يُعدّ ميلاد نبينا وحبيبنا محمّد صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم أهمّ حدث في تاريخ البشرية منذ أن خلق الله الكون إلى أن يرث الأرض ومن عليها، وقد وُلِدَ صلّى الله عليه وسلّم يوم الاثنين بلا خلاف، والأكثرون على أنّه لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل، والمُجْمَع عليه أنّه عليه الصّلاة والسّلام وُلِدَ عام الفيل، وكانت ولادته في دار أبي طالب بشِعب بني هاشم. لقد سبق مولد سيّد ولد آدم صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم أحداث عظيمة سجّلت في السِّيرة النّبويّة وفي تاريخ البشرية، ومنها: حفر عبد المطلب لزمزم، فقد كانت زمزم عينًا يشرب منها النّاس، وكانت العرب تعظّمها لأنّها من شعائر دين إبراهيم الخليل عليه السّلام، وقد جهل النّاس مكانها، وانطمست معالمها، فأراد الله عزّ وجلّ أن يجعل حفرَ بئر زمزم على يد عبد المطّلب جدّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ليشير إلى أنّ الله تعالى اصطفى بني هاشم بهذا الفضل المبين، الّذي فيه إحياء لأمر من شعائر النّبيّين، وما كان ذلك إلاّ مقدّمة لمولد واصطفاء وبعثة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولذلك روى ابن إسحاق والبيهقي حديث عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه الّذي فيه حفر عبد المطّلب لزمزم. وسبقت ميلاده صلّى الله عليه وسلّم حادثة عام الفيل، الّذي وُلد فيه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهذه الحادثة مشهورة ثابتة بالكتاب والسُّنّة، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} سورة الفيل. قال الحافظ ابن عبد البَرِّ: [وُلِدَ صلّى الله عليه وسلّم بَعْدَ قُدومِ الفِيلِ بِشَهْرٍ، وقيل بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وقيل بِخَمْسِينَ يومًا]. وُلد سيّد الخلق وخاتم المرسلين محمّد صلّى الله عليه وسلّم في يوم الاثنين من ربيع الأوّل من عام الفيل، بميلاده أضاء الكون، فعن قيس بن مخرمة رضي الله عنه قال: “ولدتُ أنا ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام الفيل” رواه البيهقي، وعن أبي قتادة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سُئِل عن صوم يوم الإثنين، فقال: “ذاك يوم وُلِدْتُ فيه، ويوم بُعِثْتُ، أو أنزل عليَّ فيه” رواه مسلم. وقد فقد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أباه قبل مولده، فوُلِدَ يتيمًا، وعلى عادة العرب أرسله جدُّه إلى البادية ليسترضع في بني سعد، وكانت حاضنته حليمة بنت أبي ذُؤَيب السّعدي، فلم يزل مقيمًا في بني سعد يرون به البركة في أنفسهم وأموالهم، حتّى ردّوه إلى جدّه عبد المطلب وهو في نحو الخامسة من عمره، ولم تلبث أمّه آمنة أن توفيت في الأبواء (بين مكّة والمدينة)، وكان عليه الصّلاة والسّلام قد تجاوز السّادسة بثلاثة أشهر، وقد عاش صلّى الله عليه وسلّم في رعاية جدّه عبد المطلب، وكان يُحبّه ويعطف عليه، فلمّا مات عبد المطلب كان صلّى الله عليه وسلّم في الثامنة من عمره، فقام عمّه أبو طالب بكفالته، فكان خير عون له في الحياة بعد موت جدّه، وكان أبو طالب سيّدًا مُطاعًا في قومه، مع ما كان عليه من الفقر، وكان يحبّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حُبًّا شديدًا، ويؤثره على أبنائه، وقد عمل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم برعي الغنم، مساعدةً منه لعمّه، فقال صلّى الله عليه وسلّم: “ما بعث الله نبيًّا إلّا رعى الغنم”، فقال أصحابه: وأنتَ؟، فقال: “نعم كنتُ أرعاها على قراريط لأهل مكّة” رواه البخاري، ثمّ بعد ذلك اشتغل صلّى الله عليه وسلّم بالتّجارة. وفي ليلة مولده صلّى الله عليه وسلّم رأت أمُّه عليها السّلام نورًا خرج منها أضاء لها قصور الشّام، فقد روى ابن هشام في السِّيرة النّبويّة وابن كثير في البداية والنهاية: [جاء نفر من الصّحابة رضي الله عنهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله! أخبرنا عن نفسك، قال: “نعم، أنا دعوةُ أبي إبراهيم، وبُشرى عيسى، ورأتْ أمِّي حين حَمِلَت بي أنّه خرج منها نورٌ أضاء لها قصور الشّام، واسترضعتُ في بني سعد بن بكر]. قال الصّحابي الجليل حسان بن ثابت رضي الله عنه: “والله، إنّي لغلام يفعةٌ، ابن سبع سنين أو ثمان، أعقل كلَّ ما سمعت، إذ سمعتُ يهوديًا يصرخ بأعلى صوته على أطمة (حصن) بيثرب: يا معشر يهود! حتّى إذا اجتمعوا إليه قالوا له: ويلك مالك؟، قال: طلع اللّيلة نجم أحمد الّذي ولد به” رواه البيهقي، وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قال زيد بن عمرو بن نفيل، قال لي حِبْرٌ من أحبار الشّام: “قد خرج في بلدك نبيٌّ، أو هو خارج، قد خرج نجمُه، فأرجِعْ فصَدِّقْهُ واتَّبِعْهُ”.