أن تعهد عائلة بابنها لمؤسسة تعليمية أجنبية لتقوم بتلقينه العلوم والتربية يعد بذاته إنجازا واعترافا بتفوق هذه المدرسة.. أن تتكفل الدولة بدفع رواتب مدرّسي مؤسسة خاصة وتمنحها أراض لتشييد مدرسة هو أيضا عرفان رسمي وتشجيع رسمي بتفوق هذه المدرسة ونجاحها.. أن تقدّم لك دولة أوروبية رخصة لتحيي ميلاد رسول المسلمين، وأن يكون الحفل ضخما، وبمشاركة أكثر من ثمانية آلاف شخص وفي أحد أكبر القاعات في البلاد، فهو أيضا احترام من هذا البلد للجهة المنظمة.. نحن هنا نروي قصة نجاح في بلد بحجم وقوة ألمانيا، خطّتها مؤسسة "خدمة" التركية أو "حزمت" كما ينطقها الأتراك، التي فرضت حضورها في المشهد التعليمي والإعلامي والخيري، وأعطت صورة مخالفة للصورة النمطية للإسلام والمسلمين في الغرب. بعيدا عن الجدل الذي تعيشه تركيا بين رئيس الحكومة طيب رجب أردوغان ومؤسسة “خدمة” وزعيمها فتح اللّه كولن، وبعيدا عن التجاذبات السياسية والاتهامات المتبادلة بين الفريقين، كان ل«الخبر” الفرصة للوقوف على أسرار نجاح مؤسسة ترتكز على توفير خدمات التعليم بشكل متميز، وتسعى عبر إمكانياتها لمساعدة الفقراء والمحتاجين.. وأن تفرض مدارس مؤسسة “خدمة” وجودها في المشهد التعليمي في ألمانيا، أمر يثير أكثر من سؤال، ويحمل معه أكثر من دافع للغوص في عمق هذه المؤسسة التي فجرت جدلا سياسيا في تركيا وفرضت احتراما في ألمانيا، وسجلت حضورا عبر 160 دولة في العالم، من خلال مؤسساتها المختلفة التعليمية والإعلامية والخيرية. الإسلام الوسطي وخدمة الإنسانية “جواز” الاحترام ترفع مؤسسة “خدمة” شعار مؤسسها فتح اللّه كولن خلق “النسل الذهبي”، والذي يرتكز على تقديم خدمة تعليم راقية للطلبة والتلاميذ بهدف إعدادهم للمستقبل، ليكونوا في مستوى التحديات التي يعيشها المجتمع التركي بصفة خاصة والمجتمعات الإسلامية بصفة عامة وللإنسانية جمعاء، ولا يتسنى ذلك، وفق منظور المفكر كولن، إلا من خلال مدارس ومدرّسين بمستويات عالية، وهو ما يطبّق بحذافيره في المدارس التي تديرها مؤسسة “خدمة” في ألمانيا، على غرار مدرسة “إيرنغفيلد” في بدربون غير البعيدة عن مدينة دسلردورف، والتي تعد واحدة من أصل 30 مدرسة تركية منتشرة عبر التراب الألماني التي تسيّرها الجمعية المدنية للتعليم والتابعة لمؤسسة “خدمة”. مدرسة “إيرنغفيلد” يؤمّها حوالي 15 بالمائة من التلاميذ الألمان والباقي أتراك، يقول مديرها، الشاب محمد إمليكلي، وهو خريج “مدرسة خدمة” بتركيا، وتحوي الأطوار الثلاثة ابتدائي ومتوسط وثانوي، وهي تعد أكبر مدرسة سكنية في ألمانيا، أي يستفيد التلاميذ بها من النظام الداخلي، حيث بها 570 مقيم من أصل 620 تلميذ يرتاد المدرسة، وتدرّس كل التخصصات، العلمية والتقنية والأدبية. وإن كانت هذه أرقام عامة عن هذه المؤسسة التعليمية تخص طاقة استيعابها وتخصصاتها، فهناك أرقام أخرى تفصل وتبرز ريادة هذه المؤسسة، التي كسبت ثقة عائلات ألمانية حوّلت أبناءها من المدارس التعليمية الحكومية ونقلتها لتلقي العلم على أيدي معلمين أتراك، لعدة أسباب يتحدث عنها مديرها محمد آكليك قائلا: “السنة الماضية شارك في امتحان البكالوريا ثمانون مترشحا، نجح منهم ثمانية وسبعون، ومن بين الناجحين حصل عشرون منهم على المراتب الأولى على مستوى ألمانيا”، ويضيف: “هذه السنة هناك سبعة وخمسون مترشحا سيجتازون امتحان شهادة البكالوريا، ونترقب أن تكون النتائج أيضا إيجابية”. ولم تقتصر إنجازات المؤسسة التعليمية التركية فقط على حصد مراتب أولى على مستوى ألمانيا، بل كان لها الفضل في إحراز مراتب أولى أيضا في أولمبياد العلوم عبر العالم، التي تشارك فيها في كل مرة، حيث أحرز أبناء المدرسة على ثلاث ميداليات ذهبية في أولمبياد الرياضيات بالولاياتالمتحدة وفي “روبتيكنيك” في رومانيا وفي البيئة في هولندا، وسيكون لها شرف احتضان أولمبياد السوسيولوجيا لأول مرة هذه السنة. هذه النتائج جعلت الحكومة الألمانية توفد لجنة تحقيق للوقوف على الأسباب التي تقف وراء هذه النجاحات، خاصة أن إدارة المدرسة تابعة لجمعية تركية.. يقول مدير المدرسة إن من نتائج الزيارة أن الحكومة الألمانية قدّمت تسهيلات ودعم للمؤسسة تمثّل في المساهمة في توفير أدوات التدريس، بالإضافة إلى تخصيص إعانات لدفع مرتّبات المعلّمين. ويلخّص مدير المؤسسة التربوية أسباب نجاحهم، وأن كسب ثقة الألمان يعود إلى الاهتمام الكبير بالتلاميذ، حيث يتم التواصل مع كل طالب والاهتمام بتعليمه وبحياته الخاصة، باعتماد أسلوب “وجه لوجه”، أي الانتباه والاستماع لكل طالب على حِدة، سواء خلال ساعات الدراسة النظامية أو خلال دروس الدعم، والاهتمام بسلوك التلاميذ ومعاملتهم، انطلاقا من مبدأ “القيمة الإنسانية العالمية” أي تعليم التلميذ السلوكات القويمة والأخلاق، كما يوصي بها الدين الإسلامي لكن دون التحدث باسم الإسلام. ويتحدث مدير المدرسة عن تغييرات كبيرة طرأت على سلوكات التلاميذ بعد ارتيادهم مدرستهم، سواء من الألمان أو الأتراك، وتجلى ذلك حتى في معاملاتهم مع عائلاتهم، الأمر الذي شجع كثيرا العائلات الألمانية، حيث بلغ متوسط نسبة التلاميذ الألمان في المدارس التركية ما بين 35 و40 بالمائة. الفرصة كانت أيضا للحديث مع تلاميذ في أقسام مختلفة، من بينهم سليم الذي تحدث عن تجربته، والفرق الذي لمسه بعد أن انتقل إلى مدرسته الحالية قادما من مدرسة حكومية، إذ يتحدث عن تحسن كبير في مستواه الدراسي وتغير سلوكه، حيث أقلع عن بعض السلوكات التي أصبح يراها الآن غير جيدة، ما جعله يحقق نتائج دراسية جيدة، وتغيرت حتى نظرته للحياة، وأرجع الفضل لذلك إلى المعلّمين الذين ساعدوه في دراسته، وفي حياته الخاصة. شهادات مماثلة قدّمتها تلميذات في الصف المتوسط، إحداهن محجبة، هذه الأخيرة تحدّثت عن جو أخوي في المؤسسة واندماج بينهم وبين أقرانهم الألمانيات، في الدراسة وخارج الصف، وأرجعت اختيارها وعائلتها أن تدرس في مدارس “خدمة” بسبب الثقة والاهتمام الكبير بالتلاميذ من قِبل المعلمين، وسألنا إحداهن هل تعرف فتح اللّه كولن، “قالت لا.. لا أعرفه، ولا أظن أن في عائلتنا من يعرفه. على كل لم يحدثوني عنه”. الزيارة قادتنا أيضا للوقوف على سير أعمال تهيئة مدرسة في مدينة كولن، والتي تشهد أعمال توسعة بعد أن تم إنشاؤها في 2002، وكانت سكنا للطلاب، وفي سنة 2007 فتحت أبوابها كمدرسة للأطوار الثلاثة، وبفعل النتائج الإيجابية التي حققتها المدرسة قامت البلدية بمنح قطعة أرضية للمؤسسة من أجل توسعتها، وهو ما تقوم به حاليا، حيث ستصبح تتسع ل750 تلميذ. يقول أحد مرافقينا في الزيارة، كخلاصة للنتائج التي حققتها مؤسسة “خدمة” في ألمانيا بفضل جودة التعليم الذي تقدّمه والذي ينافس المؤسسات التعليمية الألمانية، إن “الأتراك قدموا في أواسط القرن الماضي كعمال بسطاء، وحتى في تركيا كان الألمان هم من يعلّمون أبناء الأتراك في مؤسساتهم الخاصة، وهناك رؤساء حكومات أتراك درسوا في المدارس الألمانية، لكن اليوم تغيرت المعادلة، وأصبح الأتراك يعلّمون أبناء الألمان، وسيأتي يوم يكون هناك رئيس وزراء ألماني درس في مدارس تركية أو على يد الأتراك”. يشار إلى أن مدارس “خدمة” منتشرة في العديد من الدول عبر العالم، وحتى في الولاياتالمتحدة التي يوجد بها 200 كمدرسة نموذجية “شارتر سكول”. ويذكر أن الجزائر كان يتواجد بها ثلاث مدارس، بالجزائر ووهران وقسنطينة لكن تم غلقها.. الاحترام الذي تلقاه مؤسسة “خدمة” وأنشطتها تجلى أيضا في الحدث الكبير الذي نظمته مؤسسة حوار الأديان في أوروبا التابعة ل«خدمة”، منتصف الشهر الماضي، ويتعلق بالاحتفال بالمولد النبوي، وهي مناسبة تقام في كل تركيا، لكن هذه السنة تم تنظيمها لأول مرة في أوروبا، وبالضبط بمدينة دارسلدورف الألمانية، وحضرها حوالي 8 آلاف مدعو من مختلف المدن الألمانية وحتى من تركيا، وأقيمت بإحدى أكبر القاعات الرياضية في المدينة، حيث أبدع في الحفل أطفال وشبان أتراك بتقديم أناشيد في مدح الرسول الكريم، وأبدعوا في تقديم صور وسيرة عن حياة النبي عليه الصلاة والسلام بطريقة شدت الجماهير الحاضرة على مدار حوالي ساعتين، والتي أبدع في تقديم فقراتها الفنان التركي الشهير أحمد بدرهان غوشا، ونقل الحفل عبر 4 محطات تلفزيونية في تركيا. إمبراطورية إعلامية تتوسّع وأذرع خيرية عبر العالم لم يقتصر تواجد مؤسسة “خدمة” في ألمانيا على المدارس التعليمية، بل تعدته إلى مجالات أخرى، كالإعلام ودور النشر ومؤسسة خيرية وصلت إعانتها لمناطق شتى في العالم، ففي فرانكفورت يتواجد مقر “مجموعة سمانيولو للإذاعة والتلفزيون” الذي يتواجد مقره الأم بتركيا، ويحوي مقر فرانكفورت تلفزيون “سمانيولو” الموجه للجالية للتركية وقناة “إبغو” باللغة الألمانية والموجهة للجمهور الألماني، بالإضافة إلى جريدة “زمان” التي تطبع باللغتين التركية والألمانية، ومطبعة، وكذا مؤسسة للإشهار وتنظيم المعارض. ويقول مدير تحرير قناة “إبغو”، برهان الدين دمير، الذي هو خريج مدارس “خدمة”، إن الهدف الذي يرمون إليه هو تأسيس تلفزيون للعائلة يهتم بالجالية التركية ويلبّي رغباتها من خلال إعلام هادف، وذلك ببث مسلسلات تركية وبرامج متنوعة للنساء والأطفال، ويسهر على تأطير ذلك حوالي 45 عاملا من أصل 160 عامل يشتغلون في المجمّع. وغير بعيد عن مقر مجمّع تلفزيون “سمانيولو” يتواجد مقر دار نشر “نيل أوب” أو “دار النيل”، والتي تهتم بنشر الكتب من مختلف الاختصاصات باللغة التركية والألمانية، وهي واحدة من أصل 30 دار نشر متفرعة عن دار النشر “المنبع” المؤسسة، والتي تهتم بنشر الكتب وترجمتها لعدة لغات، ونشرت حوالي 50 كتابا للمفكر فتح اللّه كولن. ولا تهتم مؤسسة “خدمة” بخدمة قضايا العلم والإعلام فحسب، بل تهتم أيضا بخدمة الإنسان المعوز في مناطق مختلفة عبر العالم، على غرار المؤسسة الخيرية “تايم تو هالب” أو “حان وقت المساعدة”، المنتشرة بالقارة الأوروبية عبر ثمانية فروع وأسست سنة 2006، وفق ما أكده مدير المؤسسة الخيرية في أوروبا، أحمد باغدالتي، الذي هو أيضا من خريجي مدرسة “خدمة” بتركيا. مقر المنظمة المتواجد بفرانكفورت، ورغم بساطته مقارنة بالمقرات التي سبق وزرناها التابعة ل«خدمة” في ألمانيا، إلا أنه يقدّم خدمات كبيرة عبر عدة مناطق عبر العالم، حيث ساهم في مساعدة اللاجئين السوريين وإرواء العطشى في نيجيريا وإسكان المشردين جراء الزلازل في باكستان، والفقراء في الفلبين وتانزانيا.. ويقول أحمد باغدالتي إن كل الأعمال الخيرية التي استطاعت أن تنفذها مؤسستهم منذ نشأتها مصدرها تبرعات المحسنين، والتي وصلت قيمتها إلى 9 ملايين أورو، حيث تمّ بناء مدينة للاستقبال في باكستان بعد الزلزال الذي ضربها لصالح 3500 شخص بالتعاون مع الجمعية التركية “هل من أحد”، والتي هي أيضا تابعة لمؤسسة “خدمة”، وتحوي على مساكن للأيتام ومدرسة، وتتكفل المؤسسة الخيرية بمصاريف المعلمين، كما تساهم ب300 أورو كإعانات للتلاميذ اليتامى. وتشتغل المؤسسة على إيصال المياه الشروب إلى عدة قرى في بلدان إفريقية بهدف محاربة الأمراض المتنقلة عبر المياه، خاصة في دول مثل نيجيريا وتانزانيا وكينيا، كما تم إنشاء مزارع لتربية المواشي بهدف مساعدة الفقراء لكسب قوتهم اليومي عبر تجارة المواشي. ويوضح المتحدث أن المساعدات لا تقتصر فقط على مشاريع البنية التحتية والإعانات المالية، بل أيضا مساعدات عينية كالألبسة والمواد الغذائية ولعب الأطفال وحتى سيارات إسعاف، وتحدّث عن مساعدات شملت 618 ألف شخص، خلال سنة 2013. وعن مصادر الدعم التي تتحصل عليها المؤسسة لتطبيق كل هذه البرامج وتحقيق أهدافها، يوضح المتحدث بأنها تعتمد خاصة على تبرعات المحسنين من أشخاص عاديين ورجال الأعمال، في حين يتم تسيير هذه التبرعات بكل شفافية عبر موقع أنترنت خصص لتبيين سيرورة الإعانة من المتبرع إلى المستفيد، حيث تمكّن من معرفة حتى الشخص الذي وصلت إليه المساعدة، وأشار إلى أنهم يعملون على غرس ثقافة التبرع عند الأطفال من خلال البرامج التحسيسية التي تنفذها مؤسستهم عبر ومضات الإشهار التي يشارك فيها نجوم السينما والتلفزيون. أعود باللّه من الشيطان و..السياسة إن النجاحات التي تعرفها مؤسسة “خدمة” اليوم في مختلف المجالات ليست وليدة اليوم، بل هي ثمرة فكرة أسس لها المفكر التركي فتح اللّه كولن المقيم بالولاياتالمتحدةالأمريكية حاليا خلال ستينيات القرن الماضي؛ هذه التجربة يتحدث عنها أحد أتباعه الأوائل، والذين شكلوا الحلقة الأولى التي انتشرت عبرها أفكار كولن ووصلت إلى ما وصلت إليه اليوم من انتشار وتجذر. يتعلق الأمر بالأستاذ عبد اللّه إيلماز المتخرج من كلية العلوم الإسلامية بتركيا، التقيناه بمقر “سمانيولو”، والذي كان يشغل منصب مدير عام جريدة “زمان” في تركيا، واليوم يعد الممثل والمشرف العام لمؤسسة “خدمة” في أوروبا. الرجل محاط بالكثير من الوقار من قِبل “أبناء” خدمة، لكنه بسيط في تعامله وملبسه. يعود السيد إلماز إلى سنوات الستينيات من القرن الماضي، حيث كانت الشيوعية آخذة في الانتشار في المجتمع التركي، ما ولّد لهم همّا وخوفا من أن تتحوّل تركيا كلها إلى شيوعية، ومعه ينقرض المحافظون في المجتمع، ما دفعهم للتفكير في إنشاء حزب سياسي يدعو للحفاظ على الرصيد الإسلامي، وشرعوا في الخروج إلى المدن والقرى من أجل التوعية من خلال دورات فكرية ينشطونها ليقرروا تأسيس حزب سياسي، لكن يقول إن تعرّفهم على كتابات المفكر التركي سعيد النورسي، الذي كانت أفكاره تدعو للتعليم والتربية ومحاربة الجهل والتأسيس لمجتمع مستنير، والابتعاد عن السياسة والتي يلخصها في مقولة “أعوذ باللّه من الشيطان والسياسة”، دفعته لإعادة التفكير في مشروعهم السياسي، وانتهى بهم الأمر إلى التخلي عن الفكرة من أصلها. وفي سنة 1966 جمعهم القدر مع الأستاذ فتح اللّه كولن الذي كان واعظا في مدينة أزمير ومدير زاوية تعليمية، وكان في نهاية الأسبوع يخصص وقته لرعاية شؤون طلابه، ويخصص دروسا في التربية والأخلاق. يروي المتحدث كيف كان الأستاذ كولن يبكي لما يتحدث عن تاريخ الصحابة، وكيف يتأثر لحال العالم الإسلامي والمشاكل التي يغرق فيها، ويقول إن “أفكاره جعلتنا نتأثر به، واتّبعنا نصيحته بالتفرغ لمهنة التدريس من أجل التحضير “النسل الذهبي” كما يطلق عليه المفكر كولن، ويقصد جيلا متعلما ومتفتحا قادرا على القيادة، ويبلغ الريادة عبر توفير كل مستلزمات هذا النجاح”، ومعه يضيف السيد ايلماز: “قررت أن أذهب لمهنة التدريس، ورفضت وظيفة مفتي في إحدى الولايات التركية، من منطلق أن كولن كان يفكر في تأسيس مدارس خاصة عبر دعم الأساتذة والتشجيع على مهنة التعليم، وكانت الانطلاقة من ولاية إزمير من خلال التوجه إلى المساجد لنشر أفكار كولن بضرورة توجيه المساعدات والتبرعات لبناء المدارس وليس فقط المساجد، وهي الدعوة التي لقيت في الأول نوعا من التحفظ لدى المتبرعين، لكن بعد توضيح الفكرة لهم وإقناعهم بها بدأوا ينخرطون في مشروعه. وكانت سنة 1984 بداية ابتعاث الطلبة المتفوقين إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية لمواصلة دراستهم وتلقي العلوم، وكانت السنة التي أنشأت فيها “مدارس خدمة” وكانت البذور الأولى ل«النسل الذهبي”. ومن المحطات الأساسية في مسيرة كولن، يقول المتحدث هو إنشاء مركز لحوار الحضارات “جمعية وقف اتحاد الكتاب والصحفيين” من أجل فتح قنوات اتصال وتواصل بين كل ألوان طيف المجتمع التركي، من إسلاميين وشيوعيين وراديكاليين، بعدما شنّ اللائكيون والشيوعيون حربا ضد مؤسسة “خدمة”، ووقع شرخ وصدام داخل المجتمع، والذي ساهمت فيه وسائل الإعلام، وكانت اللقاءات فاتحة للحوار وحتى لفتح جرائد خدمة للكتاب الشيوعيين واللائكيين والأمر نفسه لجرائدهم، يقول المتحدث. هذا الحوار فتح لكولن أبواب التواصل مع قادة دينيين مسيحيين في تركيا، وحتى مع بابا الفاتيكان الراحل، يوحنا بولس الثاني، الذي استقبله في الفاتيكان سنة 1998، الأمر الذي أعطى ل«مؤسسة خدمة” بعدا دوليا. وبسبب متاعب صحية لفتح اللّه كولن، وحتى أمنية، نصحه رئيس الوزراء السابق، بولنت أجاوييد، في سنة 1999، وهو من التيار اليساري، لكن كانت له علاقات طيبة مع كولن، بأن يسافر إلى الولاياتالمتحدة لمواصلة العلاج، والتي كان قد زارها في 1997 لإجراء عملية جراحية في القلب. أفكار كولن التي بدأت بحلقة ضيقة و«كمشة” مريدين في ستينيات القرن الماضي أصبحت اليوم مؤسسة منتشرة في أكثر من 160 دولة، كان سر انتشارها إسلام معتدل وأفكار تدعو للتواصل مع الجميع وبناء الإنسان لخدمة الإنسان، وهي أفكار ستحلّ الكثير من مشاكل العالم الإسلامي في الوقت الراهن، والدليل مؤسسة “خدمة” وأفكار كولن التي صدّقها الواقع.