السيد الرئيس المحترم: بادئا ذي بدء، أصارحكم القول وأخاطبكم بكل صراحة، فأقول لكم بأنني لم أنتخبكم لا في العهدة الأولى ولا في الثانية ولا في الثالثة. كما أصارحكم بأنني من المقاطعين للانتخابات القادمة، ولقد سبق أن عبّرت عن موقفي هذا في أكثر من مناسبة، كما أنني عضو في لجنة الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية المقاطعة للانتخابات. السيد الرئيس المحترم: إنني لم أنتخبكم في العهدة الأولى لسببين رئيسيين: الأول، لأنكم لم تقدموا يومها تفسيرا مقبولا ومعقولا للشعب الجزائري عن رفضكم تولي منصب رئيس الدولة في 1994 لما كانت الجزائر تحترق تحت ضربات الإرهاب الأعمى، ولما كان سعر برميل النفط لا يتجاوز 9 دولار، ولما كانت الجزائر محاصرة عربيا وإقليميا ودوليا، فلجأت إليكم لقيادتها لبر الأمان، ففضلتم الانسحاب في اللحظات الأخيرة ومغادرة الجزائر للمنفى الاختياري بسويسرا أو الخليج. ويومها طبعا، مثلما يقول المثل العامي ”تصايح وتعرف أماتها”، عندها لجأت الجزائر إلى ابن الأوراس الأشم المجاهد والقائد العسكري اليمين زروال الذي لبى النداء من منطلق حبه للجزائر، وقبل التحدي من منطلق واجبه وتكوينه العسكريين من دون أي خلفيات سياسية أو حسابات فردية أو طموحات شخصية، وهو المعروف عنه زهده في السلطة. وكان ما كان... كما أنني لم أنتخبكم السيد الرئيس المحترم في عهدتكم الأولى لسبب ثان، أشد خطورة بالنسبة لي، وهو أنكم يومها لم تأتوا لتطلبوا الشرعية من الشعب الجزائري، وإنما طلبتموها أولا من صناع الرؤساء في الجزائر الذين فرضوكم على رقابنا في مسرحية انتخابية هزيلة ومكشوفة، وبنتائج انتخابية لا داعي للخوض فيها، مما جعلني يومها أمنح صوتي لأحد الفرسان الستة المنسحبين من الانتخابات، على الرغم من أنني كنت عندها لازلت ضابطا ساميا عاملا بالجيش الوطني الشعبي، وعلى الرغم من أنني أدليت بصوتي بالوحدة العسكرية التي كنت أعمل بها... وأختصر مجموعة أخرى من الأسباب التي جعلتني أمتنع عن تقديم صوتي لكم، ومنها مقولتكم أثناء حملتكم الانتخابية ”ارفع رأسك يا أبّا” التي شممت منها رائحة جهوية ضيقة سرعان ما تكرّست، مع الأسف الشديد، في عهدكم وأصبحت قاعدة للحكم. السيد الرئيس المحترم: لقد مرت سنوات العهدة الأولى عليكم بسرعة، وأنتم في نشوة لا تضاهيها نشوة، والجزائر المسكينة في ركود وتقهقر لا يضاهيهما ركود وتقهقر، إذ لا تكادون تنزلون من طائرة حتى تستعجلون الركوب في أخرى، ومشاكل الأمة تتعقد وتنتظر... ومع ذلك، التمسنا لكم الأعذار في البداية وقلنا إن الرجل قد يكون يسعى صادقا لرفع الطوق المضروب على الجزائر وفك العزلة القاتلة التي مرت بها، وإخراجها بقوة من سنوات المحنة والحرب الأهلية إلى بر الأمان والدفع بها إلى مصاف الدول المتقدمة. وأصدقكم القول السيد الرئيس إنني كنت أحيانا أشعر بوخز الضمير لكوني لم أمنحكم صوتي... ولكن مع مرور الوقت ومع اكتشافي لنوعية بعض الرجال المحيطين بكم وتطلعاتهم وتصرفاتهم وانفصالهم التام عن الشعب الجزائري، ازددت قناعة بأنني كنت على صواب عندما حرمتكم من صوتي، إلى أن جاءت لقطتكم الشهيرة مع الأستاذ الجامعي الذي شددتموه من تلابيبه وكدتم تعتدون عليه جسديا أمام الملأ وأمام كاميرات التلفزة، عندها بقيت مشدوها من هول الصدمة وأيقنت بأنني لم أكن أبدا على خطأ عندما حرمتكم من صوتي، لأنني ببساطة تربيت في وسط يعطي قيمة كبيرة للعلم والعلماء ويؤمن بأن ”المعلم كاد أن يكون رسولا”. السيد الرئيس المحترم: مرت عهدتكم الأولى وجئتم تطلبون من الشعب الجزائري عهدة ثانية. وكالعادة، لم أمنحكم صوتي، لأنني كنت قد تيقنت بأن مشاكل الجزائر كلها مؤجلة إلى إشعار آخر، وبأنها لن تعرف لها حلا على أيديكم. كما أنني تأكدت بأن التغيير المنشود لن يحصل أبدا في الجزائر، وأنتم على رأسها. وتوالت المحطات تلو الأخرى والمواعيد تلو الأخرى، وهذه سنّة الله في خلقه، وحبا الله الجزائر بإيرادات مالية ضخمة في عهدكم وكثر اللغط والتطبيل والتزمير لانجازات فخامتكم التي كانت تبدأ من قراءة اليتيمة لتهانيكم الموجهة لرؤساء الدول الأجنبية وملوكها، وقراءة تهانيهم الموجهة لكم أيضا، وكأن عظمة الشخص وأهميته وإنجازاته تقاس بعدد التهاني الصادرة والواردة... وأوشكت عهدتكم الثانية على نهايتها، وكانت المادة 74 من الدستور حاجزا منيعا تفرض عليكم احترام مبدأ التداول على السلطة الذي آمن به وكرسه رجل دولة وقائد عسكري اسمه اليمين زروال وفرضه في الدستور، فلم تجدون بدا ولا حرجا من تعديل الدستور وتجاوز مبدأ التداول على السلطة من أجل فتح العهدات والترشح للثالثة. وكالعادة، لم أمنحكم صوتي هذه المرة وكنت رافضا لتعديل الدستور وتمكينكم من عهدة ثالثة. السيد الرئيس المحترم: على الرغم من المرض الذي أنهككم، وعلى الرغم من الإحباط الكبير الذي أصاب الأمة، وعلى الرغم من القطيعة بين الأجيال التي كرستموها، وعلى الرغم من تراجع دور الجزائر وانكماش دبلوماسيتها، وعلى الرغم من الانهيار المبرمج لمؤسساتها وتفشي الفساد، لدرجة أن أصبحت كل المقاييس العالمية المعمول بها تصنفنا في أدنى المراتب. وعلى الرغم من فقدان الأمل في غد مشرق، استطعتم السيد الرئيس ككل مرة أن تنالوا عهدتكم الثالثة دون منازع. وكان الشعب الجزائري يعتقد أنها ستكون العهدة الأخيرة لكم نظرا لتقدم سنكم، ونظرا لوضعيتكم الصحية الحرجة. وهو في الحقيقة اعتقاد ساذج منا جميعا، لأننا كنا نعتقد بأنكم ستعملون في هذه العهدة على ترتيب بيت الجزائر وتسليم المشعل لجيل الاستقلال الذي أنهكته ”الحرڤة” في عهدكم وأكلته حيتان البحر، وهي ظاهرة جديدة عرفتها الجزائر في عهدكم وتفاقمت بشدة أثناء حكمكم. وتوالت المحطات الهامة في تاريخ الأمة، وبمناسبة الانتخابات التشريعية لماي 2012، أعلنتم بمناسبة إحياء ذكرى 08 ماي 1945 من سطيف عن معاينة هامة لها مدلولها الكبير ولخصتموها في كلمتين صادقتين ومعبرتين ”طاب جناني”. وكان الشعب الجزائري برمته يعرف بأنه ”طاب جنانك” وطاب جنان جيلكم الذي لا يسعدني إلا أن أعترف بأنه كان له شرف تحقيق أكبر إنجاز، وهو استعادة السيادة الوطنية، ولكنه مثلما صرح ذات يوم المرحوم مهري، فإن جيلكم فشل فشلا ذريعا في بناء دولة مؤسسات. وكان الشعب الجزائري برمته ينتظر النتائج الملموسة لهذه المعاينة المعبّرة والصادقة، والتي ينبغي أن تتمثل حتما في انسحابكم النهائي من المشهد السياسي لتتفرغوا معززين مكرمين للاهتمام بصحتكم، ولتأخذوا قسطكم من الراحة، ولتحرصوا على تسليم المشعل ليد أمينة من أجل تكريس التغيير المنشود، ومن أجل الشروع في إعادة بناء كل مؤسسات الدولة على أسس تمثيلية حقيقية وسليمة. ومع اقتراب نهاية العهدة الثالثة، ازدادت، مع الأسف، معاناتكم مع المرض وكنت أنا العبد الضعيف في هذه المرة، شأن معظم الجزائريين، أعتقد جازما بأنكم لن تفكروا أبدا في العهدة الرابعة وصرحت في العديد من المرات عبر وسائل الإعلام بأنكم لن تترشحوا لعهدة رابعة، لأن كل تخميناتي وتحليلاتي كانت مبنية على المنطق السوي وعلى التفكير السليم وعلى معاينتكم أنتم شخصيا. ولكن يبدو أن المنطق الذي تعرفونه أنتم السيد الرئيس ويعرفه المطبلون والمزمرون لانجازاتكم، هو في النهاية منطق مغاير تماما للمنطق الذي أعرفه أنا ويعرفه كل مواطن جزائري سليم التفكير. وعليه، وعلى الرغم من كل الاعتبارات الموضوعية التي تمنعكم من الترشح لعهدة رابعة، إلا أنكم فعلتموها وأصررتم على طلبها، وخرج علينا زبانيتكم المنبوذون والمرفوضون شعبيا يسبون ويشتمون ويبررون ما لا يمكن تبريره، ويخوفوننا من فقدان الاستقرار والسلم اللذان ننعم بهما بفضلكم، ويصورونكم لنا بأنكم المهدي المنتظر وبأننا من دونكم سنكون كالأيتام في مأدبة اللئام. لقد قررتم الترشح لعهدة رابعة وأعلنتم ترشحكم بالوكالة، وأنتم اليوم تخوضون حملتكم الانتخابية بالوكالة مستعملين أبواقا منبوذة ومرفوضة شعبيا وأخلاقيا تمثل قمة الرداءة. ولكن الأدهى والأمر، أنكم تسعون إلى أن تحكموننا بعد 17 أفريل 2014 بقراءة الرسائل المنسوبة لكم في المناسبات الدينية والوطنية وبالوكالة بالانتهازيين المطبلين والمزمرين لإنجازات فخامتكم من أمثال الذين تجاوزوا كل الحدود وسبونا وشتمونا على المباشر. نعم السيد الرئيس، لقد قررتم الترشح لعهدة رابعة وأعلنتم ترشحكم بالوكالة، وأنتم اليوم تخوضون حملتكم الانتخابية بالوكالة، مستعملين أبواقا منبوذة ومرفوضة شعبيا وأخلاقيا، تمثّل قمة الرداءة. ولكن الأدهى والأمر، أنكم تسعون إلى أن تحكموننا بعد 17 أفريل 2014 بقراءة الرسائل المنسوبة لكم في المناسبات الدينية والوطنية وبالوكالة بالانتهازيين المطبلين والمزمرين لإنجازات فخامتكم، من أمثال الذين تجاوزوا كل الحدود وسبونا وشتمونا على المباشر (لأننا لا نحبهم ولا يمكن لنا أن نحبهم أبدا). ومن أمثال الذين تطاولوا على سكان منطقة مجاهدة وغالية على قلب كل جزائري وجزائرية، وهم الشاوية الأحرار أبناء الأوراس الأشم الذين كان لهم شرف تفجير الثورة المظفرة. فلكل هذه الأسباب، السيد الرئيس، فأنا اليوم أشدّ يقينا بأنني لن أمنحكم صوتي أبدا وبأنني سوف أقاطع مهزلة الانتخابات. وأدعو بالمناسبة كل الشرفاء في الجزائر وكل الغيورين على مستقبل الجزائر، إلى مقاطعة الانتخابات، كما أدعو بقوة إلى مرحلة انتقالية حقيقية وإلى إعادة بناء كل مؤسساتنا المنهارة، وإلى احترام الإرادة الشعبية والتقيد بها. وأقول لكم السيد الرئيس، إنه قد بلغ السيل الزبى وبأن الشعب الجزائري (لاسيما الشباب) قد كسّر حاجز الخوف ولم يعد قاصرا، كما أنه لم يعد يقبل أن يدلس عليه ولا أن تزور إرادته.