هل بمقدور أحزاب المعارضة أن تتوافق على مرشح للرئاسيات المقبلة ؟ أم أن سيطرة السلطة على المشهد السياسي والحزبي ستجهض أي مبادرة للتقارب؟ أحيا تراجع الحديث عن العهدة الرابعة على إثر مرض رئيس الجمهورية، الأمل لدى الطبقة السياسية وخصوصا المعارضة منها، على فرض ثقلها في الحسابات الرئاسيات المقبلة، بعدما ظل حضورها في المواعيد السابقة لا يتعدى تزيين الواجهة ومرافقة مرشح السلطة الفائز سلفا. وتجسدت هذه الرغبة الحزبية، من خلال الحراك الجاري ما بين العديد من قيادات المعارضة التي تبحث في لقاءات ثنائية ومتعددة عن مرشح توافقي يكون حصانها في موعد أفريل 2014، وذلك في سياق الضغط على أصحاب القرار من أجل التخلي عن صنع الرؤساء، لكن بين قناعة الأحزاب الفاعلة بالخطوة وبين المنطق العددي للأحزاب الذين تعج بها الساحة السياسية تستثمر السلطة دوما في الأحزاب المفبركة لتمرير أطروحاتها بسياسة الأمر الواقع. مرض بوتفليقة وتراجع الحديث عن العهدة الرابعة يعيد لها الأمل المعارضة تحضر للرئاسيات ب”الغزل” لم يكن حتى إلى وقت قريب، ممكنا جلوس حركة مجتمع السلم مع قيادة الأرسيدي في نفس الصف، فما بالك بزيارة الأول للثاني في مقر الحزب لإجراء مباحثات سياسية . فهل هذا التقارب يحسب لصالح السلطة التي بدأ مفعول سحرها يتراجع على الطبقة السياسية؟ أم أن مرض الرئيس وتراجع الحديث عن عهدته الرابعة أحيا المنافسة وشجع المعارضة على تنسيق مواقفها تحسبا لرئاسيات العام المقبل؟ تتوالى المبادرات الحزبية وتتهاطل التصريحات حول ضرورة التنسيق بين أحزاب المعارضة منذ أن تعرضت حسابات السلطة لتغيير طارئ فرضه تعرّض رئيس الجمهورية الى وعكة صحية أدخلته في رحلة علاجية مستمرة منذ تاريخ 27 أفريل الفارط. ويكون انكفاء النظام مؤقتا على نفسه لتسيير فترة مرض الرئيس قد ترك المجال مفتوحا أمام أحزاب المعارضة لتنظيم جلسات تشاور وتنسيق لدراسة الوضع السياسي المتولّد عن مرض الرئيس وتحضير أوراقها للمعترك الرئاسي المقبل. وضمن هذا السياق تم تفعيل ما يسمى بمجموعة ال 14 للدفاع عن السيادة والذاكرة التي ولدت في أعقاب زيارة الرئيس هولاند للجزائر، لكن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية منح المجموعة جرعة أكسجين للاستمرار في النشاط ككتلة رغم اختلاف طروحاتها، وذلك للإلقاء على ثقلها في الحسابات السياسية المقبلة. بالموازاة نادت أحزاب ما يسمى بتكتل الجزائر الخضراء بمرشح توافقي ودعت حركة النهضة الى مرشح يمثل المعارضة في الانتخابات الرئاسية المقبلة. في مقابل هذه التحركات لأحزاب التيار الاسلامي، عقد الأرسيدي لقاءات مع قيادة حمس وأخرى برمجها مع حركة النهضة، بعدما اقترح التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية “اتفاق وطني لوضع دستور توافقى” يكون بإمكانه “تحرير المشهد السياسي من العوائق الحالية من أجل التوصل إلى حد أدنى من الاتفاق لضمان شروط المنافسة الديمقراطية على أساس المشاريع والبرامج السياسية”. لكن هذه التحركات يرى فيها أقدم حزب معارض للسلطة وهو الأفافاس بأنها عديمة الجدوى ولا تستهوي قيادته للانخراط فيها، بحيث قال بيطاطاش “لقد جربنا في الأفافاس عدة مبادرات فردية مثل مبادرة سانت إيجيديو وجربت السلطة مبادرات فردية وجاءت بالمجاهد محمد بوضياف ثم الرجل الذي وصف بالقوي المتمثل في شخص اليامين زروال ثم الدبلوماسي المحنك (بوتفليقة) لكنها فشلت”. ويحدد الأفافاس على لسان بيطاطاش، شرطين أساسيين يمكن الاتفاق حولهما مع الأحزاب والطبقة السياسية يتمثلان فيما يسميه “الشرعية والمشروعية”. ويستبعد رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية موسى تواتي هو الآخر جدية المبادرات الحزبية بسبب تحكم السلطة في الكثير من مفاصل الطبقة الحزبية، خصوصا في ظل التمييع الذي تشهده الساحة جراء تفريخ عدد كبير من الأحزاب، وهذا المنطق العددي ظل “المعول” الذي تستعمله السلطة لتكسير التكتلات الحزبية التي ترغب في مقارعتها، خصوصا لما يتعلق الأمر بموعد مثل الرئاسيات يرى النظام بأنه ملف حصري ومن اختصاصه فقط، فهل تقوى أحزاب المعارضة على دفن خلافاتها والالتفاف حول هدف مشترك؟ ضعف المعارضة يضع السلطة في وضع مريح عزل مرسي بقرار عسكري يزيد نظام الجزائر تغوّلا تترقب السلطة في الجزائر بلورة أطروحات خصومها من أحزاب وشخصيات، لتتأكد من الاتجاه الذي ستأخذه المعارضة قبل موعد الانتخابات الرئاسية. غير أنها متأكدة أن المعارضة بدون امتداد شعبي قوي، لا يمكن أن تتسبب في خلط أوراقها التي حضّرتها تحسبا للاستحقاق. وتدرك السلطة جيدا أن حال المعارضة لا يمكن أن يدفعها إلى مراجعة الآليات الكلاسيكية في صناعة الرؤساء. فالجزائر ستكون في ربيع 2014 على موعد مع استحقاق جديد سيفرزه مخبر “العلبة السوداء” كما جرت العادة، إلا إذا وقعت أحداث استثنائية تكسّر الحد الأدنى من التوافق الذي حافظ على تماسك النافذين في مصادر القرار السياسي. وما دام الشارع الجزائري متوجس من التغييرات التي جاء بها المدّ الشعبي في تونس ومصر، فإن التوافق بين رجال النظام مرشح لأن يطول. وتعي المعارضة التي تحتفظ بهامش استقلالية عن السلطة هذه الحقيقة جيدا، كما تعي أن فرض خارطة طريق أخرى غير تلك التي يحضّر لها النظام أمر غير وارد. وبإمكان النظام أن يعوّل على ضعف المعارضة في عمومها وعلى عدم قوة الأحزاب التي تنشط منذ شهور لفرض نفسها كقوة موحدة في ميزان الانتخابات. ويبدو في هذا المشهد كتلتان تتحركان في البلاد، ولكن ليس إلى الحد الذي يجعل منها قوة مضادة للسلطة. الأولى تشكلت بمناسبة الانتخابات التشريعية 2012، وهي “تكتل الجزائر الخضراء” . والثانية تتكون من 14 حزبا سمت نفسها “أحزاب الدفاع عن الذاكرة”، قوة الدفع فيها هي التكتل الإسلامي، مما يجعل من الفريقين كتلة واحدة تقريبا. وتراهن السلطة على عدم قوة وتماسك هذه الكتلة، وعلى استعداد البعض منها للاستجابة لاتجاه “الصفارة” عندما يحين وقت إطلاقها، ولكن تراهن أيضا على الأحداث التي جرت في مصر وبدرجة أقل في تونس. فالنموذج الإسلامي المسوَّق من التجربتين، يقول أن الاضطراب وعدم وضوح الرؤية سيكون سمة البلد لو حكمه الإسلاميون. بعبارة أخرى، منح عزل الرئيس محمد مرسي بقرار من العسكر في مصر، فرصة للنظام في الجزائر للتغوّل أكثر، ولكن مع الفارق أن المبرر في مصر هو أن جماعة الإخوان انفردت بالسلطة وأقصت بقية التيارات وأهانت القضاء ومؤسسات الدولة. أما المبرر في الجزائر، فيعود إلى مطلع التسعينات حينما قام الجيش بحركة استباقية لوقف زحف الإسلاميين نحو البرلمان (وليس الرئاسة)، بذريعة أن الجزائر مقبلة على نظام شبيه بأفغانستان. وفي كل الأحوال يوجد النظام حاليا في راحة، فهو قوي بفضل ضعف المعارضة وغياب مجتمع مدني بمفهوم السلطة المضادة بدل أن يؤدي دور لجان المساندة. وقوي أيضا بفضل ريوع النفط التي تتيح له، ولو ظرفيا، تأجيل الغضب الشعبي وشراء صمت القوى الغربية، التي تمارس مقاييس مزدوجة في توزيع شهادة حسن السيرة والسلوك في مجال الحريات والديمقراطية. حوار رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية موسى تواتي بإمكان المعارضة التحالف بداية من الدور الثاني هل بإمكان أحزاب المعارضة أن تتوافق على مرشح للرئاسيات المقبلة؟ الجبهة الوطنية الجزائرية لطالما اعتمدت على مناضليها وإطاراتها وهياكلها المنتخبة، في صناعة قرارها في المواعيد الكبرى، لذلك فإن الجبهة لا تعتمد على التحالفات حول الأشخاص وإنما حول البرامج والخطوط العريضة، وليس في قاموسنا شيء اسمه مرشح الإجماع الذي يفوز بالدور الأول، أظن أن أي موقف ممكن بخصوص التوافق حول شخص قد يحصل في الدور الثاني من الرئاسيات. فالشعب الجزائري ليس كله شخص واحد والتوجه يحصل في الدور الثاني من الاقتراع الرئاسي، حينها يمكن الكشف عن تحالفات وربما تنازلات من باب خدمة الجزائر. أليس تحالف أحزاب معارضة بعد التشريعيات الماضية وبروز تكتلات أخرى اليوم، نوع من الاستقطاب لدعم مرشح محدد في الرئاسيات المقبلة؟ ذلك تحالف حول محاربة التزوير وإقصاء الإرادة الشعبية ولم يكن أبدا حول مرشّح، وإن وجدت مجموعة بتصوّر مبني على دعم أشخاص، فهذه ليست قضيتنا اليوم، وعلى كل حال بالنسبة للجبهة الوطنية الجزائرية، الأمر غير منفرد بشخص واحد، هناك مجلس وطني وقد أعلن مرشحه أصلا. يبقى المهم أن لا أحد يفرض منطقه على مجموعة الأحزاب الأخرى من باب المغالاة في حجم الوعاء أو غيرها من الأمور التي تطرح عادة بين مجموعة الأحزاب المعتمدة. وفقا للسيناريوهات المطروحة، هل تعتقدون أن السلطة ستطرح مرشحا باسمها في الرئاسيات ؟ مرشح باسم الإجماع أو غيرها من الأسماء هي في النهاية تعبير عن مرشح السلطة، وهذا الأمر تحوّل تدريجيا إلى مرشح مجموعات المصالح وليس النظام بمختلف مراكزه، إننا نلاحظ رغم ذلك مجموعات تحاول التحالف مع بعضها البعض لطرح شخص بعينه حفاظا على مواقعها ونفوذها، ولا علاقة بقرارها وخياراتها بمصلحة الشعب الجزائري، يبقى أن مهمة أحزاب المعارضة ترفض كل أشكال التزوير والتلاعب بخيارات الجزائريين، وإذا تمكّنا من التوحّد حول هذا المشروع، فيمكن بعدها التوافق في الدور الثاني من الرئاسيات. المؤسف أن الجزائر لم تبرح بعد مرحلة الأبوية في تعامل أجهزة السلطة مع الشعب، وهناك مؤشرات كثيرة تقول أن النظام يحاول تكرار أسلوبه في التوافق قبل الموعد وتجييش الإعلام والأحزاب حول هذا التوافق الذي لا يراعي المصلحة الوطنية في أي شيء. الجزائر: حاوره عاطف قدادرة رئيس “جيل جديد” جيلالي سفيان لا يوجد مرشح يجسد كل أفكار المعارضة هل بمقدور أحزاب المعارضة أن تتوافق على مرشح واحد للرئاسيات المقبلة؟ من غير الممكن ذلك، لأنه لا يمكن أن يكون هناك أي مرشح يمكن أن يجسّد كل الفكر الاسلامي والديمقراطي والوطني الذي تتبناه قوى المعارضة في نفس الوقت، هناك تناقضات ليس ممكنا أن تجتمع في مرشح واحد، كما أن البحث عن الرجل الذي يأتي بالمعجزة تفكير لا يتماشى مع الواقع ومع التفكير الديمقراطي الذي يقول بأنه يجب أن نقدم أفكارا مختلفة إلى المجتمع وهو الذي يحكم، زيادة على أنه من غير الممكن التحالف بداية مع قوى المعارضة، لأنها ليست متناسبة في حضورها الشعبي، هناك قوى تمارس المعارضة لكن حضورها في المجتمع ضعيف، لهذا أقترح بدلا من التوافق على مرشح، التوافق على الإدارة الحسنة للانتخابات والعمل على ضمان شفافيتها. أنا أرى أنه من الضروري عدم حسم نتيجة الانتخابات في دور واحد ، الدور الثاني سيعطي لكل فريق إمكانية التحالف مع مرشح يراه أقرب إلى طروحاته السياسية، عندها يمكن لقوى المعارضة أن تتوافق على مرشح إذا كان في مواجهة مرشح السلطة. إلى أي مدى تستفيد السلطة من تمزّق المعارضة وتشتّتها؟ السلطة لا تريد أن يكون هناك مرشح قوي للمعارضة بالتاكيد، لأنها ما زالت تفكر بنفس الطريقة منذ عام 1962 وتعتقد أنه يمكن إذابة كل قوى المجتمع في شخص واحد ترشحه وتوفّر له أسباب الفوز، بالتزوير أو بغيرها. ولأن السلطة تستفيد من تمزق قوى المعارضة، هذا لا يعني أنني أتناقض مع موقفي السابق بعدم تقديم مرشح واحد للمعارضة، لكن أنا أقصد أن للمعارضة الكثير من الأمور التي يمكن أن تتوافق عليها لتضمن إدارة ناجحة للانتخابات الرئاسية في مقابل أي لعبة قد تريد السلطة فرضها، ما ألاحظه أن السلطة تعيش حالة إرباك وفقدت الكثير من أدوات السيطرة على الانتخابات وتعيش حالة انقسام بسبب تصادم المصالح بين أطراف تعيش على الريع منذ فترة. بعد فترة من التصادم، هل تعتبرون أن المشاورات بين الإسلاميين والديمقراطيين ظاهرة صحية؟ نعم هي ظاهرة صحية، التقارب بين الإسلاميين والديمقراطيين، دليل على نضج سياسي وسط القوى السياسية الجزائرية، وهذا تحول نوعي على صعيد العلاقة بين الأحزاب الجزائرية المشكّلة للمشهد، هناك بداية لفهم ثقافة التعددية الديمقراطية. الآن فهمنا أنه يمكن أن نتعامل مع بعض رغم تعددية الأفكار والإيديولوجيا ودليل أيضا على أن المجتمع الجزائري متقدم أفضل من المجتمع المصري في فهم الديمقراطية. الجزائر: حاوره عثمان لحياني