لا يستبعد الدكتور محمد فادن لجوء رئيس الجمهورية إلى تمرير التعديل الدستوري القادم وفق أمرية رئاسية، ويعتقد الخبير في القانون الدستوري وعضو المجلس الدستوري سابقا في حوار مطول خص به ''صوت الأحرار'' أن الانتهاء من إقرار الدستور الجديد سيتم قبل بداية السنة المقبلة، وذلك لاعتبارات سياسية وإجرائية مرتبطة برئاسيات 2014 ، في المقابل دعا أحزاب المعارضة إلى ضرورة التخلص من منطق ''الهواة'' في التعامل مع القضايا السياسية الهامة، كما أنه أبدى تفاؤلا كبيرا في خروج الجزائر آمنة مستقرة بعد الإنتهاء من مشروع الإصلاحات السياسية، مستبعدا تماما إمكانية تكرار التجربة المصرية في مجال التعديلات الدستورية في الجزائر. ● انتقدت بعض الدوائر السياسية والإعلامية الطريقة التي تعاطى بها بعض المسؤولين فيما يخص التعديلات الدستورية.. في إعتقادكم لماذا السلطة حذرة جدا حين يتعلق الأمر بملف تعديل الدستور..؟ ■ بالفعل هناك حذر، وبالعكس الحذر مطلوب لأن الأمر يتعلق بموضوع ليس بالهين، بل بموضوع هام وحساس جدا لأنه يتعلق بمصير أمة ويجب أن تحضّر له كل وسائل النجاح؛ تصريحات الوزير الأول عبد المالك سلال وقبلها تصريحات وزير الداخلية ولد قابلية، وقبلهما خطاب رئيس الجمهورية كلها تتسم بالحذر، فخطابه عشية يوم العلم سنة 2011 الذي أعلن فيه عن جملة من الاصلاحات قال إنها ستتوج بتعديل الدستور دون أن يحدد تاريخا قارا لهذا الموعد، القوانين المتعلقة بالاصلاحات استكملت ودخلت حيز التطبيق ولم يتبق إلا تعديل الدستور. بعد ذلك جاء ولد قابلية نهاية السنة الفارطة وتحدث عن لجنة لتعديل الدستور تنصب في الثلاثي الأول من السنة الجارية، نحن على وشك نهاية الثلاثي الأول؛ أي بعد أيام قليلة، وجاء أخيرا تصريح سلال الأخير.. ربما في الأيام القادمة يٌعلن عن مزيد من التفاصيل، وفي كل الأحوال لا أرى تناقضا بين تصريحات الوزيرين، علما أن هناك آجالا ربما تفرض على السلطات العمومية أن تبادر أو تعلن عن اجراءات تعديل قبل الصائفة المقبلة. ● لماذا قبل الصائفة تحديدا؟ ■ لأن تعديل الدستور يجب أن يتم قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، فهو مرتبط بشكل عميق برئاسيات ,2014 والرئاسيات كما هي الأجندة الثابتة ستكون في أفريل 2014 فهي تجرى في موعدها القانوني منذ ..1999هذا القول يدفعنا إلى احترام القانون في هذا المجال، مما يعني أن الهيئة الناخبة يجب أن تستدعى ثلاثة أشهر قبل موعد الانتخابات، أي حسابيا الموعد سيكون في بداية جانفي 2014 ووثيقة الدستور لكي يعمل بها يجب أن تكون جاهزة في نهاية السنة الجارية، وهذه قراءة منطقية تحليلية للأجندة المتعلقة بتعديل الدستور. ● كيف تنظرون دكتور فادن إلى مثل هذه المطالب..؟ ■ هناك عدة أفكار مطروحة حاليا على الساحة السياسية، ومن بينها من يدعو إلى إعادة النظر في مكونات السلطة التنفيذية، و هناك من يطالب باستحداث منصب نائب رئيس الجمهورية، والبعض يرى بضرورة العودة إلى منصب رئيس الحكومة بدلا من الوزير الأول، إضافة إلى موضوع الصلاحيات وإعادة توزيعها بين رئيس الجمهورية والوزير الأول وغيرها. في الحالة التي نحن بصدد مناقشتها الآن إذا ماتم إعداد الوثيقة الدستورية الجديدة، وتم إقرارها؛ أي أننا أصبحنا نتحدث عن دستور جديد للبلاد ، وفي حال انتخب الرئيس في ظل هذا الدستور الجديد ، فقطعا سيستفيد ويمارس سلطاته وفق التشريع الجديد، بما فيه من صلاحيات وإمتيازات وحيثيات متعلقة بمنصب رئيس الجمهورية، طبعا من بينها مايتعلق بمدة العهدة الإنتخابية لرئيس الجمهورية هل تكون 5 أو 7 سنوات، بينما إذا انتخب الرئيس المقبل في ظل الدستور الحالي وتأتي مراجعة الدستور لاحقا فهذا سيطرح تساؤلات حول ما ذكرناه سابقا بخصوص الصلاحيات ومدة العهدة الانتخابية. ● دائما وبالعودة إلى تصريحات سلال الأخيرة والتي يبدو من كلامه أن السلطة تتجه إلى خيار تعديل الدستور عن طريق الإستفتاء الشعبي، مما يعزز الإنطباع أن هذه التعديلات على الأغلب ستكون عميقة وجوهرية ؛ في إعتقادكم إلى أي مدى يمكن أن تصل هذه التعديلات..؟ ■ احتمال لجوء السلطة إلى خيار الاستفتاء وارد جدا، بل أعتقد أنه لابد منه وحتى الفقهاء في القانون الدستوري يلحون على ضرورة تمرير الوثيقة الدستورية على الاستفتاء الشعبي. وطبقا للباب الرابع من الدستور والمتعلق بتعديل الدستور فإننا يمكن أن نحصي 3 حالات يمكن أن يتم بها التعديل الدستوري؛ الحالة الأولى - وأعتقد أنها مستبعدة -، وتقضي هذه الحالة بمبادرة 3 أرباع نواب البرلمان بغرفتيه بتقديم وثيقة دستورية لرئيس الجمهورية، أما الحالة الثانية والتي مارسناها مرتين سابقا وهي تتم عن طريق طرح التعديلات للمناقشة والمصادقة أمام البرلمان بغرفتيه وطلب رأي المجلس الدستوري، وقمنا بهذه التجربة أولا عند ترسيم الأمازيغية وأيضا عندما قمنا بالتعديل الأخير سنة 2008 الذي تناول ترقية المشاركة السياسية للمرأة وأيضا فتح العهدة الرئاسية، وهنا دعيني أوضح أن هاته الصيغة يتم إعتمادها في حال كانت التعديلات المطروحة لا تمس بالتوازنات الكبرى بين السلطات الثلاث أو بالحريات الفردية والعامة. هذه المرة يبدو أن هناك إرادة سياسية للذهاب إلى تعديلات تأتي بحقوق جديدة، تعديلات تعيد النظر في بعض الصلاحيات وكلها تعديلات جوهرية، وفي هذه الحالة سيتم اللجوء إلى التعديل وفق المادة 174 من الدستور ، حيث يعرض المبادر بالتعديلات الدستورية إلى عرض مشروعه على البرلمان بغرفتيه للمناقشة والمصادقة وبعد ذلك يتم طرح هذه الوثيقة على الإستفتاء الشعبي. لكن من وجهة نظري هناك إشكال سياسي وقانوني يجب التنبه له وهو أن المبادر بالوثيقة الدستورية؛ أي السلطة في هذه الحالة ممثلة في رئيس الجمهورية لديه نظرة متكاملة للدستور الذي يعتقد أنه الأنسب والأصلح للبلاد، وبالتالي لحظة طرح هذه الوثيقة أمام البرلمان لمناقشتها وتعديلها فإن إحتمال تعرض الوثيقة الدستورية بصيغتها التي طرحها المبادر إلى التغيير العميق من قبل البرلمانيين وارد جدا وبالتالي قد نكون بصدد خلق مأزق سياسي من حيث لا نقصد ، وحتى أمام هذه الحالة التي تبدو مستعصية هناك مخرج يمكن أن يلجأ إليه رئيس الجمهورية وهو تمرير التعديلات الدستورية عن طريق أمرية رئاسية أثناء عطلة البرلمان وأنا شخصيا لا أستبعد هذا الخيار. هناك طريقة أخرى سبق وعملنا بها في مجال التعديلات وهي صيغة تقع خارج الباب الرابع من الدستور وهي المادة 77 -10 والتي تنص على أنه لرئيس الجمهورية الحق أن يستشير الشعب في أي قضية يراها مهمة. ● بمعنى أن رئيس الجمهورية يستطيع الذهاب مباشرة إلى الإستفتاء الشعبي..؟ ■ بالطبع يستطيع، أهم المبادئ الدستورية والتي على أساسها يتشكل العقد الإجتماعي بين السلطة والشعب تؤكد على أن الشعب هو مصدر كل السلطات، أي أن صوت الشعب فوق الجميع ويلزم الجميع، وعندما يستفتى ويوافق لاحديث عندها عن الاجراءات والشكليات وفي هذه الحالة يمكن أن يعود رئيس الجمهورية إلى المادة 77-,10 لكن ومن وجهة نظري الشخصية الطريقة الأسلم في قضية تعديل الدستور هو أن يتم تمرير المشروع عن طريق البرلمان ثم الذهاب إلى الاستفتاء الشعبي. ● يبدو أن النقاش والمشاورات حول تعديلات يفترض أن تكون عميقة وجوهرية هو لحد الآن بعيد إلى حد كبير عن المجتمع المدني والرأي العام.هل يمكن أن نطلب استفتاء الشعب في قضية مهمة من قبيل التعديلات الدستورية في حين أنه لم يطلع بشكل كاف عن فحوى هذه التعديلات..؟ ■ دعونا نقول في البداية أن من سبل نجاح الدستور هو المشاورات والنقاشات الواسعة التي تسبقه، دستور الولاياتالمتحدة على سبيل المثال ظل ثابتا ولا يتعرض إلى تغيرات كثيرة لأن المشاورات بشأنه استغرقت سنتين على مستوى القواعد. بالنسبة لنا أتصور أن مدة ثلاثة أو أربعة أشهر كافية للمشاورات خاصة وأنه سبقت إستشارة الطبقة السياسية من قبل اللجنة التي ترأسها عبد القادر بن صالح ثم لقاءات سلال مع ممثلي الأحزاب السياسية، يضاف إلى ذلك أن رئيس الجمهورية في خطابه 15 أفريل 2011 قال إن لجنة مراجعة الدستور ستتكون من فقهاء وخبراء القانون الدستوري إلى جانب ممثلي الأحزاب السياسية وهذا يعني اشراكهم ومشاورتهم خلال مرحلة إعداد الوثيقة. ● يطرح بعض المتابعين والمهتمين بالشأن السياسي والإجتماعي بعض المخاوف من إحتمال لجوء بعض الأحزاب و التيارات السياسية إلى طرح تعديلات ونقاشات حول الأسس والمبادئ الدستورية ، أي جعل العناصر المكونة للأمة والجمهورية الجزائرية مادة خصبة للنقاش وربما التجاذبات..كيف تنظرون إلى هذه المخاوف..؟ فيما يتعلق بالمبادئ العامة للمجتمع الجزائري العديد منها لا يقبل المساس بأي شكل من الأشكال وذلك بحكم المادة 178 من الدستور التي تمنع المساس بالطابع الجمهوري للدولة والنظام الديمقراطي التعددي، الاسلام واللغة العربية، العلم الوطني، وأيضا منظومة الحريات.في لغة الفقهاء الدستوريين هذه الثوابت تسمى المبادئ ما فوق الدستورية، وهي محصنة قانونا ولا تمسّ عند طرح أي تعديلات دستورية، بل ما عدا عندما نكون بصدد وضع دستور جديد، عندما نقرأ هذه المبادئ وعلى سبيل المثال المادة الأولى تنص على أن الجزائر جمهورية ديمقراطية شعبية، جمهورية مفهومة، لكن الديمقراطية لها عدة تعريفات؛ هناك ديمقراطية مباشرة، وهناك ديمقراطية تشاركية،وهناك أيضا ما يمسى الديمقراطية الشعبية، وللتوضيح فإن الديمقراطية الشعبية هي طريقة سادت في أوروبا الشرقية في الفترة ما بين الخمسينات والسبعنيات، ونحن في الجزائر وضعنا دستورنا الأول في تلك الفترة. هذا النوع أي الديمقراطية الشعبية أفل ولم يعد له وجود الآن، بمعنى أنه من الممكن تغيير أو حذف جملة الديمقراطية الشعبية و نكتفي بالجمهورية الجزائرية الديمقراطية على غرار الجمهورية التونسية، الجمهورية الفرنسية لأنه وبحكم الواقع لم يعد هناك شيء اسمه الديمقراطية الشعبية وذلك لن يضر الدستور في شيء لأن الطابع الديمقراطي والجمهوري للدولة الجزائرية محفوظ ومكفول في عدة مواقع من الدستور ولاخوف على مبدأ جمهورية وديمقراطية الدولة . نقطة أخرى أود الإشارة إليها وهي منظومة الحقوق والحريات الموجودة أيضا في الباب الأول من الدستور أو ما يسمى المبادئ فوق الدستورية هذه الأخيرة مرشحة لأن تعدّل بالنظر لوجود حقوق جديدة، فالحقوق والحريات تنضج وتتطور ومثلما نتحدث عن تطور في أجيال السيارات هناك أيضا أجيال في الحقوق والحريات، ونحن حاليا نتحدث عن الجيل الثالث للحقوق، من بينها على سبيل المثال لا الحصر حق الإنسان في بيئة نظيفة وخالية من الإشعاعات النووية، وبالتالي يصبح المشرع ملزما على سنّ قوانين ونصوص تضمن للمواطن هذا الحق، أيضا هناك حق المواطن في التنمية وهو من الحقوق الجديدة التي من المنتظر إدخالها في التعديل الدستوري المرتقب. وأعتقد أن المجتمع الجزائري قد عرف عدة تحولات في العقدين الأخيرين وبالتالي لا يمكن حصر كل النقاط والقضايا التي يجب أن يأخذها المشرع بعين الإعتبار من قبيل قضية التعليم المجاني، الآن توجد مدارس خاصة توفر خدمة التعليم المدفوع وبالتالي يصبح لزاما التوضيح والتأكيد على أن التعليم مكفول مجانا في مدارس القطاع العمومي. هناك في قطاع العدالة قضية قرينة البراءة ، فالقول إن كل شخص بريء حتى تثبت إدانته صياغة خاطئة يجب التوضيح أن كل متهم بريء حتى تثبت إدانته والفرق شاسع بين الصياغتين. ● بالنظر إلى ما تفضلت به دكتور فادن نستشعر من كلامك أن هناك عملا كثيرا ينتظر المشرع في الدستور الجديد، أي أن الدستور القديم كان يعاني من وجود خلل في بعض بنوده ومواده..؟ ■ لا نستطيع القول أن هناك خللا في الدستور الحالي، لأن كل دستور يأتي في وقته وظرفه ويحمل نظرة واضعه؛ أي رئيس الجمهورية ، لأن في نظامنا الدستوري واضع الدستور أو المبادر بتعديله هو رئيس الجمهورية، وتوجيه عمل مؤسسات الدولة نحو توجه معين مرتبط بإرادة رئيس الجمهورية، واذا كان الرؤساء السابقين رأوا تسيير الدولة بطريقة ما لا تعني بالضرورة أنها خاطئة أو أن بها خلل، لكننا يمكن القول أن نظرة رئيس معين تختلف عن نظرة سابقه، وكل رئيس يريد أحكاما وإجراءات تسهل له تسيير الدولة. فيما يتعلق بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة معروف أن نظرته هي تقوية المؤسسات والتأكيد على فصل السلطات وتعزيز دور السلطة القضائية ودولة القانون، بهذا المعنى أعتقد أننا سنذهب إلى تعزيز وترقية هذه المؤسسات لأن التعديل في الأساس هو التحسين والتطوير وليس التقهقر إلى الوراء. وفي هذا السياق وبالحديث عن تعزيز مؤسسات الدولة أتصور بعض الأمور سيتم تعديلها بحكم الواقع وحيثيات الميدان ، ومن بين هذه القضايا هناك تفصيل الرقابة الدستورية، فالمجلس الدستوري نعلم أنه يخطر من ثلاث جهات؛ رئيس الجمهورية، رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة وحتى اخطار الأخيرين نادر جدا، فإخطار رئيس مجلس الأمة جرى مرة واحدة في عهد ''بشير بومعزة'' فلا يمكن تصور مثلا أن غرفتي البرلمان تعد قانونا ثم تخطر المجلس الدستوري لمراقبة دستوريته فهي إحالة نادرة جدا، بينما إحالات رئيس الجمهورية هي بقوة الدستور مثل القوانين العضوية يفرض عليه خضوعها للمراقبة، رئيس الجمهورية ليس ساعي بريد ليفرض عليه الدستور أن يأخذ هذه القوانين للمجلس الدستوري، فالدستور ينص على أن القوانين العضوية إذا لم يأخذها رئيس الجمهورية إلى المجلس الدستوري فإن الإخطار غير مقبول شكلا بينما يفترض أن لرئيس الجمهورية مهام أخرى وتترك هذه المهمة لأشخاص آخرين للأمين العام للحكومة مثلا..هذه نقطة أولى. ثانيا: في البرلمانات ما يعرف بالأقلية البرلمانية قد يحدث أن يمرر قانون ربما فيه خطأ، أعتقد أنه سيكون مفيدا لو يترك لهذه الأقلية البرلمانية والتي تتشكل من ثلاثين أو أربعين عضوا الحق في إخطار المجلس الدستوري بهذا الخطأ، يضاف إلى ذلك أن المجلس الدستوري هو الهيئة الوحيدة التي ليس لها قانون تحكم باحكام موجودة في الدستور وما يسمى قواعد العمل باقي الهيئات مثل مجلس الدولة له قانون عضوي، المحكمة العليا لها قانون عضوي والمجلس الأعلى للدولة له قانون عضوي، وبالعودة إلى تاريخ التشريع ندرك أن المجلس الدستوري وجد لكبح المجلس الشعبي الوطني والسلطة التشريعية عموما، من هذا المنطلق حددت بعض الأحكام مثل مدة العضوية حالات الاستخلاف في الدستور وترك البقية لقواعد العمل، أعتقد أنه حان الوقت لوضع قانون عضوي خاص بالمجلس الدستوري ويجب وضع هذه النقطة ضمن التعديلات الدستورية تحت باب تعزيز مؤسسات الدولة. ● دائما وفيما يتعلق بالمجلس الدستوري هناك بعض القضاة وحتى السياسيين يطالبون بتعويض المجلس الدستوري بمحكمة دستورية..هل أنتم مع هذا المطلب..؟ ■ مشروع المحكمة الدستورية هو أحد مطالبي الأساسية في التعديل الدستوري القادم، إلا أن المثل يقول ''إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع''، أنا من مؤيدي مطلب المحكمة الدستورية، التي تتيح ليس للأقلية البرلمانية فقط، بل حتى للمواطن حق الإخطار واللجوء للمحكمة للمطالبة بإعادة النظر في قانون ما الذي يرى أنه غير دستوري، لهذا نحن نطالب على الأقل بفتح حق الإخطار لجهات أخرى مثل الأقلية البرلمانية أو القضاء، فإذا رأى القاضي أن قانونا ما فيه خلل يراسل رئيس المحكمة العليا، هذا الأخير يخطر رئيس المجلس الدستوري هذه طريقة أخرى تتيح تعزيز المراقبة الدستورية. ونحن عندما ندعو وندافع عن مشروع المحكمة الدستورية لأن الاحصائيات تشير إلى أن نسبة عالية جدا من بلدان العالم تعتمد أسلوب المحاكم الدستورية، بينما الأقلية هي التي ما تزال تعتمد على المجالس الدستورية لأنها مجالس سياسية، على إعتبار أن أحد أسس حماية منظومة الحريات وحقوق المواطن هو حقه وقدرته على الذهاب مباشرة إلى المحكمة الدستورية. نقطة أخرى تتعلق بتعزيز مؤسسات الدولة يمكن إدراجها في التعديلات الدستورية المنتظرة وهي دور ومهام مجلس الدولة، فنحن نعلم أن هذا المجلس يقود بدورين : قضائي واستشاري، إلا أن ما أود الإشارة إليه هنا أن الرأي الإستشاري لمجلس الدولة غير معلن للعامة، وبالتالي أقترح إقرار تعديل يسمح بنشر رأي مجلس الدولة للعامة حتى يمكن معرفة إن كان أخذ برأيه أم لا وبالتالي نعطي لهذه المؤسسة القضائية والإستشارية المكانة والقيمة التي تستحق. أيضا بالنسبة للسلطة التشريعية هناك حديث عن دور مجلس الأمة، هل نلغيه أم نبقي عليه، هذا الأخير جاء في ظرف كانت فيه الدولة مهددة بالانهيار، حيث استحدث مجلس الأمة كهيئة تعطيل لأي مشروع أو قانون يحاول فصيل سياسي حاز على الأغلبية البرلمانية ويحاول فرض لونه ورؤيته السياسية على كامل مفاصل الدولة، إلا أن الوضع تغير حاليا وزالت تلك التهديدات، وبالتالي عاد النقاش عن دور وصلاحيات مجلس الامة، شخصيا أعتقد أنه يمكن الإبقاء عليه لكن ليس بنفس الصلاحيات، يجب أن تمنح له صلاحيات أخرى في التعديلات الدستورية، الثنائية البرلمانية موجودة تقريبا في أغلب دول العالم لكن بصلاحيات أخرى بما أن اعضاء ه من المنتخبين المحليين يتولى مهمة قوانين الجماعات المحلية: قانون البلدية والولاية مثلا تودعهما الحكومة أولا في مجلس الأمة لمناقشته وتعديله ليحال بعهدها إلى المجلس الشعبي هذه حالة من الحالات، وبالتالي نلاحظ أن كل هذه الأفكار والتعديلات تمس بجوهر الدستور، لهذا نرجع لما قلته سابقا أننا لا محالة نذهب إلى الاستفتاء. ● وما دام بات في الحكم المؤكد أننا سنذهب إلى تعديلات جوهرية هل المشاورات السياسية حول هذه التعديلات تسير بالشكل الكاف واللازم؟ ■ مثلما أكدت عليه في بداية حديثي لنجاح الدستور لابدّ من المشاورات في الفترة الحالية وما سبقها كانت الوثيقة الدستورية غير جاهزة ولا لحد الآن نعلم محتواها، لكن بعد الإعلان عنها تصبح الأحزاب السياسية والحكومة وأساتذة القانون ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام مطالبة بالترويج لها والتعريف بمحتواها على مستوى القواعد . ● لكن تعتقد بوجود خطوات فعلية في إتجاه إعداد الوثيقة الدستورية التي ستطرح للإستفتاء..؟ ■ كل المؤشرات تؤكد أن هناك عمل قد تم في هذا الإتجاه، والإعلان عن التنصيب الرسمي لهذه اللجنة سيكون قريبا وبدء الحديث عن موعد التعديلات الدستورية يشير إلى أن هناك عملا على مستوى الخبراء والتقنيين قد تم إنجازه، لكن أعود وأقول أن العبرة هي بالوثيقة التي ستعرض على البرلمان، طبعا إن كان هذا هو المسار الذي ستتخذه هذه التعديلات. لكن المهم وسط كل هذا هو ضرورة التأكيد على أهمية النقاش لأن المواطن لن يصوت على الدستور مادة، بل بنعم أو لا وخلافا لكل الاستحقاقات السابقة محلية أو تشريعية أو رئاسية الذي يشارك في الحملة الانتخابية هو المعني، بينما في الإستفتاء المعني والمضاد أي المعارض له الحق في التجمعات والمهرجانات وحق التدخل في وسائل الاعلام للتعبير عن مواقفهم، والاستفتاء هو الإستحقاق الوحيد الذي يسمح فيه للمعارضة بخوض حملة انتخابية مضادة من أجل الدفاع عن لا مقابل نعم. ● تنظر العديد من أحزاب المعارضة بعين الريبة والتشاؤم لموضوع التعديلات الدستورية على إعتبار أن الجزائر لا تعاني مشكل قوانين وإنما مشكلة إرادة سياسية من قبل النظام في المضي قدما بالإصلاحات، وبالتالي لا مجال للحديث عن حركية سياسية مرتقبة على حد قول المعارضة..؟ ■ اذا كان التعديل الدستوري لا يبعث حركية سياسية فأي أمر آخر يمكن أن يبعث حركية، الدستور هو الوثيقة الأساسية للمجتمع تهم الجميع ، أنا أتساءل بالله عليكم إذا كان تعديل الدستور بشكل جوهري لا يبعث الحركية فما الذي يمكن أن يبعث الحركية.. المشكلة في إعتقادي ليست في القوانين لكن في الأشخاص ، بمعنى كيف سيتم تطبيق هذه القوانين، لكن يجب التوضيح أن الدستور في حد ذاته لايبعث حركية سياسية ، لأن الوثيقة الدستورية تضع تصورا لمنظومة الحكم وعمل مؤسسات الدولة ، أي أنها تضع الإطار للعمل السياسي وبالتالي كيفية تطبيق هذه التصورات وهذه مسؤولية الجميع..أي أنه قبل الحديث عن إعادة النظر في منظومة القوانين يجب إعادة النظر في منظومة الأشخاص المعنية بتطبيق وتطوير القوانين. أعود إلى مشكلة تشكيك الطبقة السياسية في نوايا السلطة في قضية التعديلات الدستورية، أعتقد من حيث المبدأ أنه من غير الموضوعي التشكيك في أمر ما قبل معرفة محتواه ومضمونه، وقبل الحكم المسبق على هذا المشروع يجب النظر إن كان يوفي طموحاتنا ورغابتنا وبعد ذلك يمكن التعليق عليها سلبا أو إيجابا. شخصيا أعتقد أن مبادرة الرئيس بتعديل الدستور تعتبر في حد ذاتها امرا ايجابيا من الناحية السياسية، كان بإمكانه أن يكتفي بالدستور الحالي خاصة بعد تعديله جزئيا مرتين وهذه المبادرة تعكس وجود ارادة سياسية لتحسين الوثيقة الدستورية وبالتالي الذهاب بمشروع الإصلاحات إلى منتهاه، أيضا أرى أن المسار الذي إعتمده رئيس الجمهورية في تسيير مشروع الإصلاحات السياسية من حيث البدء بقوانين الإصلاحات التي ساعدت على إعطاء حركية للحياة السياسية والحزبية وأيضا سمحت بإنتخاب برلمان جديد، بأحزاب وأطياف جديدة وتم تأجيل موضوع التعديلات الدستورية إلى آخر محطة ، هذا التوجه سمح بالوصول إلى التعديلات الدستورية بشكل أفضل وحال دون الطعن في جدوى هذه الخطوة. وهذا لايمنع أنه بعد إقرار الدستور يمكن مراجعة القوانين إن كان هناك تعارض مع الدستور. التشكيك الذي ترفعه بعض الأطراف السياسية سابق لآوانه وبعض الأحزاب في رأيي هي بصدد التمهيد لموقفها لمعارضة التعديل الدستوري وهذا يسيئ إليها لأنهم عارضوا الموضوع قبل حتى الكشف عن الوثيقة الدستورية ويضعها في خانة المعارضة من أجل المعارضة، الرجل السياسي يفترض أن ينتبه لمواقفه. ● تعليقك الأخير حول المعارضة يوحي بأنك غير مطمئن لنوايا المعارضة، وربما تشكك في كفاءة وجدية هذه المعارضة..؟ ■ الساحة السياسية في الجزائر تعرف أكثر من 50 حزبا وأغلب أحزاب المعارضة حديثة العهد بالعمل السياسي وهي لاتزال في مرحلة التكوين والتعلم وهذا ليس بعيب ، هناك أحزاب لم يتجاوز عمرها السنتين على الساحة ويقع بين يديها مناقشة مشروع بأهمية التعديل الدستوري ، يجب على الأحزاب المعارضة أن تكون على قدر من الإحترافية والنضال حتى يعرف حين يصل إلى السلطة معنى المسؤولية ، فليس من المعقول أن حزبا لايمتلك مقرا ولا تواجد على مستوى القواعد ويتحدث عن المعارضة أو يسعى لأن يصل إلى الحكم ، كما أن بعض الأحزاب يعمل وفق قاعدة خالف تعرف،و أحزاب تعمل على رفع صوتها حتى تقول أنها لاتزال موجودة لتطالب بعدها بما تعتقد أنها حقوقها هذه إنشغالات موجودة وسياسيا مقبولة. ● هناك بعض التحاليل تتحدث بتخوف من إمكانية تكرار التجربة المصرية في مجال التعديلات الدستورية وكيف أن التعديل الأخير في مصر أحدث شرخا وحالة إستقطاب حاد داخل المجتمع المصري..؟ ■ هذا الخطر غير موجود عندنا في الجزائر ، لأنه في مصر وفي بداية الأزمة حاولوا وضع لمدة تشبه المادة 178 من الدستور الجزائري ولم يوفقوا في ذلك ، وبعدها حاولوا إنشاء لجنة للتوافق حول المبادئ فوق الدستورية ولم ينجحوا في ذلك أيضا، أما الوضع عندنا فمختلف تماما، الجزائر مؤمنة في ركائزها هناك مبادئ دستورية لايمكن المساس بها كان التعديل أو حتى إقرار دستور جديد وهذه المبادئ هي التي تحفظ بقاء الطابع الجمهوري المدني والديمقراطي للدولة الجزائرية وأيضا نفس الشيء بالنسبة للإسلام واللغة العربية والعلم وكل رموز الجمهورية، أما في مصر فالدستور الجديد هو دستور أزمة والنظام الجديد الحاكم في مصر حاول إعطاء لون سياسي خاص به. ● سؤال أخير..لو كنتم في لجنة إعداد الدستور ماهي المادة التي ستعملون على أن تكون في الدستور الجديد..؟ ■ المحكمة الدستورية حلمي أن تكون هناك محكمة دستورية في الجزائر