استهل ناصر جابي، محاضرته التي ألقاها أول أمس ضمن فعاليات النشاط التي تقوم بتنظيمه الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية، بالتعاون مع المكتبة الوطنية بالحامة، بالقول أنه سيتطرق إلى موضوع الدولة في الجزائر والمغرب العربي الكبير، وهي تعيش حالة إعياء وتقلص كبير في شرعيتها، كما عبّرت عن نفسها في أزمة ما سمي بالربيع العربي في 2011. وقال بخصوص هذا “الربيع العربي” بأنه يمكن أن يتحول إلى ربيع أمازيغي في هذه المنطقة، بعد استفادة الحركة الامازيغية المغاربية من حالة الإعياء التي تعيشها الدولة الوطنية. وأوضح جابي أن هذه الحركة الأمازيغية “أقدم من الدولة الوطنية ذاتها رغم مرورها بعدة مراحل وتمظهرها بأشكال مختلفة سياسية وثقافية ومطلبية” . وركزت الدراسة الاستشرافية التي قدمها الأستاذ جابي في محاضرته على أن الدولة الوطنية مرشحة بعد هذا اللقاء التاريخي الذي ستقوم به مع الحركة الأمازيغية في دول المنطقة إلى ثلاث تحويرات أساسية على الأقل . وقال: “سيعاد تعريف هذه الدولة الوطنية من الناحية العقائدية والثقافية. كما أنها مرشحة لأشكال كثيرة من التسيير اللامركزي في المستقبل بعد الفشل الذي حصل للنموذج المركزي اليعقوبي الذي تبنّته بعد الاستقلال وكان وراء الكثير من سوء التفاهم بينها وبين المواطنين الذين أصبحوا أكثر مطالبة بالمشاركة ليس في توزيع أكثر عدلا للثروة، بل السلطة والقرار كذلك . كما استنتج المحاضر ضمن هذه الرؤية الاستشرافية للدولة في المغرب الكبير، أن “هذا التموقع الذي ستقوم به الحركة الأمازيغية سيؤدي لامحالة إلى التسريع في إنجاز الوحدة المغاربية التي فشلت الدولة الوطنية اليعقوبية ونخبها في إنجازه. باعتبار أن الحركة الأمازيغية عامل توحيد كبير لأبناء المغرب الكبير وبين دولهم”. كما تناول جابي نجاحات وإخفاقات الدولة الوطنية فيما أسماه ببناء النسيج الاجتماعي الوطني وعملية الإدماج التاريخي، فقال إن “الدولة الوطنية نجحت في إدماج كبير لأبناء منطقة القبائل عكس الفشل الذي تعانيه في بناء نسيج وطني قوي في منطقة غرداية أو الهڤار”. في الأخير، ركّز الباحث على أن “الدولة ومؤسساتها في الجزائر تعاني عجزا كبيرا في التفكير في مثل هذه القضايا المتعلقة بالاستشراف السياسي والاجتماعي، فالجامعة الجزائرية ومن ورائها النخبة الأكاديمية بعيدة عن مثل هذه الاهتمامات التي تقوم باحتكارها الجامعات والمخابر الغربية لدرجة أننا قد نكون مجبورين في المستقبل على الذهاب إلى الجامعة الألمانية لفهم ما يحصل في غرداية”.