هناك أخبار يتم تداولها حول برمجة تعديل الدستور بالمجلس الشعبي الوطني، استعدادا للتصويت عليه. هل هذا صحيح؟ نعم، هناك توجه نحو تعديل الدستور على مستوى البرلمان، وإحالة مسودته إلى رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الدستوري، وهناك حديث جدي عن دعوة البرلمان بغرفتيه مجتمعتين لتمرير تعديل الدستور خلال شهر أفريل القادم، بعدما تم الحديث سابقا عن لقاء الرئيس بوتفليقة مع رئيس أركان الجيش، ڤايد صالح، والجنرال توفيق، على انفراد، للتشاور حول المسودة النهائية له. والظاهر أن تعديل الدستور كان معطلا ويحتاج للتوافق بين أجنحة النظام ليس إلا، أما الأحزاب فالمطلوب منها الموافقة وليس التوافق، فيما سيكون الشعب الغائب الأكبر عن هذا الموعد كدليل على الاستخفاف بالإرادة الشعبية... لماذا برأيك يعزف الرئيس عن الاستفتاء كآلية للحصول على التأييد لمشروعه؟ واضح أن الرئيس انقلب على الإصلاحات السياسية، وقد تحدث في خطابه، يوم 15 أفريل 2011، عن تعديل الدستور الجذري العميق والشامل، وهذا يتطلب استفتاء شعبيا. وبالرغم من سلسلة المشاورات (مشاركة 250 بين حزب وجمعية وشخصية) في “مشاورات بن صالح” وعمل لجنة الخبراء برئاسة عزوز كردون و114 لقاء و30 مساهمة كتابية في “مشاورات أويحيى” عام 2014، إلا أن المسودة التي خرج بها الرئيس علينا شاحبة وهزيلة وشكلية، لا ترقى إلى حقيقة وعمق الإصلاحات الموعودة. وهذا يدل على أن هناك استخفافا بعقول الجميع، وأنه لا توجد إرادة سياسية حقيقية في ذلك. كنا نتمنى التوجه إلى الاستفتاء الشعبي لإضفاء شفافية ومصداقية على تعديل الدستور المرتقب، ولكن الذهاب به إلى البرلمان يطعن في شرعية ومشروعية هذا الإجراء، فنحن لا نثق في سلطة الرئيس ولا في شرعية البرلمان، وبالتالي فهذا التوجه يطعن في شرعية الدستور القادم. السلطة تخاف الشعب ولا تثق في إرادته كتعبيرٍ واضح بأن شرعيتها لا تستمدها منه، بل تستمدها من التزوير. ما سبب تردد رئيس الجمهورية في تنفيذ مشروع تعديل الدستور برأيك؟ هل يواجه “مقاومة” من جهة أو جهات في النظام لتحقيق المسعى؟ الواضح أن هناك معركة لكسر العظام بين أجنحة السلطة، وحتى وإن اتفقت على تمرير العهدة الرابعة، إلا أنها اختلفت على ما بعدها، والتلاعب بوثيقة الدستور، كل هذا الوقت، يدل على وجود مقاومة شرسة من أطرافٍ داخل السلطة لإرادة الرئيس، ترفض التسليم لبوتفليقة بكل شيء، فمعركة الصلاحيات الواسعة والمطلقة للرئيس، واقتراح استحداث منصب نائب الرئيس ومن يكون، وشبه الإجماع من الأحزاب والمشاركين في المشاورات سابقا ولاحقا، على تغيير طبيعة النظام والذهاب إلى النظام البرلماني أو شبه الرئاسي والاستقلالية الحقيقية للقضاء، والدور الرقابي الفعلي لمؤسسات الرقابة، ومنها صلاحيات البرلمان في تشكيل الحكومة، ومنها محاسبتها وإقالتها عند الضرورة.. كلها تزعج بوتفليقة ذا النزعة التسلطية والعقلية الأحادية. المشكلة ليست في الدستور بقدر ما هي في عدم احترامه والالتزام به..