أمضى الشاب رضا خالدي أكثر من ساعة بموقف سيارات الأجرة بشارع أودان وسط العاصمة، حيث يصطف طابور كبير من المواطنين. كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحا، وعلى رضا الالتحاق بمقر عمله ببلدية حيدرة قبل العاشرة، تفاديا لأي عقوبة من مسؤوليه، إذ بادرنا قائلا بملامح متوترة، وهو ينظر إلى ساعة يده “رغم أهمية شبكة المواصلات والحاجة إليها من قبل جميع المواطنين، إلا أن الاهتمام بتطويرها وتحسين خدماتها يبقى ضمن آخر اهتمامات القائمين على تسيير القطاع، الأمر الذي دفعني للتفكير في شراء سيارة للتخلص من عناء وأعباء المواصلات، وكسب الوقت المهدور بانتظار وسائل النقل”. وعن الميزانية التي يخصصها شهريا لوسائل النقل، استطرد محدثنا “عند الخروج من منزلي ببلدية العفرون في ولاية البليدة، أستقل وسيلة نقل للوصول إلى محطة القطار ب10 دنانير، ثم أدفع ثمن التذكرة إلى محطة آغا بالعاصمة، وقيمتها 100 دينار، وعند الوصول إلى الجزائر الوسطى، لدي خياران للوصول إلى حيدرة، إما “الطاكسي” الجماعي، أو الحافلة، وكلاهما ب20 دينارا، وهي المصاريف نفسها التي أدفعها خلال العودة إلى البيت، أي أن مصروف النقل يوميا يصل إلى 260 دينار، ما يعني مبلغ 6760 شهريا، وهو يمثل حوالي 17 بالمائة من الراتب الشهري”. أما السيد مختاري حليم، فأشار إلى أن معظم الناس يشتكون من استنفاد وسائل النقل لأكثر من نصف الراتب، الأمر الذي يدفع بالكثيرين إلى البحث عن حلول أولها شراء سيارة، وذلك رغم محدودية دخلهم “فأنا مثلا ميزانيتي الشهرية المخصصة للنقل تقارب 7 آلاف دينار، حيث أستقل حافلة من منزلي بباش جراح إلى حي البدر ب20 دينارا، ثم الميترو إلى ساحة أول ماي ب50 ينارا، وتعد سيارات الأجرة ملاذي الوحيد حتى لا أصل إلى عملي بالمرادية متأخرا، بدفع تسعيرة قد تتجاوز 80 دينارا”، ليضيف “رغم أهمية النقل في دول العالم، إلا أنها مهملة جدا في بلادنا، فأنا كموظف أخرج من بيتي يوميا قبل موعد عملي بما يقارب الساعة والنصف حتى أتمكن من الوصول دون تأخير”. وتوافقهما الرأي السيدة شهيناز سعيدي التي قالت “معاناتي مع المواصلات استمرت لوقت طويل، إضافة إلى ما تستهلكه من الدخل الشهري، فأنا أخصص 250 دينار يوميا لوسائل النقل، حيث أستقل حافلة من بلدية باش جراح إلى حي البدر ب10 دنانير، ثم آخذ الميترو إلى ساحة أول ماي ب50 دينارا، وأضطر بعد ذلك إلى أخذ سيارة أجرة للوصول إلى مقر عملي بالأبيار، ولا تقل التكلفة عن 80 دينارا، وعموما تصل أتعاب النقل شهريا حوالي 6 آلاف دينار”. وتتابع المتحدثة “هذه المشاكل دفعتني للبحث عن حل، وشراء سيارة بالأقساط للتخلص من أعباء ومشاكل وسائل النقل التي لا تنتهي”. رئيس جمعية حماية المستهلك النقل أصبح يشكّل عبئا على أرباب الأسر قال رئيس جمعية حماية المستهلك، زبدي مصطفى، إن الميزانية المخصصة للنقل أصبحت تشكل عبئا على بعض الأسر، نظرا للتسعيرة المبالغ فيها والمجحفة. وذكر المتحدث أن الجمعية كانت أول من قام باحتجاج رسمي اعتراضا على رفع تسعيرة النقل في جانفي 2013، معربا عن خوفه من أن تصبح قضية الزيادة في الأسعار عادة تلتزم بها هذه السلطات الضبطية، دون أن تمر على منصب تنفيذي ودون مراعاة النتائج السلبية التي تترتب عنها بالنسبة للمستهلك. وكشف زبدي ل”الخبر” عن مباشرة إجراءات لرفع دعوى قضائية ضد وزارة النقل، من أجل إلغاء هذه التعليمة الوزارية لأنها لا تستند إلى نص قانوني، مؤكدا أنه وجّه مراسلة في هذا الصدد للوزير الأول ووزيري التجارة والنقل وكذا المجلس الوطني للمنافسة. كما أشار رئيس الجمعية إلى أن رفع التسعيرة تقابله رداءة الخدمات التي يشكو منها المواطن الجزائري، هذا الأخير ليس له خيار إلا تحسين وسائل النقل خاصة العمومي، فتنقله مثلا من غرب إلى شرق العاصمة يتطلب منه خمس ساعات كاملة. وحسب المصدر ذاته، فإن النقل الحضري يعدّ نشاطا غير تجاري يجب على الدولة ضمانه والسهر على تحسين نوعية الخدمة العمومية في مجال نقل المسافرين، من خلال خفض الضرائب أو منح مساعدات لشراء حافلات جديدة. المنظمة الوطنية للناقلين الجزائريين السلطات العمومية مطالبة بحماية القطاع قال بورابة، قيادي المنظمة الوطنية للناقلين الجزائريين، ل”الخبر”، إن المواطن ليس المتضرر الوحيد من رفع تسعيرة النقل، وإنما الناقلون أيضا، بالنظر لحجم الأعباء الملقاة على عاتقهم، فمدخول أغلبهم لا يكفي حتى لتوفير البنزين لحافلاتهم، مضيفا أن النقل الجماعي يمثل 95 بالمائة من سوق خدمات النقل، مقابل 5 بالمائة بالنسبة للميترو والترامواي. وأبرز المصدر ذاته في هذا الإطار أن النقل الجماعي يقوم بأداء خدمة عمومية، ورغم ذلك لا تعفي الدولة الناقلين من الرسوم عند شراء حافلة جديدة أصبح سعرها اليوم يفوق مليار سنتيم، ليؤكد أن السلطات بإمكانها تفادي الضغط الاجتماعي من المواطن وكذا من ممثلي الناقلين، إن سارعت إلى تلبية مطالب مشروعة تجنب الناقل الوصول مجدّدا إلى جيب المواطن البسيط، من خلال مسح ديون الناقلين الصغار وإنشاء صندوق خاص بتجديد الحظيرة، بمنح قروض دون فوائد خاصة بمهنيي القطاع فقط، تسدّد على مدى 10 سنوات، علما أنها تضمّ 80 ألف حافلة، منها 30 ألف حافلة قديمة تقوم بنقل 12 مليون مسافر يوميا على المستوى الوطني، إضافة إلى مسح الديون الضريبية، ومراجعة سياسة فتح الخطوط الحضرية، ومرافقة الناقلين في كامل مراحل نشاطهم. حدّدت الوزارة أسعار النقل في جانفي 2013 كما يلي: 20 دينارا لمسافة 10 كلم 30 دينارا لمسافة 20 كلم 35 دينارا لمسافة 30 كلم أسعار النقل الفردي عن طريق سيّارات الأجرة حددت ب15 دينارا للكلم. رئيس الفدرالية الجزائرية للمستهلكين زكي حريز الدولة تركت المواطن “فريسة” للناقلين أكد رئيس الفدرالية الجزائرية للمستهلكين، زكي حريز، أن المستهلك الجزائري أصبح أول متضرر من قطاع النقل، لأنه يخصص له جزءا كبيرا من ميزانيته يوميا مقابل خدمات رديئة. وحمّل المتحدث المسؤولية للسلطات العمومية التي تخلت عن هذا القطاع الحساس حسب قوله، على غرار دول العالم التي تحتكره، لأنه يشكل خدمة عمومية، ليعود إلى التسعيرة الجديدة التي فرضتها وزارة النقل على المستهلك في جانفي 2013، والتي قال عنها إنها مخالفه للقانون، حيث لا تستند للمرسوم التنفيذي لسنة 1996 والخاص بتحديد تسعيرة النقل، ولم يتم تمريرها على مجلس المنافسة. وأضاف حريز أن الفدرالية قررت مقاضاة وزارة النقل أمام مجلس الدولة في أكتوبر 2013، لإعادة النظر في التسعيرة، مع إشراك المستهلك في تحديدها بما يتناسب وقدرته الشرائية.