إذا كانت الظروف تختلف والأسباب تتعدّد، فإن التاريخ السياسي للجزائر يذكر وزراء قدّموا استقالاتهم، ومرد قرارهم ”الشجاع” ذلك ل«اختلافات” في هرم السلطة، لكننا لم نسمع ولم نقرأ في أرشيف التاريخ ذاته عن وزير واحد قدّم استقالته لأنه لم ينجح في عمله، ولم يستطع تسيير قطاعه، لماذا؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه ضمن شهادات حية. من المسلّم فيه وبه أن عدم نجاح أي إنسان في عمل يوكل له ولا يستطيع إنجازه، من الطبيعي تركه لمن يملك الكفاءة والقوة والعلم والمعرفة لإنجازه، لكن ذلك، للأسف، ”منطق” لا يعترف به لدى الوزراء الجزائريون، ويعتبرون الاستقالة ”خزيا وعارا” يلاحقهم طوال حياتهم ويوسّخ مسيرتهم. ويذكر ”التاريخ السياسي” للجزائر استقالة لوزراء ليس لعدم نجاحهم في عملهم أو القدرة على التحكم في تسيير قطاعاتهم، بل نظرا لعدم وجود ”توافق”، كما أنهم يعدون على الأصابع، ومنهم الوزراء الذين كانوا يشتغلون في حكومة علي بن فليس، وهم وزير البريد والمواصلات زين الدين يوبي، وزير الصحة والسكان يحيى قيدوم، ووزير التكوين المهني عبد الحميد عباد. وسبق استقالة هؤلاء الوزراء ”جدل سياسي”، رافق الحديث عن استقالة رئيس الحكومة علي بن فليس سنة 2003، بسبب خلافات مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة آنذاك، ترجع بالأساس إلى تطلّع علي بن فليس في ذلك الوقت إلى الترشح لرئاسة الجمهورية مرشحا عن جبهة التحرير الوطني، التي كان أمينها العام وتحوز الأغلبية في البرلمان، والتي كانت رشحت بوتفليقة للرئاسيات العام 1999. وتعود أسباب الاستقالة، ليس كما يحدث في الدول التي تحترم نفسها، بسبب التقصير في أداء الواجب على أكمل وجه، وتعتبر وسائل الإعلام شاهدا أبديا عن ”كوارث” ارتكبها وزراء منذ الاستقلال في سوء تسيير القطاعات التي تقع تحت وصايتهم، لكن لم يتجرأ أي وزير جزائري على تقديم استقالته. الوزير عند الرئيس بوتفليقة.. يقال ولا يستقيل في المقابل، علمت ”الخبر”، من مصدر مطلع، أن وزيرين قدّما استقالتهما إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لكن التداعيات كانت تحمل انعكاسات على الوزيرين، وعمل الرئيس على إرجاعهما إلى منصبيهما وكلّف مسؤولين بالوساطة للعدول عن قراريهما. ونجح الرئيس في ”مهمته” طبعا، وأعاد الوزيرين إلى منصبيهما في الفترة المسائية، لكنّهما تفاجأ بقرار إقالتهما على مكتبيهما مرفقا بعبارة ”الوزراء يُقالون ولا يستقيلون”. كما لا يحترم الوزراء قرارات مستخدميهم لما يطالبونهم بالاستقالة، ومردّ ذلك، مثلما يفكرون، عدم الرضوخ إلى ”الضغوطات” حفاظا على سمعتهم، مثلما حدث مع الوزير السابق للتربية أبوبكر بن بوزيد والوزير الحالي للقطاع نفسه عبد اللطيف بابا أحمد، ووزير الشؤون الدينية بوعبد اللّه غلام اللّه مؤخرا، عندما انتفضت في وجه تنظيمات نقابية عن تصريح يتهمهم ب«الإلهاء عن ذكر اللّه وإقامة الصلاة”، لكن كأنهم ”صم بكم” غير معنيين بهذه النداءات المتكررة. المختص في علم الاجتماع السياسي ناصر جابي ل”الخبر” ”الوزير لا يستقيل لأنه ليس صاحب مواقف” أفاد المختص في علم الاجتماع السياسي، الدكتور ناصر جابي، ل«الخبر”، أن الوزير في الجزائر لا يستقيل، لأنه ليس صاحب قرار سياسي، كونه موظفا كبيرا ولا يتصوّر نفسه صاحب مواقف. وقال المتحدث إنّ ”النظام علّم الوزراء أن الاستقالة تعني عداوة معه وكذا قطيعة مع النظام السياسي، لذلك الوزير يقال ولا يستقيل، فيفضّل البقاء لسنتي أو 3 سنوات ليعود إلى منصبه أو منصب آخر”، مضيفا ”ثم إن الاستقالة لدى الوزراء بعيدة تماما، مادام أنهم لا يستشارون خلال تعيينهم إلا نادرا، فالكثير لم يسمع بأنّه أصبح وزيرا سوى في نشرة الثامنة، وآخر عيّن على رأس وزارة وهو لا يفقه فيها شيئا”. وأوضح ناصر جابي أن ”الغريب في كون وجود أحزاب سياسية سحبت نفسها من الحكومة وعدم المشاركة فيها، لكن وزراء هذه الأحزاب لم يستقيلوا من الحكومة، والأغرب وجود وزراء انشقوا عن أحزابهم ليصبحوا وزراء”. وأشار متحدث ”الخبر” إلى أن تأثير هذه المسألة راجع إلى حسابات شخصية تحت قاعدة ”مادمت قريبا من السلطة فأنا كل شيء، وإن ابتعدت عنها فأصبح لا شيء”، مضيفا أن ”الوزير ليس من مصلحته تقديم الاستقالة، لأنه بذلك يضرب النظام في الصميم، حتى وإن استقال فيكون ذلك في السرية ولن يعلن عنها، ليبقى الوزير في خط الرجعة”. كما فسر جابي عدم استقالة الوزراء بأمر ثان يتعلق بغياب تقييم أداء الوزير، فلا المعارضة ولا البرلمان ولا الشارع يقومون بمهامهم لتقييم أعضاء الحكومة، بل المقيّم لهم هو الشخص الذي يعيّنهم، و«بالتالي يرجع غياب الاستقالة إلى حسابات تتصل بالعائلات والتوازنات الجهوية وكوطة المرأة والتحالفات الحزبية”. رئيس حزب ”جيل جديد” جيلالي سفيان ل”الخبر” ”الوزير الجزائري مثل عسّاس الباب” اعتبر رئيس حزب ”جيل جديد”، جيلالي سفيان، مسألة استقالة الوزراء لكونهم ليسوا رجال سياسية، مشيرا إلى أنهم ”منفذون لأوامر وتعليمات، ولا يملكون اعتقادات ولا يوجد من يحاسبهم بمقاييس موضوعية”. ووصف المتحدث الوزير الجزائري ب«عسّاس الباب” الذي يؤدي مهاما تملى عليه، فتصبح استقالته أو إقالته لا أهمية لها، مضيفا ”فإلى جانب هذا، هو وزير لا يأت بفكرة جديدة لقطاعه، ولا برنامج يؤمن به ويدافع عنه، مهمته تطبيق برنامج الرئيس وفقط”. وقال جيلالي سفيان إن ”الوزير لا يستقبل لأنه بذلك يخدع العصابة التي عيّنته، فلا يملك الحرية، ثم إنه يخاف من فقدان الامتيازات الممنوحة له”. مسؤول الإعلام في حركة النهضة محمد حديبي ل”الخبر” ”مادام الوزير لا يحاسب فلماذا يستقيل” كشف مسؤول الإعلام في حركة النهضة، محمد حديبي، ل«الخبر”، إن ”الجزائر البلد الوحيد الذي فيه حقّ المنصب ولا يوجد فيه حق تبعات المسؤولية”، مضيفا أن ”الوزير في الجزائر لا يحاسب، فلماذا يستقيل”. وقال المتحدث إن ”الجزائر تعيش حالة تيه مؤسساتي في التسيير، والسلطة مبنية على منظومة حكم قائمة على الولاء والعروشية وليس الكفاءة ودفتر شروط واضح في التعيين”، مشيرا إلى أنه ”من المفروض أنه حدثت كوارث في العديد من القطاعات الوزارية ولم نسمع وزيرا استقال، وهذا استخفاف بالشعب”. القيادي في حركة العدالة والتنمية لخضر بن خلاف ل”الخبر” ” الوزراء لا يستقيلون لأنهم مربوطون بالامتيازات” فسّر القيادي في حركة العدالة والتنمية، لخضر بن خلاف، ل«الخبر”، مسألة غياب ثقافة الاستقالة عند الوزراء بكون الدستور والقوانين لا تشير صراحة إلى سحب الثقة من الوزراء، مضيفا أن ”هؤلاء لا يستقيلون، لأنهم يربطون مناصبهم بالامتيازات المباشرة وغير المباشرة”. وأوضح بن خلاف أنّه ”من غير المعقول أن يصدر مجلس المحاسبة في تقريره الأخير فصلا كاملا يتضمن وجود 140 ألف منصب شاغر في 9 قطاعات وزارية، وهذا يمثل فضيحة حرمت آلاف الشباب من مناصب العمل، واكتشاف وجود أموال تمنح لجمعيات وهمية، لكننا لم نسمع وزيرا من هذه القطاعات قدم استقالته”. وزير الخدمة العمومية محمد الغازي خائف من فكرة الاستقالة ويفضل الإجابة ب”الضحك” انتابت الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالخدمة العمومية، محمد الغازي، ”رعشة” خوف شديدة وهو يسمع سؤالنا ”لماذا تغيب فكرة الاستقالة لدى الوزراء الجزائريين عندما يعجزون عن أداء مهامهم؟”. وتحوّل الخوف إلى ما يشبه ”زلزالا” أخلط حسابات الوزير، وربما قال في قرارة نفسه ”من أين نزلت عليّ هذه البلوى؟”. وزاد إصرار ”الخبر” على سحب الجواب من لسان الوزير، لكنه اختار الردّ عليه ب«الضحك”، ولم ندر موضعه من السؤال، وتبعنا الوزير من مكان إلى مكان وجوابه الوحيد ”لن أجيبك على هذا السؤال”. ورفض الوزير لدى الوزير الأول المكلف بإصلاح الخدمة العمومية له احتمالان: الأول أنه خائف ممن عيّنه وزيرا، والثاني عدم إطلاع الرأي العام عن جوابه، ففي حالة فشله في أداء مهامه، لا قدر اللّه.. البقية يعرفها الجميع. وزير السكن والعمران والمدينة عبد المجيد تبون ”أنا مؤمن بالاستقالة لكني واثق من تأدية واجبي” تقبّل وزير السكن والعمران والمدينة، عبد المجيد تبون، السؤال ”لماذا تغيب فكرة الاستقالة عند الوزراء الجزائريين؟”، فكانت إجابته صريحة ومباشرة ”إنها مسألة تتعلق بالثقافة التي تختلف من مسؤول لآخر ومن وزير إلى وزير. وأنا شخصيا أؤمن بفكرة تقديم الاستقالة لكني أستبعدها، في حالتي، لأنّي مدرك من نجاحي في تأدية المهام الموكلة إليّ”. أما عن السؤال الثاني: ”ما هي الحالة التي يمكن لك فيها أن تقدّم استقالتك مادامت مؤمنا بها؟”، فأجاب الوزير: ”ممكن جدا أن أقدّمها في حالة لم أتفق مع الحكومة التي أعمل فيها، لكن حاليا الأمور تسير على أحسن ما يرام”. وزير الاتصال عبد القادر مساهل ”أستقيل إذا لم أنجح في عملي، لكنّني ناجح” صنع وزير الاتصال، عبد القادر مساهل، الاستثناء بين زملائه في الحكومة، فكانت إجابته عن سؤال ”الخبر”: ”لماذا تغيب فكرة الاستقالة عند الوزراء الجزائريين؟” صريحة جدا، حيث قال: ”قدّمتها مرةّ لكنّي لن أعطيك تفاصيل أكثر، لأني أؤمن بفكرة الاستقالة واختلافها من وزير لآخر مرتبطة بثقافته السياسية”. أما السؤال الثاني: ”ما هي الحالة التي يمكن لك فيها أن تقدّم فيها استقالتك؟”، فأوضح: ”ممكن جدا إذا لم أنجح في عملي، لكنّي حاليا بخير، وأؤدي مهامي على أكمل وجه”. وزير الأشغال العمومية فاروق شيعلي ”الاستقالة مسألة عادية لكنني جديد في منصبي” استغرب وزير الأشغال العمومية، فاروق شيعلي، كثيرا سؤالنا عن غياب فكرة الاستقالة عند الوزراء الجزائريين. استغراب هذا الوزير بالذات يمكن تبريره لكونه لأول مرة يتقلّد منصب وزير وربما لا يريد أن يفقده. وقد بدا هذه الموقف متّضحا كثيرا لنا ونحن نطرح السؤال على الوزير، لأن ردّة فعله كانت ”ضحكة” طويلة عن سؤال لم يتوقعه أبدا، وبما أن إلحاحنا على افتكاك إجابة من محدثنا كانت غاية لا حياد عنها، رضخ الوزير وقال: ”هي مسألة عادية ويمكنني تقديم استقالتي، لكني لا أفهم مغزى سؤالك والهدف من ورائه، فلم يمض على تسلّم مقاليد الوزارة سوى مدة قصيرة”، ويفهم من الشطر الثاني للإجابة أنه الخوف كدافع إلى خروجها من فم الوزير. ومادام وزير الأشغال العمومية يعتبر استقالة الوزراء مسألة عادية، وجهنا له سؤالنا الثاني ”ما هي الحالة التي يمكن لك فيها أن تقدّم استقالتك؟”، فلم تكن هناك إجابة مباشرة لأن ”ضحكة” خفيفة سبقتها، لكنه قال: ”أستقيل من منصبي عندما لا أتفاهم مع من عيننّي في منصبي، لكنّي الحمد للّه مرتاح في أداء عملي ولا أختلف مع أحد”. وزير الفلاحة والتنمية الريفية عبد الوهاب نوري ”بعّدني”! لم نأخذ لا حقا ولا باطلا من وزير الفلاحة والتنمية الريفية عبد الوهاب نوري، فقابل سؤال ”الخبر” بالضحك وفقط، ثم يقول ”بعدني”، لكننّا ”ركبنا رأسنا” وألححنا في طرح السؤال لكن دون فائدة، فالوزير الذي استقدم من تلمسان كوالٍ عليها ل9 سنوات، لتمنح له حقيبة وزارة الفلاحة والتنمية الريفية، تجنب الإجابة عن سؤال يخشاه جميع المسؤولين الجزائريين في مختلف رواتبهم. والسبب بسيط جدا، فالمرادف لمصطلح ”وزير” في الجزائر، هو راتب خيالي وإقامة في نادي الصنوبر وسيارة فاخرة وحرس يحيط به من جهة وغيرها من الامتيازات، فمن غير المعقول أمام كل هذه ”المكاسب”، يقدّم وزير في الجزائر استقالته ويقول إنه غير ناجح في عمله وليس الرجل المناسب في المكان المناسب. وزير النقل عمار غول ”لا نستقيل لأن ذلك تقليل من احترام من عيّننا في مناصبنا” اعترف وزير النقل، عمار غول، عند إجابته عن سؤال ”لماذا تغيب فكرة الاستقالة عند الوزراء الجزائريين؟”، بأن ثقافة الاستقالة منعدمة لدى هذه الفئة العليا من الوزراء الجزائريين. وبررّها محدثنا بقوله ”أظنّها تندرج في إطار التقليل من احترام الذي عيّن الوزير في منصبه”، مردفا ”الاستقالة يجب أن تكون، لكن ينبغي أن تتم داخليا وبسرية تامة، لأن تداعياتها قد تنعكس سلبا على صاحبها”. وزير المجاهدين محمد الشريف عباس ”استقالتنا تعني خيانة أمانة من وضع الثقة فينا” استقبل عميد وشيخ وكبير الوزراء الجزائريين، وزير المجاهدين محمد الشريف عباس، سؤال ”الخبر” بجدية تامة تعكس سنه وجهاده ومركزه، واعتبر الاستقالة مسألة تحتاج إلى الكثير من الكلام والبحث، لكنه أرجع غيابها لديه ولدى زملائه في حكومة عبد المالك سلال إلى الخوف، ”سبب ذلك هو الخوف من اتهام الوزير الذي يستقيل بخيانة أمانة من وضع فيه ثقته وعيّنه في منصبه”. وسألته ”الخبر” مرة أخرى، ”حتى لو كان على حساب حسن سير قطاعه؟”، فأجاب محمد الشريف عباس ”اللّه غالب ليست هناك ثقافة عن وكيفية تقديم الاستقالة”. وزيرة البيئة والتهيئة العمرانية دليلة بوجمعة ”لن أجيب” انقلب مزاج وزيرة البيئة والتهيئة العمرانية، دليلة بوجمعة، وهي تستمع إلى سؤال ”لماذا تغيب فكرة الاستقالة عد الوزراء الجزائريين؟ أولا نعلِم قراء ”الخبر” أننا طلبنا من الوزيرة إجابتنا عن سؤال معين دون أن نطلعها عن فحواه، ودون مجاملة لها، فرحبت بنا واحترمت رغبتنا في الانزواء قليلا عن أنظار مرافقي الوزير الأول من المسؤولين والإعلاميين. الوزيرة دليلة بوجمعة اعتقدته سيكون سؤالا عن قطاعها، لاسيما وأنها في تلك الفترة (15 فيفري الجاري) كانت تحضّر لعقد ندوة عالمية عن البيئة بعنوان ”الاقتصاد الأخضر في إفريقيا”، لكنها تفاجأت بأنه سؤال متعلق بفكرة الاستقالة عند الوزراء الجزائريين، فرفضت الإجابة عنه مطلقا رغم إصرارنا.