يقول الأستاذ راتب النابلسي: يقول اللّه عزّ وجلّ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} إنّ أصل كلمة (المزّمل) في اللّغة هو: المتزمّل، فأدغم حرف بحرف، إنّها تعني المتحمّل، أي: يا أيّها النّبيّ، لقد جاءتك هذه الرسالة الّتي حُمّلتها. {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً} القيام هنا يعني: انهض لتبليغ هذه الرِّسالة، فهذا تحبّب وتلطّف وإشعار بأنّ اللّه جلّ جلاله ليس عاتبًا عليه في تزمّله وتلفّفه بالثّوب. واللّيل: من غروب الشّمس إلى طلوع الفجر، ومن هنا استنبط عليه الصّلاة والسّلام أنّه مَن صلّى المغرب والعشاء وصلّى الفجر قام نصف اللّيل، لأنّ حدّ اللّيل من صلاة المغرب حتّى طلوع الفجر، وصلاة الفجر من قيام اللّيل، وصلاة المغرب والعشاء من قيام اللّيل، فالّذي يُتاح له أن يستيقظ بعد أن ينام ليُصلِّي بعض الرّكعات قيامًا لليل فهذا من كمال هذا الأمر الإلهي. {إِلَّا قَلِيلاً} هذا استثناء من اللّيل، وهو يعني: صلِّ اللّيل كلّه إلّا يسيرًا، لأنّ قيام اللّيل كلّه غير ممكن وهو شيء غير واقعي يتناقض مع طبيعة الإنسان. {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلاً} القليل عند العلماء هو ما دون النِّصف أو الثلث. وإنّ أجمل ما في قيام اللّيل هو قراءة القرآن في الصّلاة، ويجوز عند الإمام مالك قراءة القرآن من المُصحف، فإنْ أردتَ أن تقرأ القرآن كلّه في قيام اللّيل فلك أن تفتح المصحف أمامك، وأن تقرأ في كلّ ركعة صفحة، وأن تقرأها قراءةً مرتّلة. اقرأ القرآن بتمهُّل وتمعّن وتدبّر، وعِش جوّ الآيات، فإن كان في الآية وصف لعذاب فتعوّذ باللّه من عذاب أهل النّار، وإن كان فيها الآية وصف لأهل الجنّة فادع اللّه أن تكون من أهل الجنّة، وإن كان في القرآن آية تدلّ على عظمة اللّه فسَبِّح اللّه ومجّده وتفاعل مع هذه الآيات، وخصيصة الليل هي السّكون والهدوء، فلا يوجد اتصالات هاتفية ولا حركة ولا ضجيج ولا صخب، لأنّ هذا اللّيل للمُحبِّين.