جاء في تصريح للأسقف السابق للكنيسة الكاثوليكية السيد هنري تيسيي، نقلته قبل أيام "الخبر"، أن من يقف وراء عمليات التنصير في العالم الإسلامي عامة وفي الجزائر خاصة هم من البروتستانتيين، وهم من الجماعات البروتستانتية وبالتحديد الإنجيليين، أو كما جاء ذكرهم بالمسيحيين الجدد أو التكفيريين المسيحيين. كما جاء في تصريح لوزير الشؤون الدينية الجزائرية، الدكتور محمد عيسى، لقناة تلفزيونية جزائرية أن حركات التنصير والتنصير في الجزائر تقف وراءها جهات استخباراتية خارجية. ولقد نشأت هذه الحركة (الإنجيليون) بداية القرن الماضي بالولايات المتحدةالأمريكية، وهي حركة تنسب نفسها إلى المذهب البروتستانتي الذي ظهر في القرن السادس عشر، ومعناها اللغوي “المحتجون” ولقد جاء ظهورهم بعد استبداد الكنيسة الكاثوليكية المسيحية في العصور الوسطى. لكن نشأة وظهور حركة الإنجيليين أو المسيحيين الجدد جاء في زمن عرف زوال الخلافة الإسلامية من جهة، كما عرفت هذه الفترة من جهة أخرى حروب إبادة ضد اليهود في أوروبا بقسميها الشرق والغربي، إلى حد دفع بالرؤساء الأوروبيين إلى إنشاء دولة لليهود خارج أوروبا طبعا، فاقترح القادة الأوروبيين على اليهود إقامة دولتهم في كينيا أو الأرجنتين، لكن بانهيار الدولة الإسلامية ووقوعها في أيدي الغرب من البريطانيين والفرنسيين وغيرهم، أو ما يعرف بفترة الانتداب البريطاني، تم منح فلسطين لليهود لإقامة دولتهم. لكن هذا الاقتراح أو هذا الخطأ الذي ارتكبه الغرب لم يكن لا في صالحه ولا في صالح اليهود، فقد أعاد هذا الاحتلال توحيد المسلمين، وتسبب في خسارة الغرب لكل مستعمراته، ولازال ليومنا هذا طرفا في النزاع مرغما مكرها لا يستطيع الخروج منه. هذه الوضعية دفعت اليهود الصهاينة للتحرك على كل المستويات، وبكل الطرق لتفادي خسارة الغرب كحليف وكحماية، واستطاعت أن تخترق الديانة المسيحية عن طريق البروتستانتية، وأنشأت ما يسمى بحركة الإنجيليين أو كما وصفها أسقف الجزائر السابق هنري تيسيي ب«المسيحيين الجدد” أو “التكفيريين”، وهذا ما يعرف لدى العامة بالحركة الصهيونية المسيحية. والهدف من إنشاء هذه الحركة هو خلق قوة إستراتيجية ذات طابع ديني من داخل الديانة المسيحية، تشكل لدولة إسرائيل سندا شرعيا يمنحها حق احتلال فلسطين من باب الدين، كما أن انعدام النصوص الشرعية في التوراة والإنجيل التي تمنح دولة إسرائيل حق احتلال فلسطين كما يزعمون من أهم الأسباب لإنشاء هذه الحركة. يمكن القول إن عمليات التبشير والتنصير التي يقوم بها الإنجيليون جاءت بعد زوال الدولة الإسلامية وانقسامها سياسيا إلى دول. مع العلم أن الاستعمار من الناحية الدينية كان مسيحيا كاثوليكيا ولم يكن بروتستانتيا، وهذا دليل على أن البروتستانتية لم يكن لها قوة سياسية في أوروبا آنذاك، رغم مرور قرون عديدة على ظهوره في أوروبا. ولقد ضاعفت هذه الحركة من نشاطاتها السري في العالم الإسلامي عامة، وفي الجزائر خاصة، في المناطق المضطربة سياسيا أو متعددة العرقيات أو عن طريق الإغراء بفضل تسخير إمكانيات إعلامية ضخمة بعيدا عن كل القواعد الدينية المتعلقة بالديانة المسيحية، فهي تعتمد في حملاتها الإعلامية على إعطاء صورة للعالم بوجود مسيحيين بروتستانتيين في البلدان الإسلامية دون التعريف بالديانة المسيحية وأماكن عبادتهم. كما أنها تجاوزت الحدود بإعلانها محاربة الإسلام وتشويه صورة المسلمين، ولقد نجحت في إقناع المجتمع الدولي بفضل هذه الحملات الإعلامية، التي تقوم بها أن الهدف هو خلق أقليات مسيحية بروتستانتية في العالم الإسلامي، وهذا غير ممكن لانعدام قاعدة دينية صحيحة ترتكز عليها هذه الحركة وعدم مصداقيتها، بل الهدف الرئيسي لهذه الحركة هو تكريس فكرة وجود إسرائيل كدولة وككيان صهيوني. كما يعيش الدين الإسلامي اليوم الاختراق الفكري التكفيري نفسه نتيجة الاختلافات المذهبية، نتيجة اضطرابات في العقيدة أنتجت اضطرابات سياسية مدمرة أتت على الدول الإسلامية ذات الاختلافات المذهبية السنية- الشيعية كالعراق وسوريا أدت إلى قيام تنظيم تفكيري رهيب اسمه الحقيقي “الإرهاب” ويلقب تارة بالقاعدة، وداعش تارة أخرى. هذا التنظيم الإرهابي عقيدته شاذة، تكفيري الفكر، لا هو سني ولا هو شيعي، ولا علاقة له بالإسلام شكلا ومضمونا، تعداده متعدد الجنسيات خاصة الأمريكية والأوروبية نتيجة الفهم الخاطئ للإسلام في القارتين أصبح يشكل قوة إقليمية متحركة تهدد العالم بأسره يزعم أنه يريد أن يعلم المسلمين دينهم ويعرف غير المسلمين بالدين الإسلامي. لقد استطاع المنحرفون عن دينهم من المسلمين وغير المسلمين من المسيحيين أن يؤسسوا عقيدة شاذة موحدة ليس في الإيمان، ولكن في التكفير والتضليل، عقيدة تكفيرية فاسدة مفسدة متمردين بذلك عن دياناتهم وعقائدهم الأصلية نتيجة ابتعادنا نحن الذين ندّعي الإيمان من المسلمين والمسيحيين عن دياناتنا وعقائدنا وعن دورنا الديني، بل نجح هؤلاء المنحرفون عن غلق باب الحوار والتعايش بين السلمي بين الأديان. لهذا، فمن واجبنا اليوم إعادة الاعتبار للحوار بين الأديان والتعايش السلمي بين الشعوب مهما اختلفت أديانهم وثقافتهم ودعوة الناس إلى العودة إلى دراسة دينهم، سالكين الطريق المستقيم لمعرفة اللّه والإيمان به وعدم الوقوع في فخ المنحرفين الشواذ سالكا الطريق.