لقيت مسودة الدستور ارتياحا كبيرا من قِبل العديد من الخبراء والسياسيين والأحزاب وغيرهم، غير أن هذا لا يمنع من القول إن هناك العديد من القانونيين والسياسيين والحقوقيين من اعتبر أنه لابد من إعادة النّظر في بعض محاور هذه المسودة، حيث يسجّلون عليها عدّة مآخذ ويطالبون بإعادة النّظر فيها، على حد تعبيرهم. ولعلّ أبرز هذه المآخر (إباحة ترشّح أبناء الحركى للانتخابات الرئاسية)، وهو أمر تتمنّى الأسرة الثورية وعموم الجزائريين استدراكه في النصّ النّهائي للدستور الجديد. عبّر العديد من السياسيين ورجال القانون عن تحفّظهم بشأن مسودة الدستور الصادرة الأسبوع الماضي، مطالبين بضرورة إعادة النّظر في بعض المواد التي اعتبروا أنها تحتاج إلى مراجعة أو تعزيز أكثر. ومن بين المآخذ في وثيقة التعديل الدستوري الإبقاء على عملية التشريع بالأوامر من طرف رئيس الجمهورية، حيث كان يفترض إلغاء هذه المادة نهائيا واستحداث منصب نواب للوزير الأوّل ونائب لرئيس المجلس الدستوري، وهي المناصب، والتي اعتبرها البعض لا طائل منها ما دام الوزير الأوّل ورئيس المجلس الدستوري بنفسيهما لديهما الصلاحيات الكافية، على حد تعبيرهم. وتمرير مسودة الدستور عن طريق البرلمان وليس عن طريق استفتاء شعبي، يعتبر كذلك مأخذا في هذه الوثيقة، ويرتكز الدستور التوافقي في الأساس على طبيعة النّظام السياسي ويحمل تعديلات هيكلية ويكرّس مبدأ الفصل بين السلطات ويحدّد التزامات كلّ واحدة منها بدقّة، كما يغلق الباب ولن يترك أيّ هامش للحديث عن مرحلة انتقالية. هذه أبرز المآخذ على مسودة الدستور الجديد يعدّ السّماح لأبناء الحركى بالترشّح مستقبلا لرئاسة الجزائر أبرز وأقوى مأخذ سجّله المتتبّعون على نصّ مسودة الدستور الجديد، ويرى البعض أنه لحسن الحظّ فإن المادة التي تبيح لهم القيام بذلك وهي المادة 73 قابلة للتعديل، ممّا يعطي إمكانية العودة إلى منع المنتمين إلى عائلات مشبوهة الماضي التاريخي من إمكانية رئاسة البلاد. إضافة إلى ذلك، سجّل قانونيون وسياسيون وحقوقيون مآخذ أخرى على النصّ الأوّلي للدستور الجديد يمكن إيجازها في ما يأتي: الإبقاء على سلطة عملية التشريع بالأوامر بيد رئيس الجمهورية. عدم الإشارة إلى ضرورة عرض أيّ تعديل دستوري على الاستفتاء الشعبي. إعادة النّظر في المادة التي تنصّ على منع التجوال السياسي. المساس بصلاحيات السلطة القضائية. بن خلاف: "لا للمصالحة مع أبناء الحركى" انتقد قيادي حزب العدالة والتنمية لخضر بن خلاف في تصريح ل (أخبار اليوم) أمس بعض مواد المسودة ومشاورات أحمد أويحيى، خاصّة دسترة المصالحة مع (أبناء الحركى) كما أسماها البعض، والتي تثبت للمرشّح لمنصب رئيس الجمهورية (عدم تورّط أبويه في أعمال ضد ثورة)، قائلا: (من غرائب مسودة الدستور الموزّعة على الأحزاب والشخصيات أنها أسقطت من الفقرة السابعة من المادة 73 من الدستور الحالي التي تنصّ على ضرورة إثبات المرشحّ لمنصب رئيس الجمهورية عدم تورّط أبويه في أعمال ضد ثورة أوّل نوفمبر 1954 إذا كان مولودا بعد جويلية 1942)، متسائلا: (من حذف هذا الشرط؟ وبأيّ مبرر؟ ولمصلحة مَن؟ فهل يعتبر هذا فتحا للمجال لأبناء الحركى وتطبيعا معهم كي يمكنهم الترشّح لمنصب القاضي الأوّل في البلاد مستقبلا تماشيا مع إدراج قيم المصالحة الوطنية ضمن ديباجة مسودة الدستور؟ وهذا لتبرير محو عار الخونة والحركى باسم التصالح مع الماضي والتاريخ كي يحكموننا). بوجمعة غشير: "المسودة لم تحمل أيّ جديد لحقوق الإنسان" يرى الرئيس السابق للرّابطة الجزائرية لحقوق الإنسان بوجمعة غشير في تصريح سابق له لإحدى اليوميات الوطنية إدراج مادة منع التجوال السياسي في الدستور، مشيرا إلى أن هذه المادة يكفي إدراجها في قانون، وكذلك الأمر بالنّسبة لمسألة جمع الثورة عن طريق استغلال المناصب السامية، فلا معنى -على حد قوله- لإدراجها في الدستور مادام القانون يعاقب عليها. أمّا بالنّسبة لمجال حقوق الإنسان والحرّيات فيرى غشير أنها لم تحمل أيّ جديد، مشيرا إلى مسألة إدراج المصالحة الوطنية في ديباجة الدستور، مبيّنا أن هناك اختلافا بين نظرة السلطة للمصالحة والمعنى الحقيقي لها (فلا يمكن الحديث عن مصالحة دون الحقيقة والعدالة). وأكّد بوجمعة غشير أن الدستور بحاجة إلى تحديد للبعد الثقافي والمتعلّق بالهوية، إذ أن الدستور الحالي لا يعطي أيّ هوية للشعب الجزائري، مضيفا أنه لابد من تحديد النّظام السياسي المتّبع إن كان برلمانيا أم رئاسيا، ليشدّد على ضرورة صياغة دستور يحمي الحرّيات ويساهم في استقلالية القضاء ويحدّد أسس التنظيم الإداري ودور المجلس الدستوري. وطالب بوجمعة غشير بإبراز دور المؤسسات الدستورية في التعديل، والتي تشكّل أسس بناء الدولة الجزائرية عن طريق مواد شاملة غير قابلة للتعديل إلاّ عن طريق استفتاء، ليقول: (نريد مشاورات جادة وحقيقية توسّع إلى أكبر قدر من الفاعلين في المجتمع من سياسيين وقانونيين وإعلاميين واجتماعيين وأئمة للمشاركة في بناء دستور شامل والإدلاء برأيهم). هيشور: "لابد من إعادة النّظر في المادة التي تنصّ على منع التجوال السياسي" من جانبه، أكّد الوزير عضو المجلس الأعلى للقضاء السابق بوجمعة هيشور على إعادة النّظر في المادة التي تنصّ على منع التجوال السياسي، والتي تقرّ عدم المساس بالحرّيات، مرحّبا بمقترح تخصيص جلسة شهرية لمناقشة جدول أعمال المعارضة. وعن منصب نائب رئيس الجمهورية قال هيشور إن هذا المنصب مهمّ إذا أعطيت له الصلاحيات اللاّزمة وإعطائه مكانة ووزنا داخل الهيكل الدستوري، وأبرز أن مبادرة تعديل الدستور هي من صلاحية رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة أو من ثلثي أعضاء المجلس الوطني أو البرلمان، مضيفا أن المسودة التي نشرت هي أمر دستوري (لأنه لا يوجد تحديد للنقاش والجدل من طرف المعارضة) خلال المشاورات التي ستنطلق بداية جوان تحت إشراف أحمد أويحيى، مع العلم أن أويحيى له مسار طويل في مجال المؤسسات وفي إدارة مثل هذه النقاشات. وذكر بوجمعة هيشور أن الجزائر اليوم لا تعاني من فراغ دستوري لتحضير مسودة تعديل الدستور في محيط المجلس التأسيسي بعدما تمّ انتخاب رئيس للجمهورية وتمّ التصديق عليه من قِبل المجلس الدستوري، مشيرا إلى أن هذه العملية تمّ العمل بها في مرحلة الاستقلال، وأن مهلتها دامت سنة واحدة. وكشف نفس المتحدّث أن هذه المشاورات ستعطي إضافات جديدة، خاصّة في الفترة الزمنية بعدما أعلن رئيس الجمهورية يوم 16 أفريل 2011 خلق ورشات لتكميل الإصلاحات بما فيها الإصلاحات الدستورية، أين قال إن المشاورات الأولى أعطت اقتراحات كبيرة لكافّة الأطياف المتواجدة في الساحة السياسية والمجتمع المدني خصوصا، غير أن التعديلات الدستورية الكثيرة بإمكانها أن تقلّل من شأن ومدلول الدستور. أمّا فيما يخص المادة 74 والمتمثّلة في تحديد العهدات لدسترة التداول الديمقراطي على الحكم فقد كشف ذات المتحدّث أن المسودة عادت لدستور 1996 التي تنصّ بتحديد العهدات، مشيرا إلى أنه عند فتح العهدات كان القرار للشعب، حيث انتخب هذا الأخير الرئيس بوتفليقة في العهدة الثالثة والرّابعة. المسودة تمسّ بصلاحيات السلطة القضائية كما تناولت مقترحات رئاسة الجمهورية بشأن تعديل الدستور توسيع مجال إخطار المجلس الدستوري بالنّسبة للجهتين المخوّلتين أصلا بإخطاره وهما سلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، فيما غيّبت صلاحيات الإخطار تماما عن السلطة القضائية. وجاء في تعديل المادة 166 من الدستور إضافة الوزير الأوّل إلى رئيس الجمهورية في صلاحية الإخطار من جهة السلطة التنفية وإضافة 70 نائبا إلى رئيس المجلس الشعبي الوطني و40 عضوا بمجلس الأمّة إلى رئيسه، وذلك في جهة السلطة التشريعية.