دخل دستور الرئيس بوتفليقة مرحلة ”سوسبانس” بدخول شهر أفريل، بينما تتضارب المعلومات حيال إن كان أرسل إلى البرلمان من أجل الاستشارة، قبل ترسيم مناقشته بمجلس الوزراء. ورغم قرب الإفراج عنه، لم يتضح لون الدستور الجديد، إن كان توافقيا كما سبق للرئيس بوتفليقة أن تعهد به، رغم عدم مشاركة المعارضة في إثرائه؟ أم دستور مرحلة، رغم وعد المسؤول الأول في البلاد بأنه سيخضع دستور 96 لإصلاح عميق؟ أم دستور سلطة، قياسا بتوجه هذه الأخيرة المعبّر عنه بموقفها المتشدد من المعارضة؟ وخارج طابع المضمون، اختلفت المواقف إن كان الدستور سيحال على البرلمان مباشرة أم أنه يرمى به إلى استفتاء شعبي، وإن كان التوجه الحالي يقضي باعتماد الخيار الأول؟ لكن السؤال الأهم من هذا كله، ماذا يريد الرئيس من دستوره الجديد؟ وهل فعلا الجزائر بحاجة إلى دستور جديد أمام تراكم الأولويات وتدافع الأحداث داخليا وخارجيا؟ أخلف وعدا قطعه قبل 7 سنوات دستور بوتفليقة ”يخشى” الاستفتاء الشعبي في أواخر أكتوبر 2008 أعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عزمه عرض تعديل دستوري على البرلمان، مبعدا بذلك فرضية شدَّت الطبقة السياسية والإعلام حينها، تعلقت باستفتاء الشعب حول هذا التعديل. وقال آنذاك: ”إذا تم استبعاد فكرة التعديل الدستوري عن طريق الاستفتاء إلى حين، فإن هذا لا يعني التخلي عنها”. كلمة ”إلى حين” جاء وقتها بعد.. 7 سنوات ولكن بوتفليقة سيكتفي من جديد بتمريره مسودّة التعديلات عن طريق الغرفتين البرلمانيتين. أثبتت ”قصة” بوتفليقة مع ”دستوره” الذي يحلم به منذ أن جاء إلى الحكم العام 1999، أن الصيغة التي يريدها له (إن وجدت) يتحاشى عرضها على الاستفتاء الشعبي. فهل يخشى بوتفليقة وهو مقبل على التعديل الدستوري الثالث، بعد 2002 و2008، عزوفا شعبيا بسبب البرودة التي ميَّزت تعامل الناخبين مع الاستحقاقات الماضية، فيحرم من ”المصداقية” التي يريدها لمسعاه؟ ما الذي يمنع الرئيس من استفتاء المواطنين في تغيير مرجعية القوانين، بينما أخذ برأيهم في مشروعين أقل أهمية هما الوئام المدني في 1999 والمصالحة الوطنية في 2005؟ إذا كان مبرر التوجه إلى البرلمان، هذه المرَّة، عدم مساس التعديلات التي كشف عنها في ماي من العام الماضي، بتوازن السلطات، فالرئيس أحدث تغييرا عميقا في قلب السلطة التنفيذية في 2008، ومع ذلك لم يستشر الشعب. إذ جرَّد رئيس الحكومة وهو الرجل الثاني في السلطة، من كل الصلاحيات تقريبا وغيَّر تسميته إلى وزير أول ونزل به إلى مرتبة ”ساعي بريد” ينقل التعليمات إلى الوزراء، وأزال مجالس الحكومة. تلك التغييرات التي كان مبررها الحقيقي تمديد الحكم إلى مدى الحياة، استدعت، حسب مختصين في القانون الدستوري، التوجه إلى الاستفتاء، لذلك كان ذلك التعديل مخالفا للدستور. بوتفليقة يعي جيدا أن الانتخابات التي أفرزت برلمان 2012 مطعون في مصداقيتها وبالتالي فتركيبة الغرفة الأولى ناقصة شرعيا، ولو كان حريصا على أن يمنح القوة لوثيقته لعرضها على الاستفتاء. الطرح نفسه تم تداوله في 2008، حينما شكك قطاع من الطبقة السياسية في شرعية البرلمان. حينها شرح بوتفليقة أسباب العزوف عن الاستفتاء قائلا: ”عندما أعلنت عن رغبتي في تعديل الدستور في 1999 و2004، كنت أوضحت حينها الدواعي التي تفرض ضرورة التكيف مع المرحلة القادمة (..)، إلا أن ثقل الالتزامات وتراكم الأولويات وتعدد الاستحقاقات، حال دون تجسيد هذا الهدف. كلام بوتفليقة هذا كذّبته الأيام، بدليل أن عزوفه عن الاستفتاء لم يكن ذا أثر إيجابي على معيشة المواطنين ولم تحلَّ مشاكلهم كما ادعى، بل إن أكبر امتحان يطرح عليه اليوم، وهو أزمة أسعار النفط، لا يقوى بدنيا على مواجهته. أما الحقيقة التي لا يمكن أن يخفيها الرئيس، أنه جعل من كرسي الحكم طوال 16 سنة من ممارسة السلطة، غاية في حد ذاته فسخَّر كل إمكانات الدولة ماليا وأمنيا وإعلاميا ودينيا لترسيخ بقائه في الحكم. وفي ظل منطق اختزال الدولة في شخصه، همَّش بوتفليقة الطاقات وعطَّل انطلاق البلاد نحو التقدم والرقيّ. تساؤلات حول هامش الانفتاح والحريات الذي يكفله أفريل.. شهر الشك حيال مشروع دستور بلا رائحة ترى المعارضة أن الدستور لم يعد أولوية بالنسبة لها، لذلك لم تلب دعوة الرئيس بوتفليقة لإثراء مسودة الدستور بعد أن قاطعت مشاورات مدير ديوانه أحمد أويحي. وبدلا من مسايرتها المراجعة الدستورية، أظهرت في الآونة الأخيرة نزعة تفيد بأنه يكفي أن توفر السلطة هوامش تحرك باسم حرية التعبير والحق في التظاهر كحقين تراهما مغيبين، ومع تغييبهما، في نظرها، تتساءل كيف نطالب بتزكية الدستور بينما فصل منه، محل إقرار منذ عقدين (دستور 96)، غير محترم في هذا الوقت بالذات؟ المبدأ في الدساتير الحديثة محل المراجعة يرتكز على إيجاد نقاط توافق بين السلطة والمعارضة، تضيق بمقتضاها مساحات التباعد بشأن القضايا الجوهرية، وصولا إلى توافق لا يكون على حساب الشعب، من خلال توسيع هوامش الحريات بما فيها حرية التعبير وحق التظاهر والتجمع، في مقابل تقليص نفوذ السلطة التنفيذية، فهل سيستجيب التعديل الدستوري المرتقب لهذا المبدأ؟ خارج خلو وثيقة المراجعة الدستورية من ظل المعارضة الذي صار مؤكدا، يطرح التساؤل بشأن وصف الدستور المقبل، هل هو دستور توافقي أم دستور سلطة أم دستور مرحلة؟ ولحد الآن، لا أحد من الطبقة السياسية كانت له القدرة على اشتمام رائحة هذا الدستور. لكن فيما يتعلق بالحريات والحق في العمل السياسي وتحرير العمل الجمعوي، تبقى هذه المسائل طي الغموض، في انتظار بزوغ هلال الدستور الجديد، بعد ”توالي” ليالي الشك، هذا الشهر(أفريل) . وتطرح تساؤلات أيضا حول مدى تغلغل خارطة طريق الرئيس بوتفليقة التي كشف عنها في رسالة عيد النصر يوم 19 مارس المنقضي، في فصول الدستور الجديد، بما حمله بطنها من موقف متشدد جدا من معارضة يتهمها الرئيس بالسعي إلى الوصول للحكم ولو على أشلاء الجزائريين. ويشكّل الدستور ”كاشف” العلاقة المستقبلية ”المرسمة” بين السلطة والمعارضة وكذلك الصحافة وكل من له صلة بالنشاط السياسي والجمعوي، حتى وإن كان، لحد الآن، لم تجد الطبقة السياسية ضالتها ضمن منظومة حكم لا تبتغي ما تراه خروجا عن النص، حتى وإن كانت المنظمات والتقارير الدولية تدين السلطة على خلفية التضييق على عمل النشطاء وكبح حرية التعبير والحق في التجمع والتظاهر السلمي. هناك مخاوف من ترسيخ العقيدة الأمنية في الدستور الجديد، بعد أن ترسخت في السياسة الخارجية، الأعوام الأخيرة. وتتجلى صفة ”المرحلة” في أعماق الدستور من حيث ظلال الفوضى الخارجية ورهانات التحكم بالداخل تخيم على عقلية من بيده زمام الأمور، خارج من يعتقد أن التأخير في الإفراج عن الدستور الجديد مرده الارتباك في التعامل مع المعارضة وعدم الاستقرار على موقف بخصوص مساحة الحرية الممكن أن تمنح لها، لذلك لا يصطبغ الدستور الجديد بصفة ”التوافق” أمام عقيدتين، واحدة مبنية على الانفتاح الحقيقي باسم الديمقراطية، وأخرى مرتكزة على التشديد باسم تجنيب البلاد، الفوضى، وظهر اختلاف العقيدتين مع رسالة الرئيس بمناسبة عيد النصر والردود التي تواترت عنها. الجزائر: محمد شراق حوار رئيس اللجنة القانونية للمجلس الشعبي الوطني سابقا، مسعود شيهوب، ل”الخبر” ”تمرير الدستور على البرلمان يعني تأجيل الرئيس التعديل المعمق” لماذا اختير لتعديل الدستور هذا التوقيت باعتقادك إن صحت الأخبار التي تتحدث عن ذلك؟ الأمر لا يتعلق باختيار توقيت محدد، فعملية تعديل الدستور تطلبت إجراء مشاورات مع الأحزاب ومكونات المجتمع المدني، وبعد إنهائها كان لابد من حوصلة المقترحات وتسليمها للرئيس باعتباره صاحب المبادرة. علاوة على ذلك، لا ينبغي إغفال أن برمجة تعديل الدستور تخضع لاعتبارات سياسية، لأن هذه العملية تترتب عليها نتائج ينبغي أن تكون البلاد مهيأة لها، خاصة أن تعديل الدستور يعتبر تتويجا لمسار الإصلاحات السياسية التي أعلن عنها رئيس الجمهورية. ماذا يعني تمرير الدستور على البرلمان بدل الاستفتاء الشعبي؟ لدي رأي في الموضوع طرحته خلال مرحلة المشاورات، يعتبر أن التعديل الدستوري ينبغي أن يكون عميقا وشاملا للوفاء بتعهدات الرئيس الذي أعلن في 2011 عن تعديل معمق من جهة، ولفك التناقضات الموجودة في الدستور الحالي والدفع بالإصلاحات قدما للأمام من جهة أخرى. وعندما يكون التعديل معمقا وواسعا، فلابد أن يمر عبر الاستفتاء الشعبي من الناحية القانونية، ويكتسب صفة الدستور التوافقي من الناحية السياسية. البعض قال إن البرلمان الحالي لا يكتسب المشروعية للتعديل؟ أنا لست مع الرأي الذي يشكك في مصداقية البرلمان، فهو مؤسسة شرعية بقوة القانون إلى أن يثبت العكس. أما من الناحية الفعلية، فلا تتطلب المصادقة على الدستور نوابغ، لأنه يمر دون مناقشة. الأهم في الأمر أن تمرير الدستور على البرلمان يعني أن الرئيس يكون قد أجّل التعديل المعمق إلى وقت لاحق واكتفى بتعديل ظرفي حاليا وفق رؤيته لمقتضيات المرحلة. أتكلم هنا بناء على تحليل احتمالات وفرضيات طبعا وليس معلومات. هل يمس اختيار رئيس الحكومة من الأغلبية البرلمانية وتوسيع هامش الحريات بتوازن السلطات؟ النص على اختيار الوزير الأول من الأغلبية البرلمانية تحصيل حاصل وتأكيد لمبدأ عام غير مكتوب. صحيح أن الدستور الحالي لا ينص على ذلك ولكن لا يمنع الرئيس من اختيار الوزير الأول من الأغلبية. لذلك، لا يمس ذلك في اعتقادي بتوازن السلطات الذي إن حدث فيكون في الغالب تغييرا في طبيعة النظام، أي الانتقال من نظام شبه رئاسي إلى برلماني أو إلى رئاسي مطلق وهكذا. على العموم، هناك رأيان. الأول يقول إنه عندما يتعلق الأمر بتوزيع الصلاحيات داخل سلطة واحدة، ولتكن السلطة التنفيذية مثلا ممثلة في الرئيس والحكومة، فذلك لا يعني مساسا بتوازن السلطات، لأن الدستور يتحدث عن التوازن بين السلطات وليس داخل السلطات. أما الرأي الثاني، فيعتبر إعادة توزيع السلطات حتى داخل السلطة الواحدة مساسا بالتوازن. أما توسيع هامش الحريات وإعطاء مكان للمعارضة، فلا يدخل في باب التوازن بين السلطات ولكنه يهدف إلى تعزيز النظام الديمقراطي الذي يعتمد على حزب أو أحزاب في الحكم تقابلها أحزاب في المعارضة. المختصة في القانون الدستوري، فتيحة بن عبو، ل”الخبر” ”تمرير الدستور قريبا صعب من الناحية القانونية” هل رئيس الجمهورية هو صاحب القرار في تمرير الدستور على البرلمان أو على الاستفتاء؟ رئيس الجمهورية لديه حق المبادرة بتعديل الدستور، ولكنه مقيد بالقوانين ولا يستطيع الاختيار، على اعتبار أن الشعب هو صاحب الدستور. هناك شرط شكلي يتعلق بطلب الرأي المعلل للمجلس الدستوري الذي يعطي دلالة قانونية حول محتوى الدستور الجديد، ثم هناك شرط مادي يتمثل في المواد التي لا يستطيع التعديل المساس بها والتي تحوي كافة المبادئ العامة للمجتمع الجزائري، وفي حال كان التعديل يمس بالتوازن في السلطات، فإن الرئيس مجبر بنص المادة 176 من الدستور الحالي على أن يمرر التعديل على الاستفتاء الشعبي وليس البرلمان مجتمعا بغرفتيه. لماذا اختيار هذا التوقيت للتعديل؟ لا أدري إن كان ما يثار في الإعلام حول قرب التصويت على مشروع التعديل الدستوري صحيحا، لكن هناك من الناحية القانونية ما يجعل ذلك صعب التحقيق نوعا ما. فالرئيس لا بد عليه أن ينتظر رأي المجلس الدستوري، ثم في حال تقرر تمرير المشروع على البرلمان، فإن ذلك يتطلب ترتيبات اجتماع البرلمان بغرفتيه وفقا للقانون الداخلي الخاص بكل غرفة. من جانب آخر، لا يوجد من الناحية القانونية ما يمنع مناقشة وثيقة الدستور في البرلمان، وما يقال حاليا بأن البرلمان يقوم فقط بالتصويت على الوثيقة غير صحيح، فالأمر غير محسوم في اعتقادي. كيف يكون المساس بالتوازن بين السلطات في الدستور؟ تتحدث المادة 176 عن المساس بالسلطات بأي كيفية، وهذا يعني أنه في حال حدث أي تعديل سواء بالزيادة أو الإنقاص من صلاحيات إحدى السلطات الثلاثة التنفيذية التشريعية والقضائية، فإن التعديل ينبغي أن يمر عبر الاستفتاء الشعبي. وفي حال كانت التعديلات بسيطة فإن تمريرها يمكن أن يمر عبر البرلمان مجتمعا بغرفتيه فقط. هل يمكن أن يمر الدستور على البرلمان والاستفتاء معا؟ نعم، هناك إمكانية لذلك، وهذا خاضع للسلطة التقديرية لرئيس الجمهورية. والتعديل في كل حال بتمريره على الاستفتاء الشعبي، ستكون له مصداقية ومشروعية أكبر، خاصة أن البرلمان الحالي تميز انتخابه بضعف المشاركة الشعبية، إضافة إلى شبهات المال الفاسد وشراء القوائم التي شابت التشريعيات. هل يعتبر اختيار رئيس الحكومة من الأغلبية النيابية مساسا بتوازن السلطات؟ لا أعتقد ذلك، لأن الوزير الأول ليس سلطة وهو ليس رأس الجهاز التنفيذي. ما رأيك في بعض التعديلات التي جاءت في تسريبات إعلامية؟ من الإيجابي أن نعود إلى نظام العهدتين وأن يختار رئيس الحكومة أو الوزير الأول من الأغلبية البرلمانية، لكني أشدد على ضرورة أن يمر الدستور على الاستفتاء الشعبي حتى يكتسب المشروعية.