قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “مَثل المؤمنين في تَوَادّهم وتعاطُفِهم وتراحمِهم مثل الجسد إذا اشْتَكى منه عُضو تَدَاعَى له سائر الأعضاء بالسَّهَر والحُمّى”. فرابطة الدِّين هي أعظم وأقوى الرّوابط على الإطلاق، فهي أقوى من رابطة النّسب الّتي تَنفك بمجرد النّفخ في الصُّور: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} المؤمنون:101. كما أّن رابطة الدِّين تُعدّ أقوى من رابطة الجوار الّتي تنفك بالموت، وأقوى من رابطة المَصالح الّتي تنقطع باختلاف المَصالح حتّى إنّ الأخ قد يقتل أخاه إذا تعارضت المصالح وما خبر ابني آدم منّا ببعيد. وحين تستقر حقيقة الإيمان في القلب، تنبعث انفعالاته المختلفة؛ حبًّا، وبُغضًا، فَرحًا، وحُزنًا، وتتفاوت قوةً وضعفًا بقدر ما يقوم فيه من حقائق الإيمان. ولذلك كان سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم شديد الحرص على المسلمين، عظيم الرأفة بهم، يسرُّه ما يُصلحهم، ويريبه ما يضرّهم، كما وصفه ربّه سبحانه وتعالى بقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} التّوبة:128. وإنّ من حقوق هذه الرابطة الإيمانية أن يهتم المسلم بشأن إخوانه المسلمين وإن اختلفت الأوطان وتعدّدت اللّغات وتباعدت الأجساد، هذا الاهتمام يدفع بالعبد للعمل من أجلهم، لنفعهم، لنصرتهم، لنجدتهم، ولرفع الضيم والظلم عنهم، قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: “مثل المؤمنين في توادّهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسّهر والحمّى”، وقال صلّى الله عليه وسلّم: “المؤمن للمؤمن كالبُنيان يَشُدّ بعضَه بعضًا”. ويكون الاهتمام بأمر المسلمين بالدّعاء لهم، وحُسن التضرّع إلى الله في شأنِهم، وما بدا واضحًا من مساعدة منكوب ومكروب بلا إشكال ولا غموض في الأمر. وقد تَجلَّى حبّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم للمسلمين في كلّ حياته، روى مسلم بسنده عن عاصم، قال: سَمِعْتُ أَنَسًا، يقول: “مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ وَجَدَ عَلَى سَرِيَّةٍ مَا وَجَدَ عَلَى السَّبْعِينَ الَّذِينَ أُصِيبُوا يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، كَانُوا يُدْعَوْنَ الْقُرَّاءَ، فَمَكَثَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى قَتَلَتِهِم”. هذا في حال نقص الأنفس (القتل)، وأمّا في حال نقص الثمرات (المجاعة)، فقد روى مسلم عن المُنْذِرِ بن جرير عن أبيه قال: كُنَّا عِنْدَ رسول اللهِ في صَدْرِ النّهَارِ، قال: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلَالاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} إلى آخِرِ الآيَةِ {إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} النِّساء:1، والآيَةَ الَّتِي في الحَشرِ: {اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ} “تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ -حَتَّى قال- ولَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ”. قال: فجاء رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، قال: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رسُولِ اللهِ يَتَهَلَّلُ، كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فقال رسول الله: “مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ”. واحذَر من خذل إخوانك المسلمين والمساعدة في محاصرتهم، وكان نبيّ الرّحمة عليه الصّلاة والسّلام يقول: “ما من امرئٍ يخذل امرءًا مسلمًا في موطن يُنتَقَص فيه من عِرضه ويُنتَهك فيه من حُرمته إلّا خذله الله تعالى في موطن يحبّ فيه نُصرته، وما من أحدٍ يَنصُر مسلمًا في موطن ينتقص فيه من عِرضه وينتهك فيه من حُرمته إلّا نصره الله في موطن يحبّ فيه نصرته” أخرجه أحمد وأبو داود.