يحكي لنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قصّة رجل غفر الله له؛ لأنّه سقى كلبًا عطشانا، فيقول صلّى الله عليه وسلّم: ”بينما رجل يمشي بطريق اشتدّ عليه العطش فوجد بئرًا فيها، فشرب، ثمّ خرج، فإذا كلب يلهث، يأكُل الثرى من العطش، فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الّذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خُفَّهُ حذاءه بالماء، ثمّ أمسكه بفيه (بفمه)، فسقى الكلب، فشَكَرَ اللهُ له، فَغَفَر له”. فقال الصّحابة: يا رسول الله، وإنّ لنا في البهائم لأجرًا؟ قال: ”في كلّ ذات كبد رطبة أجر (يقصد أنّ في سقي كلّ كائن حي ثوابًا)” رواه البخاري. إنّ الرّحمة خصلة من الخصال الحميدة، فهي الرقّة والعطف والمغفرة. والمسلم رحيم القلب، يغيث الملهوف، ويصنع المعروف ويعاون المحتاجين ويعطف على الفقراء والمحرومين ويمسح دموع اليتامى؛ فيحسن إليهم، ويدخل السرور عليهم. يقول الله تعالى: {كَتَب ربُّكم على نفسه الرّحمة} الأنعام:54. فرحمة الله سبحانه وتعالى واسعة، ولا يعلم مداها إلاّ هو، فهو القائل: {ورحمتي وَسِعَت كلّ شيء فسأكتُبها للّذين يتّقون} الأعراف:156. ويقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ”جعل الله الرّحمة مائة جزءٍ، فأمسك تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمَن ذلك الجزء تتراحم الخلائق؛ حتّى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه” متفق عليه. كما أنّ الرّحمة والشّفقة من أبرز أخلاق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقد وصفه الله في القرآن الكريم بذلك، فقال تعالى: {لقد جاءكُم رسولٌ من أنفسِكم عزيزٌ عليه ما عَنِتُّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} التوبة:128. وقال تعالى عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: {وما أرسلناك إلاّ رحمة للعاملين} الأنبياء:107. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ”ارْحَم مَن في الأرض، يرحَمُك مَن في السّماء” رواه الطبراني والحاكم، وقال صلّى الله عليه وسلّم: ”مثل المؤمنين في تَوَادِّهِم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم؛ مثلُ الجسد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحُمّى” رواه مسلم. فالمسلم رحيم في كلّ أموره؛ يعاون أخاه فيما عجز عنه؛ فيأخذ بيد الأعمى في الطّرقات ليجنِّبه الخطر، ويرحم الخادم؛ بأن يحسن إليه، ويعامله معاملة كريمة، ويرحم والديه، بطاعتهما وبرّهما والإحسان إليهما والتّخفيف عنهما. وقد حذَّر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الغلظة والقسوة، وعدَّ الّذي لا يرحم الآخرين شقيًا، فقال صلّى الله عليه وسلّم: ”لا تُنْزَعُ الرّحمةُ إلاّ من شَقِي” رواه أبو داود والترمذي، وقال صلّى الله عليه وسلّم: ”لا يرحم اللهُ من لا يرحم النّاس” متفق عليه.