يبدو أن سيناريو أبناء الضواحي في فرنسا يتكرر في إسبانيا التي يقيم فيها نحو 20 ألف جزائري، فالانحراف هو الدرب الذي يسلكه الكثير من أبناء جاليتنا المولودين في إسبانيا، حسب مدير مركز “المرافقة” ببرشلونة في إسبانيا الأستاذ عبد القادر مسفان الذي احتك كثيرا بأبناء الجالية المغاربية والجزائرية تحديدا، عبر دورات للمرافقة النفسية يقدمها في إسبانيا لهذه الفئة بالتنسيق مع جمعيات مغاربية. ويقول الأستاذ مسفان الذي زار “الخبر” “يعيش الكثير من أفراد جاليتنا هناك على الإعانات الاجتماعية للدولة بعد الأزمة الاقتصادية التي أثرت على البلاد، وقد ورث هؤلاء فكرهم الاستهلاكي لأبنائهم”، فهم لا يملكون أي مؤهلات تساعدهم على الاندماج في المجتمع وتمكنهم بأن يكونوا فعّالين، فعندما يشب هؤلاء في بيت ليست له ثقافة إنتاجية ولم يتلقوا تربية قائمة على العطاء كقيمة بل على الأخذ فقط، والاتكال على الدولة فلا ننتظر منها الكثير”. غياب التكوين يؤدي إلى الانحراف ويرى المستشار النفسي بأن أبناءنا في إسبانيا يعانون من ضعف الثقة في النفس، مضيفا “عندما يكون المراهق أو الشاب غير مكون ولا يملك أي تأهيل يحجز له مكانا في سوق العمل، تكون ثقته في نفسه ضعيفة ويشعر بالتهميش والإحباط، وبالتالي ستكون ردة فعله عنيفة ويكون الطريق الوحيد الذي يفجر فيه انفعالاته هو الانحراف، والدليل أن الكثير من المراهقين من أبناء جاليتنا يتواجدون في السجون الإسبانية”. وحتى بالنسبة للفتيات اللواتي أكد محدثنا أنهن أكثر تفوقا في الدراسة من نظرائهن الفتيان، لكنهن يعانين أيضا من ضعف الثقة في النفس، “فهن ضحية القاعدة التربوية التي ينطلقن منها والتي لا تسمح لهن بتطوير أنفسهن، لأنه مستقبلهن وحياتهن في اعتقادهن مسطرة، ومهما بلغن من مستوى تعليمي ومهني فسينتهي بهن الأمر بالعودة إلى البلد الأصلي أو الزواج من ابن العم”. وحمل محدثنا الأولياء مسؤولية ما يعترض الأبناء، فهؤلاء أساؤوا استعمال سلطتهم الأبوية، وأردف قائلا “أقوى مكان للحب هو البيت، وأقوى مكان للعنف هو البيت أيضا، فعندما يسيء الآباء استعمال السلطة ينتج سوء استعمال الحرية عند الأبناء. التسلط يولد كل الأمراض، والطريقة المثلى لتجاوز هذا هو تواصل الآباء مع أبنائهم ومشاركتهم في قراراتهم”. وتحدث المختص النفسي عن أزمة الهوية والانتماء التي يعاني منها أبناء الجالية الجزائرية المولودون في إسبانيا، فهؤلاء يعانون صراعا بين الانغلاق أو الحرية المطلقة، وهذا ينتج نموذجين من الأفراد: نوع ينفتح على المجتمع ويتمتع بحرية مطلقة، ونوع آخر ينغلق في المسجد، “وهذا تطرف في كلا الجانبين”. وذكر الأستاذ عبد القادر مسفان أنه من خلال احتكاكه بأبناء الجالية في الدورات التي ينشطها في إسبانيا، وقف على معاناة فئة كبيرة من هؤلاء الشباب والمراهقين من صراع القيم وضعف الانتماء، والأهم معاناتهم من أزمة هوية، “فهم لا يشعرون أنهم ينتمون إلى المجتمع الإسباني ولا ينتمون أيضا إلى بلدانهم الأصلية”. وتحدث نفس المختص أيضا عن المهاجرين و “الحراقة” الذين يصلون إلى موانئ إسبانيا على متن قوارب الموت، لينتهي بهم الأمر في السجون، “لأنهم أيضا لا يمتلكون أي مؤهلات تسمح لهم بولوج سوق العمل، فينغمسون في المخدرات والسرقة”. وذكر محدثنا أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد ساهمت في التقليل من ظاهرة “الحرقة”. وعن المرافقة النفسية للسجناء من أصول مغاربية في السجون الإسبانية التي كثيرا ما يزورها المستشار النفسي بالتنسيق مع جمعيات المجتمع المدني التي تهتم بالجالية المغاربية، ذكر محدثنا أنه يركز في العلاج النفسي على مساعدة السجين لاكتشاف مهاراته ومساعدته على تطويرها دون الحديث عن سلبياته. وأوضح المتحدث حول هذه النقطة “نحن نركز في علاجنا على العودة إلى التأطير الذي تلقاه المراهق في طفولته، ووفق ذلك نحاول مساعدته على تعلم تحمل المسؤولية وتطوير مهارته لاستغلالها إيجابيا عند مغادرته أسوار السجن”. وفي السياق ذاته، أشار محدثنا إلى أن دور التربية في منظومتنا التعليمية انحصر في تقديم المعلومات للتلاميذ واسترجاعها يوم الامتحان، فيما يطالبهم أولياؤهم بالحصول على نقاط جيدة ويهملون الجانب النفسي والعاطفي لهم. وأرجع المختص سبب انهيار منظومة القيم وخروج الكثير من الأبناء عن سيطرة الوالدين، إلى انحصار تعاليم الإسلام في ممارسة الشعائر فقط، دون اقتباس بعده الاجتماعي والنفسي كمنهج حياة يهتم باحترام شخصيات الأولاد وتطلعاتهم، موضحا أنه “لا فائدة من قارئ القرآن إذا كان لا يترجمه في شكل ممارسات اجتماعية وقيم، فهو يدفع المجتمع إلى الارتقاء”.