في بادئ ذي بدء أنحني أمام نضال الأجيال من أجل إعادة الاعتبار للأمازيغية باعتبارها مكوّنا أساسيا في هويتنا الجزائرية، كما أترحم على روح الباحث الكبير مولوذ ناث أمعمر (مولود معمري) الذي لم يأل جهدا ولم يدخّر وسعا من أجل بعث الأمازيغية بعثا معرفيا يصب في دعم اللحمة الوطنية والوحدة المغاربية. من الطبيعي أن نتساءل - بعد مرور ثلاثة عقود- كيف حالت بالربيع الأمازيغي الذي طالما رفعنا لواءه عاليا في سماء النضال من أجل إحقاق حق الثقافة الأمازيغية التي غمط ذوو القربى حقها، فكان ذلك أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام تعبير الشاعر العربي طرفة بن العبد. لقد تكلل نضال أنصار الأمازيغية بالنصر، فتم تأسيس المحافظة السامية للأمازيغية، أسندت لها مهمة ترقيتها وتطويرها وتعميمها في الجزائر، والعمل من أجل مساعدة الجزائريين على استرجاع ''وعيهم الأمازيغي''. فأين نحن من كل هذه الأهداف النبيلة؟ هل كانت الدولة مصيبة في تأسيس هذه المحافظة سنة 1994م؟ وهل نجحت في إسناد أمرها لمن تتوفر فيهم الكفاءة بشقّيها المعرفي والسياسي؟ إن ما يستخلصه المرء من إجراء عملية تقييمية أولية، هو فشل الفريق المكلف بالتسيير في تحقيق الأهداف المسطرة. فمن يتحمل مسؤولية الفشل يا ترى؟ هل الدولة هي التي أخطأت في وضع الهيئة المناسبة، أم القائمون على الهيئة؟ لا يختلف اثنان في تحمّل الطرفين لمسؤولية الفشل. فالدولة أخطأت حينما أسرعت في إنشاء المحافظة السامية للأمازيغية تحت تأثير ضغط الشارع، الواقع بدوره تحت هيمنة الحزبين المعروفين بتبنيهما للقضية الأمازيغية، والخطأ يكمن في رأيي في عدم تعامل الدولة مع القضية الأمازيغية ''تعاملا معرفيا'' يخرج من صلب الجامعة، واكتفت بتنفيذ ''تصوّر'' حزب الأرسيدي الذي هيمن على المحافظة السامية للأمازيغية. وصحيح أن شريحة هامة من مناضلي هذا الحزب ناضلت في إطار الحركة الثقافية البربريةح التي كانت بمثابة إكليل النضال المتوّج بالنصر، غير أن ذلك لا يبرر عدم الاستئناس بمخابر الجامعة ولا يبرر عدم فتح نقاش واسعا يشارك فيه الجميع من أجل بناء هيئة سليمة ومتينة تتكفل بترقية الأمازيغية في إطار البعد الوطني، ووعاء الحضارة الإسلامية الأرحب. هذا ولا شك أن عزوف الشباب عن تعلّم الأمازيغية، دليل على فشل تجربة المحافظة السامية للأمازيغية المبنية على تغريب الأمازيغية وربطها بالغرب، من خلال تكريس الحرف اللاتيني في كتابتها. علما أن تراث الأمازيغية الذي وصلنا، تم تدوينه بالحرف العربي طيلة أربعة عشر قرنا، وهذا بشهادة جميع الباحثين النزهاء المهتمين بالشأن الأمازيغي. وما يقلقني أكثر، أن هناك مساع تبذل من أجل التخلي عن اللغة الأمازيغية، واستبدالها بما يسمى ''اللغة القبائلية''، والمستفيد الأكبر من هذا التوجه، هم دعاة الانفصال الذين يتسترون اليوم بقميص الاستقلال الذاتي. ولئن كان الشر في التهويل والتهوين، فإن معظم النار من مستصغر الشرر. إن فشل المحافظة السامية للأمازيغية لا يعني أبدا خفوت وهج الأمازيغية لأنها - فضلا عن كونها مكوّنا أساسيا في هويتنا- فهي أداة معرفية بصفتها وعاء ثقافيا يحتاج إليها الباحث في التاريخ وبقية العلوم الإنسانية لفهم الكثير من دواخل المجتمع الجزائري. *كاتب وباحث في التاريخ