تحضر حكومة عبد المالك سلال تدابير جديدة ترمي إلى إنعاش بورصة القيم في الجزائر، وتشجيع مؤسسات عمومية وخاصة للتداول، وتبقى بورصة الجزائر تعاني من الجمود في ظل تردد الشركات في الانضمام إليها، وغياب المحفزات الكافية لمؤسسة مالية هي الأضعف حاليا في المنطقة العربية، فضلا عن سيادة التسيير الإداري البيروقراطي بآليات أقرب للتسيير الاشتراكي القديم. ويرتقب أن يعرف الإطار القانوني والتنظيمي المسير لبورصة القيم في الجزائر تعديلا، بعد أن تيقنت السلطات العمومية عدم جدوى اعتماد إجراءات ظرفية ومحدودة لاستقطاب شركات وضمها إلى تعاملات البورصة، خاصة أن التجارب الأولى بينت أن تبعات الانضمام للشركات كانت سلبية، بل إن المؤسسات رغم حصائلها الإيجابية كانت تسجل تراجعا في البورصة، ما دفع البعض منها إلى الانسحاب من التداول، وتحديد البعض الآخر، باقتفاء آثار المنسحبين. وترمي التدابير الجديدة إلى اعتماد إجراءات لتخفيف جبائي لفائدة المؤسسات الراغبة في الانضمام إلى بورصة القيم، والتكفل جزئيا بتكاليف الانضمام، مقابل تدعيم المراقبة والمصاحبة. كما ترغب السلطات في إحداث تعديلات من خلال تفعيل دور وسطاء البورصة لتشجيع المؤسسات على الانضمام، وتأتي هذه الإجراءات بعد فشل مساع قامت بها الحكومات المتعاقبة منذ أكثر من 10 سنوات، بدأتها حكومة أحمد أويحيى لضم مجموعة من الشركات إلى التداول في بورصة القيم، وكان آخر قرار صادر عن مجلس مساهمات الدولة في 2013 بالموافقة على ضم 8 مؤسسات عمومية، منها بنك عمومي هو القرض الشعبي الجزائري، ومجمعات مثل المجمع الصناعي لإسمنت الجزائر، والشركة الجزائرية للتأمين وإعادة التأمين، ومتعامل الهاتف النقال موبيليس، وتبقى الرزنامة غير محددة لحد الآن، رغم تحديد مرحلة أولى قبل نهاية السنة لضم عدد من الشركات العمومية في حالة استيفاء الشروط. ويبقى دور بورصة القيم في الجزائر محدودا جدا، فلا هي شكلت بديلا أو مكملا في مجال التمويل على غرار ما هو متعامل به في الدول الأخرى، ولا هي دعمت مجالات تسيير المؤسسات وتكريس الشفافية في تسييرها، سواء بالنسبة للمؤسسات العمومية أو الخاصة، هذه الأخيرة التي تعتبر مؤسسات عائلية تتحفظ على الدخول إلى البورصة لاعتبارات عديدة، منها غياب المحفزات والبعد عن قواعد الشفافية وسيادة التعاملات غير الرسمية في ظل انتشار السوق الموازية، وغياب الفوترة والتعاملات المالية المتطورة، ورغم الإعلان عن تحضير إدراج 5 مؤسسات خاصة على الأقل، فإن الوضع القائم هو المسيطر بالنسبة لبورصة لا تزال تخضع لمحيط غير مناسب، فإخفاق البورصة يرجع حسب الخبراء إلى أنها أقيمت في وقت لا يزال الاقتصاد الجزائري لم يتخلص من رواسب المنظومة الاقتصادية الاشتراكية ومن التسيير الإداري البيروقراطي ومركزية القرار، يضاف إليها محدودية التعامل، ومحاولة التركيز على إطلاق السندات من قبل الشركات الكبرى مثل سوناطراك في عمليات ظرفية ومحدودة. وموازاة مع ذلك، فإن الإطار التنظيمي والقانوني المسير للشركات الاقتصادية والنظام البنكي لا يزال متأخرا مقارنة بالدول المجاورة، ونفس الأمر بالنسبة لقوانين الاستثمار وإجراءاتها والمعاملات التجارية والمالية التي تعتريها الكثير من العقبات، وينصح الخبراء بضرورة توسيع دائرة التعامل بالأسهم واعتماد تحفيزات فعلية، وإشراك الشركات الأجنبية من خلال فروعها، وتحريك تعاملات الأسهم وتثمينها وتشجيع الخوصصة عبر فتح جزئي لرأسمال الشركات، وجعل بورصة القيم إطارا للتمويل بدل الاكتفاء بالبنوك والتمويل العمومي. وتجدر الإشارة إلى أن السوق المالي في الجزائر برز منذ 1987 ودخل حيز التطبيق عام 1988، وفي نفس السنة صدرت عدة قوانين اقتصادية عن استقلالية المؤسسات العمومية وصناديق المساهمة، وبعدها صدر القانون المتعلق بالنقد والقرض سنة 1990، ليرسخ أهمية إنشاء السوق المالية. وفي سنة 1993 صدر المرسوم الشرعي رقم 93/10 المؤرخ في 23/05/1993 يقضي بإنشاء بورصة القيم المنقولة بالجزائر، لتتولى بعدها عدة مراسيم تنفيذية وتشريعية تتعلق كلها بتنظيم بورصة القيم المنقولة، فقد صدر عام 1996، مرسوم تنفيذي تضمن تعيين رئيس لجنة تنظيم عملية البورصة ومراقبتها ”كوسوب”، وفي نفس السنة صدر من طرف اللجنة السابقة نظام متعلق بشروط اعتماد الوسطاء في عمليات البورصة وواجباتهم ومراقبتهم، لتظهر البورصة سنة 1997، ومنذ ذلك التاريخ لا تزال بورصة القيم في الجزائر تراوح مكانها، فبعد تطور قيمة وحجم الرسملة في المرحلة بين 1998 و2000، بدأت التعاملات تنحدر بسرعة إلى أن بلغت حد الجمود.