تسعى المعارضة التي قاطعت انتخابات 17 أفريل 2014 وتلك التي شاركت فيها إلى فرض نفسها كسلطة مضادة في الميدان، للضغط على السلطة بهدف حملها على التوجه نحو إصلاحات حقيقية تفضي إلى التغيير السلمي وتجنب البلاد العنف. وفي المقابل، سيحاول الفريق المحيط بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة في بداية العهدة الرابعة، إعطاء صورة إيجابية عن نفسه بواسطة مشاريع كان قد وعد بها من قبل ولم تتحقق، تتعلق أساسا بتعديل الدستور المؤجل منذ سنوات طويلة. أسبوع اجتماع قوى التغيير وتنسيقية التحول الديمقراطي المعارضة تتجمع استعدادا للمواجهة مع السلطة رغم أن نتائج الانتخابات الرئاسية لم تخرج عن سياق تكريس فوز مرشح السلطة وبنسب عالية، إلا أن ذلك لم يشكل ”صدمة” في صفوف المعارضة التي كانت محضرة نفسها هذه المرة لاستقبال ”النتيجة”، وذلك من خلال خروجها ب”مبادرات” سياسية مباشرة ودون انتظار ما ستقدمه السلطة من مقترحات. ساهمت الانتخابات الرئاسية وما تولد عنها من استمرار نفس منظومة الحكم، في بداية رسم معالم خريطة سياسية جديدة، أنجبت ميلاد تكتلين، أحدهما سمى نفسه ”التنسيقية من أجل الحريات والانتقال الديمقراطي” والذي يضم الأحزاب والشخصيات المقاطعة للانتخابات الرئاسية والثاني يدعى ”قطب القوى من أجل التغيير”، وهي الأحزاب التي دعمت المرشح علي بن فليس خلال مشاركته في الرئاسيات الأخيرة. ويعني هذا الحراك وسط الطبقة السياسية أن نتائج الرئاسيات لم تحدث ”صدمة”، مثلما كانت تفعله في السابق وسط أحزاب المعارضة، بقدر ما شكلت دافعا لها، حيث استطاعت في ظرف قياسي تحقيق قواسم مشتركة بينها، بعدما فشلت فيها طوال السنوات الماضية من بداية التعددية، وبرمجت ندوة الانتقال الديمقراطي في النصف الثاني من شهر ماي المقبل، وهو نفس الإقدام يحدو جبهة القوى الاشتراكية التي تحضر مبادرتها السياسية حول ما تسميه ”الإجماع الوطني”، في انتظار نتيجة الاتصالات بين بن فليس وقادة تنسيقية من أجل الحريات والانتقال الديمقراطي الأحد المقبل، وهو ما يعني أن المعارضة قررت الدخول في المواجهة السياسية مع السلطة لدفعها لتقديم تنازلات وإعلان إصلاحات ”توافقية” وعدم انتظار ما سوف تجود به السلطة عن طيبة خاطر. ورغم أن السلطة دأبت على وأد وإجهاض كل المبادرات التي تولد خارج ”رحمها” بطريقة رفضها ”جملة وتفصيلا” لها، غير أن هذا التكتل غير المسبوق للمعارضة، بعد خيبة الأمل التي لحقت قوى التغيير في الرئاسيات الماضية، أظهر موازين قوى جديدة بصدد التشكل وبداية بروز ”السلطات المضادة” داخل المجتمع، وهو معطى لم يكن موجودا من قبل لأن السلطة كانت قوية وتملك من الوسائل والإمكانات ما يمكنها من الالتفاف على مطالب خصومها سواء باختراقاتها لصفوفهم أو بفبركتها لتصحيحيات للإطاحة بمعارضيها. لقد شجعت السجالات والجدل الذي ثار قبل الرئاسيات بين الرئاسة ومؤسسة الجيش وجهاز المخابرات على تكسير وتفتيت الكثير من الخطوط الحمراء وأخرج غسيل السلطة إلى الشارع، بعدما كان لا يسمع ولا يرى منه سوى النزر القليل، وهو ما أعطى للمعارضة هامشا جديدا للمناورة، بعدما تبين أن مواقف منظومة الحكم ليست على رأي واحد، بل مثلما ظهر وكلاء لتنشيط الحملة الانتخابية، مثلما هناك موازين قوى متحركة داخل النظام، بإمكان المعارضة التأثير فيها، خصوصا إذا تخلت عن زعاماتها وأنانية قيادييها وطلقت كلية نظام المناولة من الباطن لفائدة رموز السلطة، وهو الرهان المطروح عليها عاجلا وليس آجلا. الجزائر: ح. سليمان
الرجل المريض أعلن عن ”مواصلة التشييد الوطني” تعديل الدستور.. الوهم الذي سيبيعه بوتفليقة للجزائريين
ربحت السلطة في 2011 وقتا ثمينا بالنسبة إليها، عندما اهتدت إلى حيلة لتجنب رياح عاتية كان شبيهة بالتي هبَّت على مصر وتونس، فأوهمت الجزائريين والمعارضة على وجه الخصوص ب«إصلاحات” اتخذت شكل مراجعة مجموعة من القوانين. وبعد أن غيَّبت تعديل الدستور في تلك الفترة، ستبعث المشروع من جديد في المرحلة المقبلة لربح مزيد من الوقت. بعد أن استهلكت جماعة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ما لديها من وعود جذابة في فترة 2011 2014، ستسعى بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت في 17 أفريل الجاري إلى صياغة ”الطعم” الذي يلوكه بوتفليقة منذ وصوله إلى الحكم، وهو الدستور الذي تحوَّل إلى لغز حقيقي بسبب عدم غموض الرؤية لدى صاحب المشروع، بخصوص ما يريد إدخاله من تعديلات على القانون الأعلى للبلاد. ومن البوادر الأولى لتعهدات فضفاضة، حديث بوتفليقة قبل يومين بأنه سيتوجه إلى المواطنين بعد أيام ”لأجدد لكم التزاماتي وأحدثكم عن مسعى التشييد الوطني الذي عزمت على مواصلته معكم”. فبعد 15 سنة من ممارسة الحكم مازال ”التشييد الوطني” مستمرا، وهو لفظ ربما لا يعرف أحد ما معناه عند بوتفليقة. والأرجح أن صاحب هذا الكلام الفضفاض يهوى إلهاء الجزائريين بإطلاق مفاهيم تترك الانطباع بأنه مقبل على مشاريع هامة تقدم للجزائريين منافع اقتصادية، وتمنحهم المزيد من الحريات. تماما كما فعل قبل 2008 عندما وعد بتعديل الدستور، فظن الجزائريون أن المشروع سيأتي بهوامش أوسع على صعيد الممارسة الديمقراطية، وكانت النهاية أن بوتفليقة عزز من صلاحيات ممارسة التسلط بأن فتح لنفسه باب الخلود في الحكم، وقلَص من صلاحيات رئيس الحكومة، خاصة في مسائل التعيين في مناصب المسؤولية، وحوَّله وزيرا أول ينقل تعليماته إلى أعضاء الحكومة. ستجتهد جماعة الرئيس، في الأيام المقبلة، في بلورة وهم آخر سيشد الانتباه إليه خلال السنوات الأولى من العهدة الرابعة، يتعلق باستحداث منصب رئيس الجمهورية في تعديل دستوري مرتقب مع احتمال منح البرلمان ومؤسسات الرقابة مثل مجلس المحاسبة، سلطات أوسع. كما يحتمل العودة إلى تحديد العهدة الرئاسية باثنتين، وربما تمكين الحزب الفائز بالأغلبية في الانتخابات التشريعية من تشكيل حكومة يرأسها واحد من قادته، وإن كان هذا الأمر الذي يريده عمار سعداني مستبعد في الوقت الحالي. ومثل هذه المفاهيم يجري ترديدها على ألسنة بعض المسؤولين، ولكن لا يمكن سماعها في شكل التزامات رسمية من جانب الرئيس نفسه. ومن يعرف بوتفليقة عن قرب، يؤكد أنه يستحيل أن يفكَر في مبادرة تتم على حسب هيمنته هو شخصيا على كل الهيئات والمؤسسات والأشخاص. غير أن كل ما يمكن أن تفكَر فيه جماعة الرئيس من أشكال ”الطعم” التي ستقدم للجزائريين لربح الوقت، ستصطدم لا محالة بمعطى لم يكن مطروحا في العهدات الثلاثة الماضية، وهي حالة بوتفليقة الصحية المتدهورة. فكل ما ستبادر به هذه الجماعة في المستقبل، سيكون محاولة لإطالة عمر نظام يسير عكس مجرى التاريخ. الجزائر: حميد يس
حوار
محمد أرزقي فراد كاتب وناشط سياسي الريع سيبقي شراء الذمم ورقة رابحة في يد السلطة
ظهرت في الساحة تكتلات وتحالفات سياسية ترفع شعار التغيير، في رأيكم ما هي فرص نجاحها إذا علمنا أن هذه القوى عجزت حتى عن الاتفاق على بديل لمرشح السلطة؟ يعتبر التكتل في حد ذاته ظاهرة إيجابية، خاصة في هذا الظرف المتميّز باستمرار النظام في تجاهله لمطالب المعارضة. ويبدو أن أحزاب المعارضة ودعاة التغيير بأطيافهم المختلفة قد أدركوا أن تفرقهم قد خدم النظام الشمولي القائم كثيرا. وفي الساحة الآن قطب للتغيير، يمثل الأحزاب التي ساندت السيد علي بن فليس في الانتخابات الرئاسية، وهناك تنسيقية للتغيير تمثل الأحزاب والشخصيات المقاطعة لهذه الانتخابات، ومن المتوقع أن تتفق المجموعتان على خارطة طريق واحدة. ومن المحتمل أن تظهر مبادرات أخرى تسير في اتجاه التكتل أيضا، كمبادرة حزب الأفافاس أو مبادرة أخرى تجمع شخصيات سياسية من آفاق مختلفة. ما هي فرص قيام معارضة قوية في الجزائر، قادرة على الالتحام بالشعب لتحقيق التغيير؟ لا أتصوّر معارضة قوية دون توحيد الجهود، ورأينا في بداية السنة محاولات عدة تصب في هذا الاتجاه. صحيح أن العملية في بدايتها، لكن المهم أن مسيرة ألف ميل قد بدأت. ورغم عبثية الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي صودرت فيها إرادة الشعب، إلا أن فيها جانبا إيجابيا تمثل في انضمام السيد علي بن فليس إلى صف المعارضة، ولا شك أنه سيكون قيمة مضافة، سواء بحزبه الجديد أو كقطب سياسي يسعى إلى التغيير. لطالما اعتمدت السلطة سياسة الإغراء واختراق صفوف المعارضة، هل نتوقع سيناريو مماثلا؟ هل ستقاوم المعارضة الإغراءات هذه المرة؟ مادامت السلطة تملك الريع، ستبقى ورقة شراء الذمم ورقة رابحة في يدها، ومادامت هذه السلطة لا تؤمن بالديمقراطية فسيظل سلاح الاختراق شاهرا كسيف ديموقليس على رقاب المعارضين. ولا ننسى، من جهة أخرى، أن بعض الأحزاب التي قصمتها الإغراءات، قد استفادت بطريقة غير مباشرة بأن طهّرت صفوفها من الانتهازيين. وعد الرئيس بالانفتاح بعد الانتخابات، هل تتوقع مبادرة منه؟ من قواعد الحياة أن فاقد الشيء لا يعطيه، لقد رأينا كيف أضعف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ثقافة الدولة، حين حوّل المؤسسات إلى مجرّد لجان مساندة له، فضلا عن إلغائه المادة 74 من الدستور، الذي يعني الحكم مدى الحياة. وعليه، فإن حال من ينتظر منه مبادرة سياسية، كحال من يرجو النجاة دون أن يسلك مسالكها. لكن بالنظر إلى تدهور حالته الصحية - شفاه الله- من الممكن أن تقنعه دوائر أخرى في السلطة، بضرورة قبول فكرة المرحلة الانتقالية التي يبدو أنها أكثر من ضرورة. الجزائر: حاوره جمال. ف
علي براهيمي ناشط سياسي وبرلماني سابق التحالفات مبنية على معاداة السلطة بدل بناء الدولة
ظهرت في الساحة تكتلات وتحالفات سياسية ترفع شعار التغيير، في رأيكم ما هي فرص نجاحها؟ يبدو أن الموقف إزاء انتخابات 17 أفريل هو الذي رسم خريطة التكتلات التي تضم دعاة المشاركة الذين ساندوا المرشح علي بن فليس، وتتشكل في أغلبيتها من قيادات انفصلت عن حزبي النظام أو دعاة المقاطعة المشكلة أساسا من الأرسيدي والإسلاميين. ويظهر أن الخريطة الجديدة تجاوزت شكليا فقط الانقسام القديم الذي كان يشق الطبقة السياسية إلى استئصاليين ودعاة معارضة. وتبدو المطالبة بمرحلة انتقالية هي القاسم المشترك، كما أن التقارب مبني أساس على معاداة السلطة، حيث يستثني أي نظرة مشتركة لنمط دولة بديل لدى كلا المجموعتين. ويكمن سر هذه الظاهرة في كون المعارضة السياسية مبنية حول الأشخاص والزعامة. وأتساءل، من جهة أخرى، هل التحالفات قائمة من أجل الخروج من النظام الحالي أم تهدف إلى حماية عشيرة أو أخرى منه؟ هل ستعمّر هذه التحالفات أم ستعرف نفس مصير التي سبقتها؟ بناء على التجارب الماضية، يصعب التنبؤ بعمر هذه التحالفات، خصوصا أن التكتل يخرق منطق التيارين الإسلاموي والديمقراطي، إذ يخلط بينهما في غياب اتفاق حول نمط الغد، الأمر حساس جدا ويبقي المشروع هشا، ويكفي للسلطة إثارة حادثة حول بعض المسائل الخلافية بين الإسلاميين والديمقراطيين ليسقط التحالف، هناك الكثير من النزاعات العالقة كلها أوراق في يد النظام لتقسيم المعارضة مثل مسائل حرية العقيدة والممارسة الدينية وتوظيف الدين في الممارسة السياسية. ما هي فرص قيام معارضة قوية في الجزائر، قادرة على الالتحام بالشعب لتحقيق التغيير؟ هناك شرط أساسي لفرض منطق التغيير يتعلق بقدرة التحالف مهما كان على تجنيد شعبي واسع يخلق توازن قوة يفرض على السلطة التفاوض والتغيير المنتظم، كما يتم بتغلب المواطنين على خوفهم من اللااستقرار الحتمي والنسبي الذي يصاحب تغيير أي نظام. والتغيير يتم عبر وحدة التيار الديمقراطي، ولا باس أن يتوحد التيار الإسلامي، ثم نتفاوض حول مبادئ جزائر الغد قبل التفاوض مع السلطة. لطالما اعتمدت السلطة سياسة الإغراء واختراق صفوف المعارضة، هل تتوقع سيناريو مماثلا في الفترة الحالية؟ هل ستقاوم المعارضة هذه الإغراءات؟ الوعود الكاذبة أغرت دائما المعارضة، وحالت دون وحدتها حول مشروع مشترك. والسؤال المطروح: هل المعارضة والمعارضون مستعدون للتخلي عن مزايا النظام؟ الإجابة ستحملها الأيام. هل تتوقع من الرئيس بوتفليقة أن يجسد التزاماته ووعوده الأخيرة؟ أعتقد أن الوضع بلغ درجة من الخطورة لا يمكن تجاهلها، والحوار مع المعارضة السياسية والمجتمع المدني أمر مستعجل، والخروج أيضا من نمط الحكم العسكري المتسلط بالقمع والشرطة السياسية، والرجوع للمسار الديمقراطي. الجزائر: حاوره جمال. ف