عندما يقترب موعد الاستحقاق الرئاسي في الجزائر، يطرح السؤال: من هو مرشح النظام؟ في حالة عبد العزيز بوتفليقة، ظهر الأمر محسوما لصالحه ما عدا مرة واحدة (2004)، لما كانت السلطة منقسمة إلى حد ما بين داعم له ومعارض. وعشية كل استحقاق، ينشأ تكتل يعارض استمرار بوتفليقة في الحكم، تقوده شخصيات معروفة تكون عادة محاطة بأفراد غاضبين بسبب عدم الاستفادة من الريع. وسرعان ما يتلاشى هذا التكتل عندما يدرك أن اللعبة مغلقة، ولكن أيضا لأن أصحابه عاجزون عن النضال في الميدان لطرح بديل لمرشح النظام. بعد 50 سنة من الاستقلال و24 عاما من التعددية ''الإرادة الشعبية'' في خبر كان بعد 50 سنة من الاستقلال و24 سنة من التعددية السياسية، لم تستطع منظومة الحكم، في الجزائر، إرساء نهج ملائم في اختيار وانتخاب الرؤساء، يوازن بين الإرادة الشعبية وبين منهج وهدف النظام بحد ذاته. لم تدفع تجربة الأداء السياسي والوظيفي في الجزائر، طيلة 50 سنة، إلى قولبة منظومة انتخابات واضحة تفضي إلى مطابقة تلقائية بين ما يريده الشعب وبين ما يقدم له من نتائج في انتخابات رئاسية، كانت دوما محل تشكيك، حتى وإن كانت نزيهة وشفافة. ولم تفلح التعددية السياسية التي لاحت نسائمها قبل 24 سنة، في تبني بدائل عن المنهج الانتخابي للنظام، ما يدل على أن الأحزاب السياسية التي ادعت أنها تمثل التعدد، عجزت عن أن تكون بديلا ديمقراطيا حقيقيا، خاصة في فترة حكم الرئيس بوتفليقة، من حيث إن هذه الأحزاب تعي جيدا أن السلطة ترى أن من يدّعي الديمقراطية نسي أنه يقود سفينة التعددية على اليابسة وليس على الماء، وبالتالي لا يمكنه أن يرقى إلى مصاف من الديمقراطية ما يجعل منظومة الانتخابات، خاصة منها الرئاسية، تستجيب لتطلعات الشعب. كثيرا ما ارتبطت عبارة ''الإرادة الشعبية'' بالانتخابات الرئاسية، منذ وصول الرئيس بوتفليقة إلى سدة الحكم، ومعها طرحت العديد من الأسئلة، في صدارتها: هل احترمت الإرادة الشعبية في رئاسيات 2004 و2009 وقبلهما رئاسيات 1999؟ والجواب على هذا السؤال حمل ردودا متباينة جدا حيال ثنائية متناقضة جدا''الشفافية والنزاهة'' و''الفبركة والتزوير''، لكن إحالات المسار الانتخابي قبل كل موعد، والمشبعة ب''البندير والزرد'' ونشاط لجان المساندة والتفاف الأحزاب المطبلة، أنتجت ''جسما مواليا'' قوي البنية، وجهته واحدة، ارتسمت في الشعور واللاشعور للمخيال الشعبي الجزائري طيلة السنوات الماضية. تبعا لذلك، لم يفلح معارضو الرئيس بوتفليقة في إيجاد قرائن التزوير ''المادي'' للانتخابات الرئاسية، في تعليلهم لتجاوز الإرادة الشعبية، فأحالوا الجميع على مسار ما قبل الانتخابات ''تزوير قبلي''.. مسار متبوع بآلة مساندة مهولة نادت بالعهدة الثانية ثم الثالثة، وحاليا يوشك هذا المسار على التكرار بما لا يرغب أحمد بن بيتور الذي يريد وقفه قبل الانطلاق، بدعوته رفض العهدة الرابعة للرئيس. الإرادة الشعبية مصطلح صار مطاطيا جدا، له قراءات متباينة بتباين الموالين والخصوم. فهل الإرادة الشعبية هي المعبّر عنها بنسبة المشاركة في الانتخابات، أم هي ''الأغلبية الصامتة'' التي تشكل جسما كبيرا في الكتلة الناخبة؟ أم أن الإرادة الشعبية هي الكتلة الافتراضية الداعمة ل''مرشح الإجماع'' أو المرشح الفائز سلفا بالمنهاج الانتخابي المعمول به، بتخلي أحزاب عن برامجها ومرشحيها لصالح هذا المرشح، بما أحدث ''إفراغا'' كالذي مورس عليها، ومارسته أحزاب على نفسها سنة 2008، بتقديم نفسها ''هبة'' للرئيس بأداة التحالف الرئاسي وبأداة تعديل الدستور. وعلى هذا النحو، تنازلت التعددية لفائدة الأحادية الجديدة ''الموسعة''، حينما سقطت الثقافة التشاركية بين السلطة والأحزاب، كمولود ميّت من رحم التعددية، وحلت ''الزعامة'' محلها. أحزاب تفقد عمقها الشعبي رهان استرجاع الشارع للتأثير في الرئاسيات كثير من أحزاب المعارضة كانت ضحية ''تغوّل'' السلطة، لكن كثيرا منها أيضا وقع ضحية ممارساته التي تبتعد عن ''الجدية'' واحتكامها إلى ''الظرفية الشعبوية''، وهو إسقاط ممكن في حق جبهة رفض العهدة الرابعة. ويعيب مراقبون على أحزاب المعارضة في الجزائر اتباعها للسلوك ''المطلبي'' في اتجاه السلطة المتهمة أصلا بخناق أحزاب الرأي المخالف، بدل الانتقال لمرحلة الفعل السياسي المؤثر الذي يستمد قوته ومشروعيته أساسا من الحراك الشعبي، وتكون مظاهرة ورفلة، مؤخرا، مؤشرا على قوة الفعل السياسي المباشر الذي اعتمد أهم سلوكات الرفض، بالنزول إلى الشارع في اعتصامات سلمية بمطالب واضحة، وهو ما لم يعد في قدرة الأحزاب الجزائرية فعله، ربما لأسباب بينها أن فصيلا مهما في الشارع لم يعد ير فارقا بين المعارضة والسلطة. وتكون جبهة الرفض للعهدة الرابعة التي تشهد اتساعا، نسخة جديدة لمبادرات كثيرة سقطت في الماء، أصلا لأنها تكتلات هجينة بين تيارات متناحرة سياسيا، لكنها تلتقي في النهاية خلف قائمة ''مطلبية'' ترفع في وجه السلطة ولا يكون الشارع طرفا فيها، وإلا كيف يمكن تفسير رفع مطلب رفض العهدة الرابعة حتى يبنى مشروع الجبهة، والأصل هو فرض هذا المشروع وإكسابه مشروعية شعبية ليكون في مستوى كبح طموح العهدة الرابعة لدى صاحبه، وحتى وضع حد لتنصيب الرؤساء من خارج الإرادة الشعبية. ويمكن وصف التنافر الحاصل بين الشارع وأحزاب المعارضة، بالمفارقة الغريبة عالميا في مفاهيم النشاط السياسي، حيث من غير المعقول ألا تجد هذه الأحزاب عمقا شعبيا رغم هذا الشعور العام بالاستياء من نظام الحكم وممارساته والرغبة الملحة في التخلص منه. العادة أن تجيب المعارضة بأن النظام يملك من أدوات المناورة ما يمنع بروز أي بديل والقدرة أيضا على حشد القواعد الانتخابية لاسيما الفئات العمرية المتقدمة المرتبطة بهذا السلوك ''الأبوي'' في إدارة شؤون الدولة. آخر المبادرات التي تشكلت كانت ما سمي ''جبهة حماية الديمقراطية'' وقد برزت بعد إعلان نتائج التشريعيات. وقد سارعت المبادرة لرفع سقف المطالب، لكن نوابها كانوا أول من دخل البرلمان، رغم أن أول اتهامات الجبهة كانت بوصف البرلمان بغير الشرعي، ومصير تلك المبادرة كان نسخة مكررة لتحالفات عقدت في 1999 عشية الرئاسيات وفي 2004 وأخرى لرفض مشروع المصالحة الوطنية. وليس مبالغا القول إن مطالب جبهة رفض العهدة الرابعة مشروعة سياسيا، لكنها نشاط انفعالي قائم كليا على ردة فعل على فعل غير موجود بعد، وهو إعلان عبد العزيز بوتفليقة ترشحه لعهدة أخرى. نقاش برلماني الأفالان سابقا محمد مساعدية المطالبون بمنع بوتفليقة من الترشح يفتقدون الثقة في النفس كيف تقرأ الدعوة إلى منع الرئيس بوتفليقة من الحصول على عهدة رابعة؟ من حق أي مجموعة أحزاب أو شخصيات التكتل معا والترشح، فهذا يثري الساحة والحراك القائم في بلدنا، أما النهي عن شيء كالترشح والإتيان بمثله، فهو مخالف للقيم والأعراف السياسية والعهود الدولية والدستور. وأتساءل: إلى أي منطق وشرع سياسي ينتمي هؤلاء، ليتركوا الشعب يقرر، لأن بناء الديمقراطية لا يتم بمنطق الإقصاء ومصادرة حق الآخرين في ممارسة حقوقهم الدستورية والشرعية، ما دام لا يوجد مانع لذلك. لماذا الإصرار على مطالبة بوتفليقة بعدم تمديد حكمه، بدل طرح برنامج بديل لمنافسته؟ المبادرات التي جرى تسويقها يمكن إدراجها في إطار حملة انتخابية قبل الأوان، لكن هذه المواقف تجعل الرأي العام يشكك في قدرات أصحابها، فلو كانوا أقوياء ويملكون شعبية لما صعّدوا الموقف بهذا الشكل. والتوجه الإقصائي الذي ترجموه في لائحة المطالب، تعبير ودليل على انعدام الثقة في النفس وإعلان مسبق للهزيمة. فالمنافسة تقتضي طرح برامج بديلة واضحة المعالم وتقديم الحجة ومناقشة الحصيلة. وأكرر القول إن ما بدر منهم مناف للأصول والديمقراطية والدستور، بل محاولة لوقف المسار الانتخابي، وأتساءل باسم من يتحدثون ومن فوّضهم لمطالبته بعدم الترشح؟ من الصعب منافسة رئيس في الحكم في أي انتخابات، فهو يتحكم في إدارة من مصلحتها استمراره، بمعنى أن الفرص ليست متساوية بين مرشح السلطة والمنافسين المحتملين له؟ هذا حكم مسبق على الشعب وحط من قيمة الناخبين الجزائريين وممارسة للوصاية والحجر عليهم، في حين أنهم قادرون على تقييم الرجال والفرز بين البرامج، ولهم من الوعي لتقييم حصيلة كل واحد. لكن من حق المرشحين الآخرين المطالبة بضمانات لمزيد من الشفافية في الاقتراع. كيف تتوقّعون رد فعل الرئيس، هل يستجيب لمطالب الرافضين لترشحه أو يمضى في تحقيق رغبة أنصاره في البقاء في منصبه لعهدة جديدة؟ الانتخابات مازالت بعيدة نسبيا ومن حقه الترشح، هذا حق شرعي له مثل غيره من المرشحين، وللشعب أن يقرر من يفوّضه لتولي شؤون الدولة أي الانتخاب على من يراه مناسبا، أما فيما يتعلق بمسألة ترشحه لعهدة جديدة، فلست في وضع يتيح لي الحصول على مثل هذه المعلومات والمعطيات المتعلقة بموقفه من الاستمرار في منصبه. الجزائر: حاوره ف. جمال نائب كتلة الجزائر الخضراء يوسف خبابة كيف لبوتفليقة أن يحقق في 5 سنوات ما لم يحققه في 15 سنة؟ ظهر تكتل سياسي يطالب بعدم ترشح الرئيس بوتفليقة مجددا بدل التقدم ببرامج لمنافسته، هل يليق هذا سياسيا؟ هذه القوى حرة في مواقفها وفي التعبير عن آرائها، مثلها مثل من يؤيد عهدة جديدة لبوتفليقة. وبالنسبة لنا في تكتل الجزائر الخضراء وفي حركة النهضة تحديدا، نطالب بتحديد العهدات الرئاسية بعهدتين غير قابلتين للتجديد، وسنناضل لتحقيق هذا المبتغى، إلا أنه يجب الإقرار بأن الدستور لا يمنع الرئيس من الترشح بعد تغيير أحكام المادة 74 في 2008، لكن يجب عدم استباق الأمور لأن الرجل لم يفصل بعد في قضية ترشحه وهناك غموض كبير في هذا الموضوع. وفي تصوّرنا، يجب تحديد الأولويات ونحن نطالب بالحسم في مضمون تعديل الدستور، خصوصا ما تعلق بتقييد عدد العهدات الرئاسية، قبل الحديث عن الانتخابات ومن ثم آليات الترشح. العودة إلى نظام العهدة القابلة للتجديد مرة واحدة، يعني بصفة آلية منعه من الترشح بطريقة دستورية؟ نحن لا نريد قطع الطريق أمام أي أحد ولكن نريد دستور دولة، وليس دستورا على مقاس أشخاص. ووفق الفقه الدستوري، فإن الرئيس الحالي سيخضع أيضا لأحكام النص الجديد ولا يوجد مانع أمامه للترشح من جديد. في رأيكم لماذا الإصرار على مطالبته بالانسحاب قبل أن يعلن نيّته في الترشح، ألا يعبّر هذا عن عدم ثقة في النفس؟ الخطاب الذي صدر، مؤخرا، عن شخصيات وأحزاب، بعضهم تولى مناصب في الدولة، يحمل في جوهره نوعا من تصفية الحسابات، والإعلان عن الترشح من جهة، ومطالبة منافسين بالانسحاب، ليس من الوجاهة السياسية في شيء، وكان بالأحرى التركيز على انتزاع ضمانات إضافية لنزاهة الانتخابات وحياد الإدارة والمطالبة بأن تكون على نفس المسافة من كل المرشحين. هل تتوقع دخول بوتفليقة المنافسة لخلافة نفسه وهو في ال77 سنة؟ في ضوء التحولات الداخلية والإقليمية وحصيلة المنجزات الهزيلة، فإن من الصعب على الرأي العام تقبل استمراره في الحكم، ونتساءل كيف له يحقق في خمسة أعوام ما لم يحققه في خمس عشرة سنة!! لهذا، لا أتوقع ترشحه إذا أخذنا في الحسبان حصيلة حكمه على المستوى الاقتصادي والوضع العام للبلد، ولا يجب الخجل من الاعتراف بأننا فشلنا فشلا ذريعا في تحقيق تنمية متسارعة عبر كل التراب الوطني. الجزائر: حاوره ف. جمال