شبح يلوّح به الموالون لتعقيد المعارضين “غول” الاستقرار لفرض العهدة الرابعة لا يجد المساندون للرئيس المرشح عبد العزيز بوتفليقة، مبررا آخرا للإقناع بأنه “هو الأصلح للمرحلة المقبلة”، إلا تسويق هذه الفكرة: “استمرار بوتفليقة هو ضمان للاستقرار”، أو “ستدخل الجزائر في متاهة قد لا تخرج منها سالمة، لو اختار الجزائريون تغيير الرئيس”. وهذا التزييف المفضوح، ألقوه في سمع الرئيس الفاقد لقدراته الذهنية، فصدّق فعلا أنه “شايد السما بعصا”، فإذا تنحى عن السلطة سقطت السماء على رؤوس 38 مليون جزائري!!. لم يعد هناك مكان للأخلاق ولا اللياقة السياسية ولا النزاهة الفكرية، وسط حاشية الرئيس وفي أحزاب وتنظيمات الولاء. فمن أجل العهدة الرابعة، أضحى كل شيء مسموحا، بما في ذلك الكذب المفضوح. والدليل أن كل الجزائريين لاحظوا، الاثنين الماضي، بأن بوتفليقة لم يستطع أن يستجمع جملتين سليمتين عندما عبّر عن إرادته في الترشح للانتخابات، بينما ظل الموالون له يرددون بأن “عقله أفضل من عقول كل الجزائريين”.. للإشارة، عمارة بن يونس صاحب هذه المقولة، صرّح بأنها نقلت عنه خطأ، على أساس أنه كان يقصد أن “عقل بوتفليقة يشتغل أفضل من عقول كل الوزراء”! وهذه مصيبة كبرى، إذ يفترض أن الوزراء هم زبدة الجزائريين الذين اختارهم بوتفليقة للسهر على حل مشاكلهم، فكيف تكون عقول كل هؤلاء أسوأ من عقل رئيس لا يستوعب بضعة كلمات حفّظت له صما، فعجز عن نطقها نطقا سليما!!. من أجل العهدة الرابعة وأغلوطة “الاستقرار المرتبط ببقاء بوتفليقة في الحكم”، (الاستقرار في الاستمرار، كما قال عبد القادر بن صالح)، يستخف الموالون للرئيس وحاشيته ب38 مليونا جزائريا. فالرئيس، حسبهم، ليس بحاجة إلى أن يقوم بحملته الانتخابية بنفسه، لأن رجاله المحيطين به الطامعين في نصيب من الامتيازات التي سينفعهم بها بعد 17 أفريل المقبل، هم أولى بهذه المهمة. الجزائر تعيش في الوضع الراهن حالة من انعدام المنطق لا مثيل لها في التاريخ. كل البلدان، المتخلفة فيها والمتقدمة العريقة في الديمقراطية، وتلك التي تسيطر عليها أنظمة متسلطة، تزوّر الانتخابات والكل يعلم بأنها محسومة النتائج مسبقا.. في كل هذه البلدان يظهر رأس النظام المرشح للاستحقاق، فيدافع عن البرنامج الذي يقترحه ويدافع عن حصيلة حكمه، إذا أراد التمديد، حتى لو كان ما يقدمه لا يمت بصلة للحقيقة، فينزل إلى الميدان ليردّ على مرشح أو مرشحي المعارضة، ويلتقي بالصحافيين في مؤتمرات صحفية وفي بلاتوهات التلفزيونات وفي الإذاعات، ليعرض أفكاره ومقترحاته للمناقشة.. أما في الجزائر، فلا يرى بوتفليقة والمتزلفون له ضرورة في أن يخوض الحملة بنفسه! الاستقرار الذي يهددون الجزائريين بفقدانه إن هم أرادوا تغيير بوتفليقة، يعلم الجميع أن خيطا رفيعا جدا يحكمه. وأبلغ مثال على ذلك، أحداث مطلع 2011 التي أثبتت كم هو هش الاستقرار والتي دفعت ببوتفليقة إلى التعهد بإصلاحات سياسية، كرّست “بقاء الوضع على حاله”. الاستقرار الذي يرفعونه شعارا، هم أدرى الناس بأنه سيتهاوى بسرعة لو نزل سعر النفط إلى مستويات دنيا. الاستقرار الذي يرتكزون عليه لتبرير العهدة الرابعة، بوتفليقة هو من يخلّ به بإصراره على الخلود في الكرسي، حتى لو أدى ذلك إلى تقسيم المؤسسة العسكرية. المعارضة تتحدث عن “تضييع فرصة التغيير السلمي” السلطة تدفع للانفجار بالنسبة لأحزاب المعارضة والشخصيات الوطنية، فإن الذهاب إلى الرئاسيات بالظروف الحالية يعني زيادة في تأزيم الأزمة في البلاد أكثر من حلها. وترى في العهدة الرابعة لرئيس مريض غير قادر على ممارسة مهامه، بمثابة الدفع نحو الفوضى ووضع البلاد في الطريق المسدود. لم يدفع ترشح رئيس الجمهورية رسميا لعهدة رابعة، لخروج عدة مرشحين من السباق الرئاسي، رغم جمعهم لكافة الشروط المطلوبة للترشح، وفي مقدمتها جمع التوقيعات، بل أخرجت أيضا ولأول مرة محتجين إلى الشارع، بغض النظر عن عددهم، للتعبير عن رفض العهدة الرابعة، بعدما كان التعبير مقتصرا على البيانات والتصريحات السياسية، سواء لوجوه سياسية أو شخصيات وطنية، أو حتى لجنرالات سابقين في المؤسسة العسكرية، وهو مؤشر على أن الجزائر تواجه “اختلالا سياسيا”، من نتائجه بداية تصنيف الجزائريين في قطبية ثنائية خطيرة “مع أو ضد”، مع ما يتبع ذلك من مزايا وعقوبات، ومرد ذلك لعدم وجود انتخابات، وإنما تزكية، بحيث يتم اختيار مرشح السلطة، وبعدها يطلب من الشعب التزكية، وهو سلوك وصل إلى نهايته ولم يعد يلق القبول في أوساط الشعب، بدليل حجم العزوف المسجل في المواعيد الانتخابية من موعد لآخر. هذا الانسداد في الأفق السياسي لم تولّده استمرارية الرئيس في الحكم، وتطليق مبدأ التداول على السلطة الذي وأد مع تعديل الدستور في 2008 بفتح العهدات الانتخابية، بل أحدثته أكثر تشبث منظومة حكم بترشيح رئيس غير قادر على ممارسة مهامه، إلى عهدة رئاسية جديدة، في وقت تقتضي التحديات والأخطار المحيطة بالجزائر، رئيسا قويا بشرعيته الشعبية وحاضرا بكامل قواه الجسمية والعقلية. هذا الخلل في المعادلة هو ما يدفع اليوم إلى هذا الغليان في الشارع وحتى وسط الطبقة السياسية، بعدما لاحظ الجزائريون أن الاهتمام منصب داخل أجهزة الحكم حول مستقبل السلطة أكثر من الاهتمام بحقيقة وضع الدولة. ويتجلى ذلك في كيفية تعامل قوات الأمن مع احتجاجات نشطاء وسياسيين كان يكفي التعبير عن رفضهم للعهدة الرابعة، لاعتقالهم واحتجازهم لساعات في مراكز الشرطة، بل وإلى وصفهم ب“دعاة الفتنة” من قبل الوزير الأول. هذا الوضع مرده، حسب رئيس حركة مجتمع السلم السابق أبو جرة سلطاني، إلى أنه “في دولة المؤسسات يضرب بعصا القانون، لكن في دولة الأجهزة يضرب بعصا البوليس”. إن تعامل السلطة مع مختلف المطالب الشعبية ب”المنطق الأمني”، يعني أنها ترفض مع سبق الإصرار والترصد معالجة المشاكل من جذورها، وهي بذلك كمن يعمل على جمع شظايا الانفجارات للإقفال عليها داخل بركان يعتقد أنه نائم، لكنه مرشح للانفجار في أي وقت. وبفعل هذا الوضع، لا يستبعد رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور أن تنزلق الجزائر إلى دوامة من العنف، بسب ما أسماه “إجهاض النظام الحالي لفرصة التغيير عبر الانتخابات الرئاسية القادمة”، وهي ليست مجرد توقعات لمرشح غاضب منسحب من الطابور الانتخابي، بقدر ما ولّدتها تخوفات حقيقية موجودة في الشارع، وأظهرتها احتجاجات شعبية شبه يومية، أو ما يسمى ب«الثورات الصغيرة” لعديد من شرائح المجتمع لم تنقطع منذ أحداث جانفي 2011. فلمن تقرع الأجراس مثلما تساءل ذات يوم ارنست همنغواي في روايته؟ حوار فاتح ربيعي، الأمين العام السابق لحركة النهضة ل “الخبر” قوى التغيير يجب أن تفكر فيما بعد الرئاسيات حركة مطلبية في الشارع حظيت بقبول وتعاطف من مثقفين مناهضين لمشروع النظام في تمديد حكم بوتفليقة، هل بدأ التغيير من خارج السلطة؟ ما يحصل من تحركات في الشارع جاء نتيجة طبيعية لإخفاق السلطة في التوجه نحو إصلاحات حقيقية، نهايتها الطبيعية تكون عن طريق الصندوق، وهذا من خلال تمكين الشعب من التغيير وفق إرادته بشكل شفاف. ما يحصل في الشارع يبين أن فرصة التغيير السلمي ممكنة، لكن ليس من خلال الصندوق المصادر، هذا الحراك يدلل على أن الانتخابات الرئاسية فقدت أهدافها في التجديد والتعبير عن الرأي الحر، وأتوقّع تداعيات خطيرة إذا لم يتدارك العقلاء الموقف ويعتبروا أن الشعب لا يقبل بغير انتخابات شفافة و نزيهة. الرئيس بوتفليقة عبّر بنفسه عن رغبته في الترشح، لماذا برأيك هو متمسك لهذا الحد بالبقاء في السلطة؟ ما أعلمه وما تحدث به الفلاسفة، أن آخر ما ينزع من حب الصديقين حب الرئاسة. أما حال غيرهم، فحب الكرسي مطبوع في فطرة الإنسان، لذلك قامت الأنظمة المعاصرة بتنظيم هذه الشهوة، فجاءت الدساتير لتضبطها حتى لا يتفرعن الإنسان، وهو ما يحدث عندنا بوجود مطبلين يتجهون نحو أحادية في قالب تعددي، فلقد تألمت كثيرا ككل جزائري وطني صادق للمشهد الذي رأيت عليه الرئيس الذي قدم ملف ترشحه. فأي جزائري يحب الخير لبلده، تمنى لو لم يتقدم الرئيس لهذه الانتخابات، ومن يدعم هذه المسرحية لا يفكر في مصلحة البلد وفي مستقبل الأجيال القادمة. هناك مساران رافضان لترشح الرئيس ولظروف الرئاسيات، من خلال الشارع ومن خلال المقاطعة التي تشارك فيها حركتكم، هل هناك تقاطع؟ خيار المقاطعة كان نتاج مجهود لأحزاب لم ترض أن تكون مجرد ديكور في الموعد الانتخابي المقبل. فعوض أن تكون خطوة لتقديم حلول، فهي خطوة لتأزيم الوضع أكثر. اليوم قناعتي الشخصية هي أن يبدأ التفكير في مرحلة ما بعد 17 أفريل، لابد أن تجتمع جميع القوى لتحقيق ثلاثة أهداف، السعي نحو دستور توافقي غير إقصائي، وتشكيل حكومة وفاق وطني تشرف على إصلاحات سياسية تشمل قانون الأحزاب والانتخابات وقانون الإعلام، وثالثا إعادة النظر في الانتخابات كلها، الرئاسية والبرلمانية والمحلية، أي إعادة بناء أسس الدولة من جديد وبناء صحيحا، فالجهة المنظمة للرئاسيات اختارت طريق الانسداد بدل تشكيل لجنة بعيدة عن الإدارة، وهذه الفكرة بالذات لن تسقط من مطالب الأحزاب التي تأمل التغيير الحقيقي ويجب أن تجسد يوما ما بحكم القانون ضمن خارطة الطريق الأنسب لإخراج البلاد من مرحلة الركود والإخفاق. الجزائر: حاوره عاطف قدادرة
سفيان جيلالي رئيس حزب “جيل جديد” ل”الخبر” “الأسابيع المقبلة ستشهد انهيار النظام البوتفليقي ولو معنويا” لقد شاركت في آخر مظاهرة مناهضة لترشح الرئيس الحالي والمنددة بالنظام ككل، هل دخلنا مرحلة التغيير عن طريق الشارع؟ كنا ننتظر هذه الانتخابات لإحداث تغيير سلمي لنظام فاسد متجبر، لكن في نهاية المطاف وجدنا أنفسنا أمام تحوّل من مسار انتخابي نحو مسار انقلابي ولم يعد ممكنا التغيير من خلال الصندوق، لذلك جاء خيار الشارع، وهو في الحقيقة سيكون انقلابا على الانقلاب ومطلوب من الجزائريين أن يدخلوا في المعادلة التي غيبوا منها دائما. السلطة تحاول أن تعطي انطباعا أنها قوية شكليا، لكنها في الحقيقة ضعيفة سياسيا وأخلاقيا، ونفس الشيء بالنسبة للمعارضة التي تبدو شكليا ضعيفة، لكنها قوية بما تطرحه. من هنا يتحتم على الجزائريين أن يدخلوا معادلة التغيير، لأن القطيعة هي مسألة سيادة وقد تجاوزنا مرحلة الزعامات ولا يوجد مهدي منتظر سياسيا. التوجه إلى الشارع أعطى الفرصة لأنصار الرئيس لاتهامكم بالدفع بالجزائر نحو مسار عنف، هل تريدون ربيعا جزائريا؟ أبدا، لقد شاهد العالم كله سلمية من خرجوا للتظاهر، إنهم صفوة المجتمع ونخبته، صحفيون وكتّاب ومثقفون، ولا توجد أعمال شغب أو تكسير ولا تعدي على ممتلكات الغير. هذا الحراك من النخبة، هو في الحقيقة ضمير الأمة يمكن من خلاله بناء مشروع مجتمع. فلما كانت النخبة على الهامش، لم تتمكن الطبقة السياسية من نقل تصوراتها عن غضب الشعب من النظام، اليوم الطبقة المثقفة يمكن أن تكون عاملا لتلاقي جميع التيارات السياسية ونخرج كلنا نحو تغيير حقيقي، وشخصيا عندي أمل حقيقي وقوي أنه في الأسابيع أو الأيام القليلة المقبلة سنشهد انهيار النظام البوتفليقي، لاسيما من الجانب المعنوي. لاحظوا مؤشرات ذلك في جوهر خطاب المطبلين للرئيس، لقد غابت عنهم الرزانة وأصبحوا يقولون أي كلام، رأينا كيف شتم عمارة بن يونس الجزائريين. رأيت الرئيس أثناء تقديم ملف ترشحه في المجلس الدستوري، هل بوتفليقة الذي شاهدت يشكّل عامل استقرار للبلاد لو فاز؟ صورة الرئيس أصبحت مهزلة حقيقية ونكتة للعالم بأسره، فكل الصور التي بثت له والتي تصوره مرهقا غير قادر حركيا، كانت مفبركة وربما لم ينزل أصلا من سيارته في المجلس الدستوري، فحتى بعملية المونتاج لم نر إلا رئيسا تعبا وقدمنا للعالم عملا كوميديا التهم القليل من الاحترام الذي بقي لهذا الرجل، فعيب أن يتم احتقار الجزائريين إلى هذه الدرجة، فحتى رجال الأمن في المحافظات التي أخذ إليها المعتقلون من مظاهرات حركة بركات، كانوا متعاطفين مع المتظاهرين، يعني حتى أداة القمع التي كانت بيد هذا النظام لم تعد تطيقه. الجزائر: حاوره عاطف قدادرة