هل ترمي الدعوة الأمريكية بعدم تعديل الدساتير للبقاء في الحكم وتحديد العهدات والتداول على السلطة بضلالها في مسودة دستور بوتفليقة الجديد؟ تزامن رسائل واشنطن للرؤساء الأفارقة، مع شروع مدير الديوان برئاسة الجمهورية أحمد أويحيى في كتابة تقريره النهائي حول المشاورات بشأن التعديل الدستوري، لا تترك مساحة كبيرة للمناورة أمام السلطة للتظاهر بعدم الإنصات للإملاءات الصادرة عن الشركاء في الخارج خصوصا في ظل المعارضة التي توسعت في الداخل والتي تضغط لكسب المزيد من التنازلات في مجال الحريات والديمقراطية. دأبت السلطة دوما لكسب شهادة حسن السلوك من الخارج، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالإصلاحات السياسية، مما يعني أن الدستور المقبل سيكون بمثابة امتحان لجدية الرئيس بوتفليقة في تحقيق التداول على السلطة ومحاربة الفساد والديمقراطية وهو الذي عدّل الدستور وفتح العهدات ويقوم بحرب استنزاف ضد المعارضة مثلما قال قطب قوى التغيير. أويحيى في شهره الأخير لتحضير تقرير المشاورات قبل تسليمه للرئيس دستور بوتفليقة في مواجهة ضغط الداخل ومصالح الخارج تزامن شروع مدير الديوان بالرئاسة أحمد أويحيى في تحضير تقرير حول المشاورات بشأن التعديل الدستوري الذي سيسلّم لرئيس الجمهورية نهاية الشهر الجاري مع الرسائل الأمريكية للرؤساء الأفارقة بالعدول عن تعديل الدستور للاستمرار في الحكم وضرورة تحديد العهدات والتداول على السلطة. فهل ستلقي هذه الرسائل بضلالها على مسودة الدستور المقبلة؟ لم يبق أمام وزير الدولة مدير الديوان بالرئاسة أحمد أويحيى سوى أقل من شهر، لتحضير وتسليم تقريره النهائي حول المشاورات التي أجراها طيلة شهر مع الأحزاب والمنظمات والجمعيات والشخصيات الوطنية بشأن التعديل الدستوري الذي قالت عنه الرئاسة أنه ”سيكون دستور توافقي”، كما وعدت من خلاله بتعزيز الحريات والفصل بين السلطات وتعزيز دور المعارضة وأيضا توسيع حرية التعبير واستقلالية القضاء وما إلى ذلك من الوعود التي أطلقتها رئاسة الجمهورية في المقام الأول لاصطياد بها أحزاب المعارضة التي كانت مترددة أو رافضة لتوجهات السلطة أو لعدم ثقتها في الإصلاحات التي أطلقتها. غير أن الوعود التي تحدثت عنها السلطة، بشأن التعديل الدستوري المقبل لا يمكنها أن تمر مرور الكرام على الشركاء في الخارج الذين يتابعون منذ جانفي 2011، كل كبيرة وصغيرة تخص برنامج الإصلاحات السياسية والاقتصادية في الجزائر، خصوصا وأن ما سمي بقوانين الإصلاحات التي مرت على البرلمان في 2012 وصفت من قبل الطبقة السياسية في الداخل ب”الفاشلة”، وطلب الشركاء في الخارج ومن بينهم الاتحاد الأوروبي بضرورة تعميقها. وباعتراف السلطة نفسها وليس فقط المعارضة بأن ملف التعديل الدستوري، هو أم الإصلاحات وحجز الزاوية في كل المسار السياسي في البلاد، فإن ذلك من شأنه أن يشكل مصدر ضغط على رئيس الجمهورية ودفعه إلى طرح مسودة دستور تلقى القبول في الداخل والدعم في الخارج. وأمام رفض العديد من أحزاب المعارضة في الداخل على غرار تنسيقية الانتقال الديمقراطي بمعية قطب قوى التغيير الذين قاطعوا مشاورات تعديل الدستور بحجة أنها لا تحمل أي جديد، فإن السلطة مطالبة برفع سقف الاستجابة لمطالب خصومها في المعارضة على الأقل لغلق باب الضغوط الخارجية ضدها والحيلولة دون تحالفها معهم. كما أن الرسائل التي وردت على لسان نائب الرئيس الأمريكي جون بايدن وكاتب الدولة للخارجية جون كيري الذي دعا في القمة الأمريكية الإفريقية، الرؤساء الأفارقة إلى عدم تعديل الدساتير من أجل البقاء في الحكم وضرورة التداول على السلطة وتحديد العهدات الرئاسية بعهدتين فقط، لا يمكن أن تمر عليها السلطة دون أخذها بعين الاعتبار في مسودة الدستور المقبل، خصوصا ما تعلّق بالتداول على السلطة في ظل الوضعية الصحية لرئيس الجمهورية وعودة النداءات بتفعيل المادة 88 من الدستور، مثلما ذهب إليه رئيس جيل جديد سفيان جيلالي. لكن تبقى الضغوط الخارجية مقارنة بالضغوط الشعبية الداخلية، ليست دائما قوية المفعول بالنظر إلى أن الدول العظمى يهمها في المقام الأول الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والتجارية، ولا تستعمل قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان ليس كمبدأ راسخ بقدر ما تستعمله للابتزاز والضغط به لتحقيق مآربها ليس إلا، خصوصا أمام أنظمة حكم مستعدة للتنازل عن المصالح الاقتصادية ولا تتنازل للمعارضة عن حقوقها السياسية أو توسيع الحريات لشعوبها. الجزائر: ح.سليمان
الرئيس التزم بتعزيز دور المعارضة وتوسيع الحريات شركاء الجزائر يراقبون إصلاحات السلطة وضعت الولاياتالمتحدةالأمريكية، الجزائر، تحت المراقبة القبلية، في انتظار الكشف عن الشاكلة النهائية لدستور، قالت السلطة إنه سيكون باكورة مشاورات معمقة، قام بها مدير ديوان الرئيس بوتفليقة، ورغم أن أهم محور في مسودة دستور عزوز كردون ويتعلق بمدة العهدات الرئاسية، جاء متناغما مع ما تريده واشنطن (عهدتان لا أكثر) إلا أنها تريد أكثر من ذلك، أن تجعل تقييد الفترات الرئاسية مسألة مبدأ دستوري لا متغير، ولا يخضع لحسابات المراحل السياسية، كما اعتادت عليها الجزائر التي فتحت الفترات الرئاسية بموجب تعديل الدستور سنة 2008، وحاليا تسير نحو تقييدها بعهدة واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة. حتى وإن اجتهد المجتهدون في تفسير خطاب المسؤولين الأمريكيين وعلى رأسهم وزير الخارجية جون كيري، خلال القمة الأمريكية الافريقية التي انعقدت الأسبوع الماضي، على أن واشنطن لا تسوّق دعواتها من أجل خدمة الشعوب الإفريقية، وأن صراع المصالح الاقتصادية، في هذه القارة، سواء مع الفرنسيين أو غيرهم، يدفعها إلى تبني خيارات تميل إلى مصلحة الشعوب، ظاهريا، مع أنها تعرف أن مصلحتها مع الأنظمة غير مهددة، وقد ظهر ارتباك لدى الأمريكيين، في معرفة أين تكمن مصلحتها، خلال بدء الثورات العربية، فلم تبد موقفا محددا وصريحا. دعوة الأمريكان للإفريقيين بضرورة” احترام شعوبهم” عنيت بها الجزائر، والجزائر من أبرز البلدان الإفريقية التي طفى فيها جدال الإصلاحات وعلى رأسها، ما تعلق بمدة الفترات الرئاسية بقوة، طيلة ست سنوات، أي منذ 2008 حين عدّل دستور الرئيس اليامين زروال، وفتحت العهدات الرئاسية إلى غاية 2014، حيث الانتخابات الرئاسية أعادت الجدل إلى السطح على وقع العهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة، الذي وعد بتعديل دستوري، اتضح لاحقا أن مسودّته تتضمن تقييد العهدات، تماما كما أوصت واشنطن، الأسبوع الماضي، وإن سبق النظام بالجزائر دعوة كيري، إلا أن مسار الإصلاحات الجزائرية قد ثبت تحت ضوء الأمريكيين الرسميين، بعد أن سلطت منظمات غير حكومية الضوء على الحاصل في الجزائر على ما سمي تدهور وضع حقوق الإنسان، والحريات الفردية والجماعية وحرية التجمهر والتعبير، وطالت الانتقادات قوانين الإصلاح التي أسالت الكثير من الحبر، بدءا من قانون الجمعيات إلى قانون الإعلام والأحزاب التي دفعت المنظمات المحلية الحقوقية والمدنية إلى تدويل شكاويها إزاءها ودرج النظام الجزائري على إصلاحات أو ترتيبات سياسية، من خلال ردود فعل وليس مبادرات تلقائية وإرادية، مثلما حصل بالنسبة لإعادة تقييد العهدات الرئاسية، وسبق للنظام أن ساق مبررا لتقييد العهدات في دستور اليامين زروال 1996، الذي انتقده بوتفليقة، بالقول أنه ورد تحت ضغط أجنبي، وهو ما صرح به جهارا الرئيس السابق للمجلس الشعبي الوطني، عبد العزيز زياري لدى تزكية النواب تعديل 2008، أياما قليلة من استفادتهم من زيادة في الرواتب. ومهما يكن، فإن الرهان قد تحقق بالنسبة لرئيس أو نظام كان يريد عهدة رابعة للرئيس، وبعد تحقق هذا الرهان، اختارت السلطة أن تنفتح بعض الشيء، لتخفيف الضغط عليها في مخيلات الخارج أولا ثم المعارضة في الداخل، من حيث التزام الرئيس بتعزيز دور المعارضة وتوسيع الحريات. الجزائر: م. ش
عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم ل ”الخبر” “بين أمريكا والأنظمة غير الديمقراطية اللعبة لعبة مصالح”
ما مدى تأثير دعوات أمريكا بعدم تعديل الدساتير للبقاء في الحكم وتحديد العهدات والتداول على السلطة المطروحة في قمة أمريكا-إفريقيا، على الدستور الذي يجري تحضيره في الجزائر ؟ أمريكا ليست نموذجا للديمقراطية والحقوق والحريات لنهتم بما تقوله في هذا المجال، أنت تطرح عليّ هذا السؤال ودماء شهداء غزة لم تجف بعد، وجراحهم لم تندمل، وبيوتهم كلها مهدمة، وأمريكا هي التي وفّرت الغطاء السياسي للصهاينة وأمدّتهم بالسلاح ولا تسمح للعالم أن يحاسبهم على جرائمهم. الغرب بشكل عام لا تهمه إلا مصالحه واهتمامه بإفريقيا في هذا الاجتماع الذي أُطلِقت فيه هذه الدعوات هو حرصها على مصالحها في ظل التسابق الدولي نحو إفريقيا، خصوصا مع الصين التي أصبح لها وجود كبير في القارة السمراء. هل شعور السلطة أنها مراقبة من الخارج سيفرض عليها القيام بتعديل جوهري في الدستور والذهاب إلى الشعب من أجل الاستفتاء عليه؟ نحن لا ننتظر شيئا من أمريكا، ولا نريدها أن تتدخل في الشأن الداخلي الجزائري، سواء بالضغط على السلطة أو بدعمها، نحن واثقون بعد الله في نضالنا وقدرتنا على إقناع وتوعية الشعب الجزائري بضرورة الإصلاح والتغيير، نحن واثقون بأننا سنتمكن من تحقيق التغيير في الجزائر بلا تدخل أجنبي. صحيح أن السلطة الجزائرية حساسة جدا من الرقابة الخارجية، وقد رأينا تصرفها قبل وأثناء تمرير العهدة الرابعة، والحقيقة التي يعرفها المطّلعون على الشأن السياسي في الجزائر أن الحليف الوحيد للغرب وفرنسا وأمريكا في هذه الفترة هو النظام السياسي الجزائري، خصوصا في فترة الضعف والانكشاف التي يظهر بها وأمام التوترات الاجتماعية الحاصلة وأمام التوقعات المستقبلية ببروز مشاكل اقتصادية واجتماعية كبيرة بسبب الفساد والفشل في التنمية. وبدل أن يتحصّن النظام الجزائري بالجبهة الداخلية من التصالح مع القوى السياسية والاجتماعية من خلال تحقيق الانتقال الديمقراطي المنشود، لا يزال يتحصن بفقاعته المالية غير القابلة للاستمرار وبتقديم التنازلات تلو التنازلات للأجانب والتمكين لشبكات الفساد. هل دعوات أمريكا إلى احترام الدستور تعني فعلا أنها حريصة على الديمقراطية في الجزائر ؟ بين أمريكا والأنظمة غير الديمقراطية اللعبة لعبة مصالح، إذا كانت الأنظمة الشمولية تخدم المصالح الأمريكية فلا يهم الإدارة الأمريكية أن تصبح تلك الأنظمة ديمقراطية حقيقة، وقد تتفق معها على ترقيعات تكفي لتوفير واجهة ديمقراطية ترفع عنها العتب أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، وإذا كانت تلك الأنظمة لا تقبل أن تنحني للمصالح الأمريكية ومصالح حلفائها، فإنها ستقع تحت الضغط بدعاوى الديمقراطية وحقوق الإنسان، فلننظر إلى موقفها من الكيان الصهيوني الذي لا يؤمن بشيء اسمه حقوق الإنسان، ولننظر إلى موقفها من بعض حلفائها في العالم العربي الذين لا يعرفون شيئا اسمه انتخابات ومجتمع مدني، ثم لننظر إلى ضغوطاتها على بعض دول أمريكا الجنوبية التي لا تتوافق معها والتي هي أكثر احتراما لحقوق الإنسان وللمعايير الديمقراطية. الجزائر: حاوره محمد سيدمو
مصطفى بوشاشي الناشط السياسي والحقوقي ل ”الخبر” ”النظام الجزائري لن يتأثر بخطاب قمة إفريقي أمريكي”
كيف قرأت الدعوات التي وجهتها الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى الجزائر وباقي الدول الإفريقية في قمة أمريكا إفريقيا بضرورة احترام الدساتير وعدم التلاعب بها للبقاء في الحكم؟ الأمريكان لهم خطاب مزدوج. منذ عهد الرئيس بوش، كانوا يتحدثون عن تشجيع ومساندة الإصلاحات الديمقراطية في العالم العربي وإفريقيا، لكن ذلك بقي على مستوى الخطاب فقط. وعند النزول إلى الواقع العملي، فإن الغرب عموما وأمريكا بالتحديد، لا تبحث سوى عن مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية غير مبالية بموضوع الحقوق والحريات.أنظر مثلا إلى ما تقوم به أمريكا في أوكرانيا بحجة الديمقراطية، لكنها تغض الطرف عما يجري في مناطق أخرى. في مصر مثلا حدث انقلاب عسكري واعتداء على الدستور، لم تقم أمريكا بإدانة الانقلاب مكتفية ببعض التصريحات المحتشمة. هذه البراغماتية في التعامل غالبا ما تطرح إشكالية أمام المحللين. فالشعب الأمريكي انتخب قادته ليدافعوا عن مصالحه، فهل نلوم أمريكا على ازدواجية الخطاب. من الناحية الأخلاقية نعم، لكن عمليا غايتهم هي الدفاع عن مصالحهم. هل تعتقد أن ذلك بإمكانه تشكيل ضغط على الجزائر خاصة أنها بصدد القيام بتعديل دستوري يصاحبه جدل واسع من المعارضة الرافضة لهذه الخطوة دون إصلاح حقيقي؟ لا شك أن النظام الجزائري يشعر بأن العالم يراقب ما يجري في البلاد من اللاديمقراطية وغياب الحقوق والطريقة العبثية في تسيير مقدرات البلاد. لكن النظام الجزائري يدرك من ناحية أخرى أن الغرب يبحث عن مصالحه الاقتصادية في ظل الأزمة التي تعيشها دوله، وأيضا مصالحه الأمنية بالنظر إلى ما يجري في الساحل وليبيا، وبالتالي لن يضغطوا عليه في الذهاب إلى ديمقراطية حقيقية لأن مصالحهم تحظى بالأولوية. هل يعني ذلك أن السلطة ستكتفي في دستورها القادم بإدراج مبادئ ديمقراطية عامة لتسويق صورتها أمام الغرب دون أن يترتب عن ذلك أي أثر عملي في الواقع؟ لن يتأثر النظام الجزائري بخطاب قمة إفريقي أمريكي. كل الشواهد تدل على غياب النية في إشراك الشعب منذ إلغاء المسار الانتخابي في سنة 1992، ثم في سنة 1999. فالرئيس الحالي وجد أمامه دستورا قام بتعديله للحصول على صلاحيات واسعة على حساب كل المؤسسات الأخرى، فأصبحت صلاحياته أكثر من ملك المغرب نفسه. ومن ثم لا أعتقد أن رئيسا عمل على تمكين نفسه من سلطة مطلقة أن يتراجع. ثم إن الرئيس الحالي، وعد بالإصلاحات في سنة 2011، فجاءت كل التشريعات بعدها مكرسة للغلق في مجال الحقوق والحريات، بما يعد انتكاسة قانونية وتشريعية. واليوم كلف مدير ديوانه بالاستماع إلى جزء من الطبقة السياسية من أجل تعديل الدستور. لكن الطريقة والآلية المتبعتان لا تنم عن ذلك. فلو كانت السلطة تريد تعديلا للدستور في العمق بما يكرس الديمقراطية، لقامت بعقد ندوة وطنية، مما ينبثق عنها يكون ملزما للجميع. للأسف ما يحدث اليوم يشكل خطورة كبيرة على مستقبل البلاد، ويضع من يقف وراء ذلك أمام مسؤولياتهم التاريخية. الجزائر: حاوره محمد سيدمو