نتائج الجولة الثانية من الانتخابات المحلية الفرنسية حجم الأزمة السياسية التي يعيشها الحزب الاشتراكي الحاكم بسبب الهزيمة الثقيلة التي لحقت به، إثر فوز غريمه اليميني حزب “الاتحاد من أجل حركة شعبية” الذي حصل على 49% من أصوات الناخبين، فيما اكتفى الحزب الاشتراكي ب42%، في حين جاء اليمين المتطرف ممثلا في حزب “الجبهة الوطنية” في المرتبة الثالثة، مؤكدا بذلك تحوله إلى ثالث قوة سياسية في فرنسا. على الرغم من أن ملامح أزمة اليسار الحاكم بدأت مع نتائج الجولة الأولى من الانتخابات باعتراف المراقبين السياسيين الذين أكدوا أن ارتفاع نسبة الامتناع عن التصويت جاء بمثابة “التصويت العقابي”، إلا أن نتائج الجولة الثانية شددت على حجم الغضب الشعبي، ما اضطر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لإعادة النظر في الإجراءات المقررة على المدى القصير للتخفيف من السخط الجماهيري، لاسيما أن مستشاريه المقربين أكدوا أن التعديل الحكومي أو التخفيض الضريبي ليست بالإجراءات المهمة التي ترقى لتجاوز هزيمة المحليات وغضب الفرنسيين. من جانبها، قالت الصحافة الفرنسية إن الحزب الحاكم لم يعد يملك الكثير من الخيارات لمواجهة أزمته، في تأكيد على أن الأمر لم يعد مقتصرا على الحديث عن التعديل الوزاري أو تغيير رئيس الوزراء أو حتى الإعلان عن تخفيض ضريبي، باعتبار أن الأزمة طالت صفوف الحزب بعدما انقسم بين مؤيد ومتمسك بالسياسة المنتهجة من طرف الحكومة، وبين من يرى أن الخيارات السياسية المتبناة هي التي أدت للهزيمة الانتخابية. المثير أن الأزمة التي انتقلت إلى داخل الحزب الاشتراكي تجسدت في الدعوة إلى تعيين رئيس للوزراء جديد، بعدما ظهر فريق يسعى لتحميل رئيس الوزراء الحالي جون مارك أيرولت نتيجة الانتكاسة، وأشار استطلاع الرأي “بي.في.أ” الذي نشرته جريدة “لوباريزيان” مساندة 74% من المستجوبين لتغيير رئيس الوزراء، كما أشار الاستطلاع إلى أن 31% من المستجوبين يرون أن وزير الداخلية إيمانويل فالس هو الأنسب لرئاسة الوزراء. ويرى المراقبون أن الأولوية بالنسبة للرئيس الفرنسي في الوقت الراهن لا تكمن فقط في التعديل الوزاري ولا في من يخلف رئيس الوزراء، بقدر ما تكمن في تحديد ما إذا كان سيخضع لمطلب الشارع الفرنسي بالتخلي عن السياسة الاقتصادية المنتهجة لغاية الآن، أم أنه يبقى حازما في موقفه ويستمر في السياسة التي يعتبرها قادرة على تحقيق النتائج المسطرة على المدى الطويل، والحال أن الخطوط العريضة لهذه السياسية تتلخص في الوعود التي قطعها هولاند بخصوص خفض نسبة البطالة وإقلاع الاقتصاد الفرنسي من خلال خطة التسهيلات الضريبية لكبار المستثمرين مقابل خلق مناصب شغل، إلى جانب التعهد بخفض النفقات العمومية بما قيمته 50 مليار أورو مع حلول سنة 2017. ويبدو أن كلا الخيارين يضع حكومة الحزب الاشتراكي الحاكم على المحك، باعتبار أن الالتزام بالسياسة الحالية والرهان على النتائج الإيجابية على المدى الطويل يحمل في طياته مخاوف بمزيد من الغضب، خاصة أن النقابات المهنية عبّرت عن رفضها لسياسية التسهيلات الضريبية لأرباب العمل مقابل مناصب الشغل، معتبرين أنها محاباة للمستثمرين دون أدنى ضمانات بالمساهمة في خفض البطالة، في حين أن الخيار الثاني والقاضي بتغيير السياسة الحالية يتطلب فترة أطول لتجسيده مما هو متاح لحكومة الحزب الحاكم، أيا من كان على رأسها، باعتبار أن العد التنازلي للرئاسيات المقررة في 2017 بدأ فعلا.