عبّر نصير بن حالة أستاذ محاضر بجامعة الجزائر ”2” ومتخصص في العلاج النفسي، عن ارتياحه الشديد للوعي الكبير الذي أضحى يتمتع به المجتمع الجزائري تجاه الأخصائي النفساني، حيث قال لدى إشرافه على تنشيط مداخلة بجامعة الجزائر: ”إننا كمعالجين نفسانيين سجلنا في السنوات الأخيرة، إقبالا كبيرا على العيادات النفسية لطلب التوجيه والمساعدة خاصة فيما يتعلق بفئة المراهقين”. لم يعد التوجه إلى عيادة نفسية يسبب الإحراج لبعض الأسر، لاسيما أن التغيرات التي يعرفها المجتمع الجزائري وتحديدا فيما يتعلق بخروج المرأة للعمل والثورة التكنولوجية الكبيرة التي يشهدها العالم، هي عوامل أدت إلى ظهور العديد من الاضطرابات الجديدة التي أثرت على نفسية المراهقين، يقول المعالج النفساني نصير ل ”المساء”. ويضيف: ”غير أن ما لاحظناه على مستوى العيادات الثلاث المتواجدة بالعاصمة التي أجرينا بها الدراسة، أن الإقبال على العلاج النفسي كان كبيرا من طرف المراهقات مقارنة بالمراهقين ، فمن خلال المعطيات التي توفرت لدينا وتبين أن عدد الشباب الذين يطلبون المساعدة النفسية في الجزائر العاصمة، ارتفع كثيرا، غير أن عدد المراهقات من 12 إلى 19 سنة يُعد تقريبا ضِعف الذكور، وأن كل المراهقات اللواتي يتقدمن للفحص يأتين في غالب الأحيان رفقة أوليائهن، الأمر الذي دفعنا إلى البحث عن سبب هذا الارتفاع في هذه الشريحة؛ هل يتعلق بظهور مقاييس جديدة نتج عنها هذا الارتفاع؟ وما هو الدافع الخفي وراء الفحص؟ وهل هناك علاقة سببية بين طلب المساعدة والتحولات الاجتماعية؟ وأضاف محدثنا أنه تَبيّن بعد إخضاع بعض المراهقات للدراسة وجود علاقة وطيدة بين طلب المراهقة للمساعد النفسية وبين التحولات التي يشهدها المجتمع اليوم. ولعل من بين المتغيرات التي ”وقفنا عندها أن المراهقات اللواتي أُخضعن للدراسة ينحدرن مما نسميه في علم النفس ”بالأسرة النووية”، أي الأسرة التي لا تحوي عددا كبيرا من الأفراد، وعادة ما يكون الأولياء موظفين؛ ما يعني أنهم لا يعانون من المشاكل الكلاسيكية المتمثلة في الصراع العائلي الناجم عن الطلاق وما إلى ذلك، وإنما مشاكلهم مرتبطة بالتغيرات والتحولات التي نعيشها اليوم، والتي غيّبت العائلة التقليدية المكوَّنة من عدة أفراد”، يضيف. ”ولعل المتغير الثاني الذي استوقفنا هو التركيز في الحالات المدروسة على الأم العاملة التي أثر غيابها على هذه الفتاة، خاصة في المراحل الأولى من نموها، وبالتالي كل ما تخفيه هذه الأخيرة يعود للظهور في شكل اضطراب في فترة المراهقة، ومن ثمة تشعر هذه الأخيرة بالفراغ النفسي الذي تكوَّن لديها خلال مرحلة الطفولة”. البحث عن البديل في الأنترنت والهواتف النقالة يُعد هو الآخر من أهم المتغيرات، حسب محدثنا، والذي عزّز ربط الإقبال على طلب العلاج النفسي بالمراهقات؛ كونهن يعوضن الفراغ الذي يعشنه بهذا العالم الافتراضي، وفي المقابل نجد الأولياء يعمّقون هذا المتغير بتوفيره لأبنائهم كنوع من البدائل عن الغياب من دون أي رقابة أو توجيه. وكان من بين النتائج الهامة التي توصل إليها المعالج النفساني، أن غياب أو ضعف السلطة الأبوية، بحكم تعبها، وعدم الاستقرار، والتناقض والتذبذب في القيم الأخلاقية التي لم تتمكن من تنظيم مسار المجتمع، وقلة أو غياب المجالات والمساحات الثقافية المنظمة لنشاطات المراهقين، ناهيك عن الانتشار السريع والمهول للأنترنت والهاتف النقال، كلها عوامل زعزعت البنية النفسية الاجتماعية، حيث أصبحت السلطة الأبوية غير قادرة على احتواء مضاعفات هذه الأزمة، الأمر الذي دفع الأولياء، خوفا على المراهقات، إلى التردد على العيادات النفسانية لطلب المساعدة. ولعل من بين الأسئلة الكثيرة التي ردّدها الأولياء يقول محدثنا ”لا أعرف مع من تتحدث ابنتي! أنا خائف عليها من إدمانها الكبير على الأنترنت! تظل ساهرة لوقت طويل؛ لست أدري ما الذي تقوم به!”. الهواتف النقالة والشبكة العنكبوتية وراء ظهور المشاكل النفسية عند المراهقات، حسب المتحدث، لذا ينصح الأولياء بالتقرب أكثر فأكثر من أبنائهم؛ حيث قال: ”ينبغي تجنّب حرمان الأبناء، وتحديدا المراهقات، من استعمال البدائل التكنولوجية؛ لأنها أضحت من متطلبات العصر الحديث الذي فرضه التغير، ولكن، في المقابل، لا بد من مراقبتهم وتجنب حراستهم هذا من ناحية، ومن جهة أخرى، على الأولياء الاستعانة بالمستشار النفساني، الذي يساعد الأسرة على إعادة بناء نفسها بتقديم الاستشارة والعلاج المناسبين”. على الرغم من التحسن الكبير الذي يشهده المجتمع الجزائري في مجال طلب الاستشارة النفسية، غير أن هذا يظل غير كاف، يقول الأستاذ نصير، إذ لا بد من أن يتم تفعيلها على مستوى المؤسسات التربوية بجميع مراحلها، وكذا توعية وتحسيس الأولياء بأهمية التوجيه النفسي الأسري لإقرار نوع من التوازن في التركيبة العائلية التي تواجهها العديد من التحديات في ظل ما يعرفه المجتمع من تحولات.