هل تدفع عودة بوتفليقة على كرسي متحرك إلى تسريع خروج المرشحين المحتملين للرئاسيات لإعلان ترشحهم لمنصب رئاسة الجمهورية؟ أم أن التحفّظ القائم سيستمر طالما لم يتبين الخيط الأبيض من الأسود بشأن مرشح السلطة؟ الأكيد أن الصورة التي ظهر عليها الرئيس بعد عودته من رحلته العلاجية، قد أنهت دفن العهدة الرابعة وفتحت باب التفكير حول كيفية تحضير الرئاسيات المقبلة في موعدها. وإن شجعت هذه المعطيات لصعود وجوه للترشح لموعد أفريل 2014، فإنها من جانب آخر لم تنه القلق بشأن “غلق اللعبة”. فالسلطة في نظر أحزاب المعارضة، تبحث عن الفارس “الجوكر” الذي سيمكّن النظام من الحفاظ على مواقعه في سياق “مات الملك يحيا الملك”. وفي المقابل، مرشحون لا يريدون أن يكونوا مجرد أرانب في لعبة خيوطها في أيدي أصحاب القرار. رغم خروج بوتفليقة من السباق بسبب المانع الصحي شهية الراغبين في الرئاسة معلّقة حتى ظهور مرشح “المخبر” يترقب المهتمون بانتخابات الرئاسة 2014، حاليا، مرشح “المخبر السري” الذي يقع حوله توافق أصحاب القرار السياسي في البلاد، بعدما تبين شبه استحالة التمديد لمرشحهم السابق عبد العزيز بوتفليقة بسبب المانع الصحي. وتبقى شهية الطامحين في المنصب الأعلى مسدودة، إلى حين يجهز “المخبر” “الطبخة”. وعندما يعلن عنها، سيعين صانعو الرؤساء لمرشحهم “الأرانب” التي سترافقه إلى المرحلة النهائية من السباق، تماما كما حدث في 2009 حينما ظهر من البداية أن اللعبة محسومة سلفا لصالح بوتفليقة. أما غير ذلك، فكان ديكورا لإضفاء حركية مزيفة على المسرحية. وإذا تم فعلا تكرار هذا السيناريو المبتذل، سيثبت أصحاب القرار أنهم لم يستوعبوا دروس الأحداث العاصفة التي وقعت في تونس ومصر، وفي ليبيا أيضا. وإذا كان هناك شيء مؤكد في الشأن السياسي حاليا، هو أن الرئيس الحالي غير قادر على الترشح لعهدة رابعة، ويشهد على ذلك الصور التي ظهر عليها، الثلاثاء الماضي، عندما عاد من رحلة العلاج الطويلة. والدليل على ذلك أيضا، سكوت المتزلفين عن مناشدته الترشح من جديد. فلو بدا متعافيا، لكانوا السبّاقين إلى تنشيط خلايا “دعم برنامج الرئيس” المنتشرة في كل الولايات، للترويج لعهدة جديدة. ويواجه النظام حاليا وجع رأس حقيقي، فما يفصل عن الاستحقاق الرئاسي تسعة شهور طويلة، ومن الصعب تسيير هذه الفترة برئيس عاجز بدنيا لن يقوى على الظهور في المواعيد والمناسبات التي يجب أن يظهر فيها، وإلا سيكون هناك انطباع قوي بأن منصب الرئيس شاغر، بينما صاحبه مازال فيه شكليا فقط. فعيد الفطر قادم بعد 20 يوما، وهل يمكن تصوّر الرئيس ينظم الاستقبال السنوي بعد الصورة التي شوهد عليها الثلاثاء الماضي؟! ورغم ذلك، سيخرج عبد المالك سلال، من حين لآخر، ليقول إن “مؤسسات الدولة تسير بشكل عادي”، وإن “الرئيس يصدر القرارات ويعطي التوجيهات لأعضاء حكومته”! أما الشيء غير المؤكد حاليا، فهو الشخص الذي سيخلف الرئيس الحالي. ومن المفروض أن الحديث عن “من يخلف بوتفليقة”، طرح غير سليم في بلد يزعم أن السياسة فيه تمارس بالتداول على السلطة وعبر صندوق الانتخاب. ولكن من يعرف اللعبة كيف تدار، يعلم بأن “أصحاب الدار” قد يسمحون بأن تكون أي انتخابات حرة، إلا الانتخابات الرئاسية. ومادام الأمر كذلك، فالأشخاص الذين يريدون الرئاسة يمكن تصنيفهم في فريقين. الأول لديه بصيص أمل في أن اللعبة قد تكون مفتوحة، معوّلا في ذلك على الأحداث التي وقعت في الجوار، والتي لا يمكن في نظرهم ألا تتأثر بها الجزائر. وهؤلاء أجّلوا شهية الترشح إلى حين التأكد من الشكل الذي ستأخذه الرئاسيات، وسيحسمون الموقف تبعا لمدى استعداد رجال النظام احترامهم إرادة الناخبين. أما الفريق الثاني، فيتكون من الجالسين في “كرسي الاحتياط” منذ زمن طويل، يترقبون دورهم في تولي المنصب. مرشح فقط قبل أربعة أشهر عن استدعاء الهيئة الناخبة سنونوة واحدة لا تكفي لربيع الرئاسيات لم يسبق وأن شهدت المواعيد الانتخابية السابقة حالة من “الترقب والانتظار”، مثلما هذه المرة، حيث تسود حالة من الصمت والتحفظ على ملف رئاسيات أفريل 2014، إلى درجة أن الوعكة الصحية للرئيس أخلطت الكثير من الحسابات داخل السلطة، وعند المرشحين المحتملين من الشخصيات الوطنية، ولدى الطبقة السياسية، على حد سواء. قبل أربعة أشهر فقط عن موعد استدعاء الهيئة الناخبة لرئاسيات 2014، لم يظهر في الساحة الوطنية سوى مرشح واحد أعلن رسميا دخوله المنافسة، ويتعلق الأمر برئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور منذ عدة أشهر، وهو ما يعني أن تحفظ بقية المرشحين المحتملين عن إعلان تقدمهم لهذا الاستحقاق الانتخابي بمبرر “ما زال الوقت مبكرا عن موعد الرئاسيات”، ليس هو السبب وراء هذا الإحجام وغياب شهية الترشح لدى الفرسان. فما هي المعطيات التي جعلت رئاسيات 2014 لا تجلب إليها رغبات المرشحين مقارنة بالرئاسيات الماضية؟ لقد أدى مرض رئيس الجمهورية ونقله للعلاج في الخارج من جهة، ومن جهة أخرى عدم وضوح طبيعة الحالة الصحية للرئيس بسبب الضبابية التي اعتمدتها السلطة في تسيير ملف مرض بوتفليقة، إلى خلق حالة من الترقب العام في البلاد كانت لها تداعيات على الاستحقاق الرئاسي المقبل، بحيث فضل العديد من الراغبين في الترشح “التريث” قبل الإقدام على أي خطوة لمعرفة مستقبل الرئيس في منظومة الحكم (رغبته في العهدة الرابعة)، وقدرته على العودة من وعكته الصحية، ويكون ذلك وراء تردد جاب الله الذي أعلن في وقت سابق رفضه الترشح لرئاسيات 2014 قبل أن يتراجع ويرمي بالكرة في مرمى مجلسه الشورى. كما أوضح بن فليس، أحد المرشحين المحتملين لموعد أفريل 2014، لمجموعة من الداعمين لترشحه تنقلوا من تلمسان، بأنه “ليس من أخلاقه في هذا الظرف الذي يوجد فيه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في رحلة علاج، ليقوم هو بإعلان ترشحه لموعد تضبطه إجراءات دستورية”، وقال “رئيس الجمهورية مريض ونتمنى له الشفاء والعودة إلى أرض الوطن، وهو بكل الأحوال رئيس الجمهورية وعملت معه كرئيس حكومة. وبعد عودة الرئيس واتضاح الرؤية حول موعد الرئاسيات، سيكون لنا الموقف المناسب في الوقت المناسب”. ويفهم من هذا، أن مرض الرئيس أخلط “أجندة” الحسابات لدى السلطة أو وسط الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية، وجعلت طابور المرشحين للرئاسيات يدخل في عملية الإيعاز العسكري القائل “مكانك تراوح”. فقبل 4 أشهر عن استدعاء الهيئة الناخبة، ليس هناك سوى سنونوة واحدة (ترشح بن بيتور)، وليس بإمكانها خلق الربيع الرئاسي المقبل. إن عودة رئيس الجمهورية على كرسي متحرك، من شأنها أن تقنع دعاة العهدة الرابعة بالتوقف عن الحلم، وتقنع أيضا المترددين من المرشحين المحتملين بإمكانية فتح اللعبة السياسية، حتى وإن كانت السلطة ستطلق مرشحها دون شك، مثلما يرى الأمين العام لحركة النهضة فاتح ربيعي، أن الرئاسيات المقبلة “تبدو فرصة لإعلان ميلاد دولة جزائرية جديدة، لكن المؤشرات تفيد بأن السلطة ترتب لفرض مرشح، وفقا للأدوات الانتخابية السابقة، وعبر استدعاء أرانب سياسية للمشاركة في السابق الانتخابي”. ومهما يكن من أمر، لا يمكن حساب جدية ومصداقية الرئاسيات المقبلة بعدد المرشحين الأرانب الذين ستقدمون إليها، وإنما بثقل “الآلة الانتخابية” التي يتوفر عليها كل مترشح على قلّتهم. نقاش المرشح السابق للرئاسيات علي فوزي رباعين رئيس “عهد 54” ”معركة سياسية وراء الكواليس مرتبطة باستحقاق 2014” تابعتم عودة الرئيس بوتفليقة إلى الجزائر بعد رحلة علاج طويلة، كيف قرأتم مشهد عودته؟ رأيت رئيسا مريضا بعد رحلة علاج، ولا أخفي حيرتي لماذا لم يتوجه بكلمة للجزائريين، علما أنها فترة غياب طويلة، وأتساءل هل منع من ذلك؟ أم أنه لم يستطع استرجاع قدراته، وهل هو قادر على ممارسة مهامه؟ هناك حديث عن غياب محتمل للرئيس بوتفليقة عن سباق 2014، هل يغيّر هذا المعطى قواعد المنافسة واللعبة في الرئاسيات المقبلة؟ هناك معركة سياسية تجري وراء الكواليس مرتبطة باستحقاق 2014، وأطلب هنا من أحزاب المساندة والمولاة أن يكفوا عن استفزاز والسخرية من الجزائريين، والقول إنهم لن يقدموا مرشحين عنهم لسباق الرئاسيات المقبلة، في حالة تقدم الرئيس الحالي لعهدة رابعة. وبالنسبة للاستحقاق، فأرى تكرار نفس مشهد المواعيد السابقة وهناك نقائص كثيرة تطعن في شفافيته، ويفترض أن تباشر السلطة إصلاحات تتضمن تطهير قوائم الناخبين وتوسيع صلاحيات لجنة مراقبة الانتخابات وضبط الإعلام والتمويل وإبعاد رموز السلطة على الإشراف على العملية الانتخابية. ترشحتم في رئاسيات 2009 رغم أن النتيجة كانت محسومة، هل تكررون المحاولة من جديد؟ من الصعب الترشح في مواجهة مرشح السلطة، ولو افترضنا أن السلطة ستعيد تقديم نفس المرشح من جديد، فمن الواجب أن يبتعد قبل فترة عن منصب اتخاذ القرار. وبالنسبة لي، فالقرار يعود للمجلس الوطني المقرر أن يجتمع في سبتمبر المقبل. هل تعتقد أن السلطة وتوابعها في الجزائر مستعدة لسيناريو فوز محتمل لمرشح معارض، ألا تتوقّع تكرار المشهد المصري في الجزائر لو فاز مرشح غير مرشح السلطة؟ الظروف الداخلية والإقليمية تختلف عما عشناه في مواعيد سابقة، حيث كان الفائز معروفا قبل التصويت، وعلى أصحاب القرار أن يأخذوا بعين الاعتبار التحولات الإقليمية وما يحدث في دول الجوار. من المهم جدا في مرحلة نعيش لا حلفاء فيها، أن يغيروا المناهج والأدوات والعقليات، والقضية ليس في إغلاق اللعبة، بل تكمن هل لدى النظام الرغبة في دعم التغيير والدفع بطبقة سياسية جديدة نظيفة غير مرتبطة به. هل تعتقد أن السلطة مدركة لطبيعة التحديات والتهديدات والتحوّلات القائمة؟ النظام مكون من أجيال، وجيل الثورة له منظور مختلف عن نظرة أجيال جديدة في مؤسسات القرار، وهذه الأجيال الجديدة حساسة للرهانات التي تنتظر الجزائر، وربما تأخذها بعين الاعتبار. حاوره: ج.فنينش محمد جهيد يونسي، أمين عام حركة الإصلاح الوطني ومرشح سابق للرئاسيات استبدال شخص بشخص لا يحل معضلات الجزائر تابعتم عودة الرئيس بوتفليقة إلى الجزائر بعد رحلة علاج طويلة، هل ترونه منافسا في الرئاسيات المقبلة؟ أعتقد أنه لم يعد أحد يشك، بما في ذلك جماعة المساندين، في أن الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة شفاه الله وعافاه بعد الوعكة الأخيرة، لم يعد يسمح له بخوض منافسة انتخابية في المستقبل، ولو أراد، لكون إدارة شؤون بلد كالجزائر بكل تعقيداتها تنوء بالرجال الأصحاء الأقوياء، فما بالك بمن هو دون ذلك. غياب الرئيس بوتفليقة المحتمل عن سباق 2014، هل يغيّر قواعد المنافسة واللعبة في الرئاسيات المقبلة؟ لا أظن أن معضلات الجزائر تحل بمجرد استبدال شخص بشخص أو فريق بفريق، بل الأمر أعمق وأعقد من ذلك. فما دامت الجزائر لم تتجاوز عقدة شرعية الحكم، فلا أرى أن المنافسة الانتخابية ببوتفليقة أو بدونه، ستغير من الأمر شيئا، ما لم تكن هنا قناعة وإرادة صادقة لدى الجميع، وبالأخص لدى أولئك الذين يصطلح على تسميتهم بأصحاب القرار الفعليين بضرورة الانصياع لإرادة الشعب في التغيير، والواجب على الجميع، في نظري، هو حتمية الجلوس إلى طاولة الحوار لفض خلافاتنا بطريقة سلمية لا مغامرة فيها، حوار تشارك فيه جميع القوى الحية في المجتمع دون إقصاء أو تمييز أو مفاضلة لفئة على فئة، حوار يفضي إلى توافق وطني. ترشحتم في رئاسيات 2009، رغم أن النتيجة كانت محسومة، هل تكررون المحاولة من جديد؟ لا شيء تغير البتة إلى حد الآن بالنسبة لنزاهة الانتخابات في الجزائر، فالكل يعلم إن كل الانتخابات التي عرفتها الجزائر في مرحلة التعددية الحزبية، ولا أقول المرحلة الديمقراطية، سواء الرئاسية منها أو النيابية، مطعون في شرعيتها. أما مشاركتي من عدمها، لا يمكن أن تختزل في رغبة شخصية، بقدر ما هي خلاصة قرار مسؤول تضطلع به مؤسسات الحركة صاحبة القرار. هل تعتقد أن السلطة وتوابعها في الجزائر مستعدة لسيناريو فوز محتمل لمرشح معارض؟ إن المؤشرات الآنية المتوفرة لدينا تؤكد أن لا شيء في الأفق القريب يوحي بأن أمرا تغيّر، اللهم إلا تبديل بعض الأشكال والواجهات التي اعتاد النظام، عندنا، استنساخ نفسه من خلالها. فالرهان معقود بعد الله تعالى، على وعي الشعب الجزائري بامتلاك مصيره بيده، والرهان كذلك معقود على بقية باقية من أهل الخير والصلاح في مختلف المواقع لتمكين الجزائر من تحول ديمقراطي سلس نحو حياة ديمقراطية سليمة. حاوره: ف.جمال