من المرتقب أن يقوم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بزيارة عمل رسمية إلى الجزائر هذا الشهر، حيث سيلتقي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ومسؤولين سامين في الدولة، ليتباحث الطرفان المسائل الإقليمية الراهنة والعلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين. فهل يبحث أردوغان فكّ العزلة الدولية على تركيا؟ تساؤلات عديدة طرحت منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في العام 2002، بعد التغير الجذري في السياسة الخارجية التركية لعل أبرز هذه التساؤلات: إلى أين تتجه تركيا؟ جاءت الإجابة عن هذا السؤال في كتاب رئيس الوزراء التركي أحمد داود أغلو “العمق الاستراتيجي”، حيث ركز على فكرة رئيسية هي تصفير (معنى الصفر) المشاكل مع دول الجوار لتركيا، وكذا العودة إلى حضن الشرق بعد يأسها من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. فعلا حققت تركيا في السنوات الأولى من حكم حزب العدالة والتنمية الأهداف المرجوة من توجهات سياستها الخارجية الجديدة، وسجلنا تحسنا في علاقاتها بشكل كبير مع كل دول الجوار بدءا من سوريا ثم العراق والعربية السعودية ومصر، واليونان وقبرص وإيران. وأصبحت بذلك تركيا في نظر العديد من الدول الإسلامية والغربية أنموذجا يجب الاقتداء به وتعميمه في منطقة الشرق الأوسط، وتم الشروع في نشر فكرة ما يسمى بالنموذج التركي، كان ذلك إلى غاية انطلاق ما يسمى ب«الربيع العربي”، وطفا على السطح ما أطلق عليه ملفات الفساد الكبرى في تركيا ديسمبر2013، التي اتهم فيها أبناء وزراء مقربون من أردوغان، ثم ظهرت تسريبات صوتية مزعومة ترمي إلى تورط أردوغان ونجله في هذه القضايا، وإثر ذلك بدأت شعبية “النموذج التركي” تتآكل للاعتبارات التالية: 1- التدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية تدخّل حكومة حزب العدالة والتنمية بشكل مباشر في الأزمات التي حدثت في بعض الدول العربية، حيث دعمت تركيا المعارضة السورية بكل ما تملك من وسائل بغية الإطاحة بنظام بشار الأسد، كما ساندت “الإخوان المسلمين” في كل من ليبيا مصر وتونس للوصول إلى السلطة غير أن النتائج جاءت عكس توقعات أنقرة. وكنتيجة لذلك تحولت علاقات الصداقة مع سوريا ومصر والدول الخليجية المساندة لمصر، مثل العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين، إلى “أعداء” من الدرجة الأولى لتركيا بسبب هذه التدخلات، ورفع الغطاء عن النوايا الحقيقة لتركيا مع الدول العربية. كما ساءت علاقاتها مع إيران بسبب الأزمة السورية، حيث اختلفتا في وجهات النظر لحل المعضلة السورية، فإيران تساند نظام بشار الأسد، وتركيا تدعم المعارضة السورية المسلحة، وقس على ذلك أيضا تدهور علاقاتها مع حليفتها في المنطقة إسرائيل بسبب حادثة سفينة مرمرة، ولو أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين لا تزال قائمة وفي أحسن أحوالها، يضاف إلى كل هذا غياب الثقة في علاقتها مع اليونان بسبب الأزمة القبرصية.. وكذا العلاقات المتوترة مع العديد من الدول. 2- الاضطرابات الداخلية المتزايدة وملفات الفساد الكبرى وما زاد من تراجع شعبية “النموذج التركي” هي الاضطرابات الداخلية في تركيا السنة الماضية، انطلاقا من أحداث “جيزي بارك” وصولا إلى قضايا الفساد الكبرى التي ظهرت في ديسمبر 2013، التي اتهم فيها أبناء وزراء مقربون من أردوغان، عقبتها تسريبات صوتية تتهم أردوغان ونجله بضلوعهم في الفساد الذي اجتاح تركيا، فتعامل أردوغان مع هذه الملفات بهذه الطريقة لفتت حوله الشكوك والشبهات، إذ جاءت عكس المبادئ التي كان يروج لها طيلة فترة حكمه، كمناداته بتطبيق الديمقراطية التركية وتحرير الشعوب من الديكتاتوريات والقمع، حيث لم يتوان أردوغان، في مجمل إجراءاته التي اتخذها لمواجهة ما أسماه المؤامرة المنظمة داخليا وخارجيا للإطاحة بحكمه، عن إقالة كل القضاة الذين أشرفوا على متابعة ملفات الفساد الكبرى، كما نقل آلاف رجال الأمن من أماكن عملهم كإجراء عقابي، في الوقت نفسه هي خطة لطمس الأدلة التي هي ضده، وحاكمهم بتهم محاولة الانقلاب على السلطة بتحريض من قِبل حركة “الخدمة” التي تستلهم أفكارها من الداعية الإسلامي التركي محمد فتح اللّه كولن- حسب أردوغان. وكان لوسائل التواصل الاجتماعي نصيب من قرارات أردوغان مثل تويتر وفايسبوك. بالإضافة إلى ذلك حسب المحللين السياسيين فإن أردوغان خرق الدستور عندما مارس صلاحياته كرئيس جمهورية في نظام شبه رئاسي وليس في نظام برلماني، على الرغم من تعيين وزير الخارجية السابق أحمد داود أغلو كرئيس للوزراء، إلا أن أردوغان لا زال هو المتصدر للمشهد السياسي في تركيا، حيث لا نرى لأحمد داود أغلو أي أثر لما يحدث دوليا، حيث اقتصر دوره على بعض التصريحات في مسائل داخلية تعد ثانوية. 3- هل الجزائر هي المتنفس الوحيد لأردوغان؟ في العلاقات الدولية عادة ما تكون الأسباب الظاهرية لزيارة أي رئيس دولة لدولة أخرى تنحصر في بعث العاقات الثنائية بين الدولتين وتناول القضايا المشتركة سياسيا اقتصاديا وحتى ثقافيا واجتماعيا، وأعتقد أن مثل هذه المسائل تناولها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لما زار الجزائر السنة الماضية، حيث تناول العلاقات الاقتصادية بين البلدين كتجديد اتفاقية تزويد الجزائرلتركيا بالغاز وتدشين مصنع الفولاذ بوهران، وكذا تبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية الراهنة، التي أرى أن هناك اختلافا كبيرا بين وجهات نظر البلدين بهذا الخصوص، بالرغم من أن التصريحات الإعلامية لمسئولي البلدين تأتي عكس ذلك، وعليه أظن أن الهدف المحتمل من زيارة الرئيس التركي للجزائر في الأيام القليلة المقبلة ينحصر في نقطتين إحداهما سياسية والأخرى اقتصادية. 1-الهدف السياسي: بما أن العلاقات الجزائرية المصرية هي في أحسن أحوالها وهما على وفاق تام في العديد من القضايا خاصة الإقليمية منها بالتحديد الأزمة الليبية، سوف يستغل أردوغان هذه العلاقات ويطلب وساطة الجزائر لحل مشاكلها العالقة مع مصر، بذلك تنحل كل العقد مع الدول الأخرى، خاصة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، هذا من جهة. ومن جهته، سوف يتعهد أردوغان بالضغط على الجماعات المقاتلة الموالية له ولقطر في ليبيا بالجلوس إلى طاولة الحوار الذي دعت إليه الجزائر ومصر والأمم المتحدة بذلك يكون قد أسدى خدمة جليلة لمصر والجزائر. 2- الهدف الاقتصادي: وهذا الهدف يتعلق– حسب رأيي- بنقل الغاز الجزائري إلى تركيا، حيث سيعمل أردوغان جاهدا بإقناع الحكومة الجزائرية بإسناد هذه المهمة لأحد الشركات التركية الكبرى المتخصصة في النقل البحري طبعا ربما تكون لها ارتباط غير مباشر بمصالح أردوغان، حتى يضمن مساندة هذه الشركات لإتمام فترة حكمه دون عقبات. في الختام، أعتقد أنه إن وافقت الجزائر على مطالب أردوغان فتكون فكت عنه براغيث العزلة على الأقل مع الدول العربية، ثم تنحل عقدة العزلة تبعا مع الدول الأخرى، خاصة تلك التي تتهم أردوغان بوقوفه وراء “داعش”.