يجب على المسلم بَرُّ والديه وطاعتهما والإحسان إليهما ويحرُم عليه عقوقهما وإغضابهما وإلحاق الأذى بهما، لا لكونهما سبب وجوده في هذه الدنيا فحسب، أو لكونهما ربّياه صغيرًا وتَعِبا من أجل راحته، بل لأنّ اللّه عزّ وجلّ فضّلهما وأعطاهما منزلة عظيمة حيث قَرَنَ حقَّهما بحقِّه الواجب له من عبادته وحده لا شريك له، فقال عزّ وجلّ: {وقَضى ربُّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه وبالوالدين إحسانًا إمّا يبلُغَنّ عندك الكِبَر أحدهما أو كلاهما فلا تقُل لهما أُفٍّ ولا تنهرهما وقُل لهما قولاً كريمًا واخْفِض لهما جَناحَ الذُّلِّ من الرّحمة وقُل ربِّ ارْحمهما كما ربّياني صغيرًا}، وقال سبحانه: {ووصّينَا الإنسان بوالديه حَملتْهُ أمُّه وهْنًا على وهْنٍ وفِصالُه في عامين أن اشْكُر لي ولوالديكَ إليَّ المصير}. فعلى هذا الشخص الّذي يرفَع صوتَه على أُمِّه أن يعلَم أنّ فعلَه هذا عقوق يستوجب عقاب اللّه في الدنيا والآخرة إن لم يَتُب، فقد حرَّم اللّه أن يقول الرّجل لأبويه كلمة أُفٍّ فما بالك بغيرها من الكلمات الجارحة والمؤذية للمشاعر. وقد أعطى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم للأمِّ ثلاثة حقوق حينما سُئِل عن أحقِّ النّاس بحُسن الصُّحبة، حيث جاء رجل يسأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: “مَن أحقُّ الناس بحُسن صحبتي؟ قال: أمُّك، قال: ثمّ مَن؟ قال: أمَّك، قال: ثمّ مَن؟ قال: أمُّك، قال: ثمّ مَن؟ قال: أبوك” رواه البخاري ومسلم. وقال صلّى اللّه عليه وسلّم: “إنّ اللّه حرَّم عليكم عقوق الأمّهات، ومَنْعَ وهاتِ، ووأد البنات، وكرِه لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال” رواه البخاري ومسلم. وحتّى وإن كان الأبوان ظالمين غير عادلين في العطيّة مثلاً فإنّه يحرُم عقوقهما ويجب برّهما، لأنّ بعض الأبناء قد يعطي الحقّ لنفسه ويسيء معاملة والديه بالقول أو الفعل بحجّة أنّهما مخطئان أو ظالمان أو غير ذلك من الحُجج الّتي قد تكون حقيقة في الواقع، ومع ذلك نقول له يحرُم عليك عقوقهما ويجب عليك برّهما، وإن استطعت أن تنصحهما وتبيّن لهما خطأهما بطريقة وأسلوب لائقين فافعل، وادعُ اللّه لهما بالهداية والمغفرة والرّحمة. ولقد أمَر اللّه بحُسن صحبة الأبوين المشركين، فكيف بغيرهما من المسلمين، حيث قال سبحانه: {وإنْ جاهداك على أن تُشرِك بي ما ليس لك به عِلمٌ فلا تُطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا}. وقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لأسماء بنت أبي بكر الصدِّيق رضي اللّه عنهما وقد سألته عن صلتها أمَّها حينما قدمَتْ عليها من مكة مشركةً فقال لها: “نعم، صِلِي أمَّك”، واللّه المستعان.