في تصور المحلل رشيد تلمساني فإن مبادرة جبهة القوى الاشتراكية بشأن “إعادة بناء الإجماع الوطني”، عملية علاقات عامة، يصعب تسويقها للمعارضة وللسلطة، لافتا إلى أن الحزب لا يتوفر على وسائل لتجسيد أهدافه. ما هي قراءتك لمبادرة جبهة القوى الاشتراكية لإعادة بناء الإجماع الوطني من حيث التوقيت والأهداف؟ - طوّر الأفافاس في السنوات الأخيرة استراتيجة لبناء جسور مع السلطة، في توجه مخالف لمساره السابق، ومكنه هذا من العودة إلى البرلمان والحصول على مقاعد مثل أحزاب أخرى تطبيقا لمبدأ المحاصصة. وهناك عامل آخر يفسر التوجه الجديد للأفافاس، وهي الصلات القائمة بين الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة ومؤسس الحزب حسين آيت أحمد، فرغم التناقضات والصراع بينهما، هما ينتميان إلى نفس المدرسة الإيديولوجية، وهي الوطنية القومية. والحزب يحاول حاليا احتواء المعارضة التي تعمل على توحيد تنظيم نفسها وإنهاء الصراع بين العصب في الحكم. وما يعيشه هذا الحزب من تحول يلخص توجه النخب السياسية المعارضة في الجزائر للمشاركة في اقتسام “قلب اللوز” أي الريع، هذه النخب تضع قدما لها في ساحة السلطة وقدمها اليمنى في المعارضة، والتجربة التاريخية دلت أن المعارضة التي نجحت هي تلك التي رفضت التورط في الريع. وأضيف عنصرا آخر في فهم مبادرة الحزب، أنها مؤشر على انتصار جيل جديدة من القيادات، على الجيل القديم الأكثر تصلبا في المواقف. الأفافاس أعلن أنه يسعى من خلال مبادرته لتغيير سلمي للسلطة، هل يحوز الحزب على وسائل تنفيذ سياسته؟ - الجبهة الاجتماعية مشتعلة وفي ظل الإضرابات والاحتجاجات فإن النخبة مكتفية بالمراقبة غير قادرة على الانخراط وقيادة هذا الحراك الشعبي، هذه النخب فاشلة، مقارنة بتونس، حيث قادت النخب التحرك الشعبي المطالب بالتغيير فكان لها ذلك، فكل الأحزاب السياسية في الجزائر بما فيها الأفافاس ومجموعة المعارضة الديمقراطية واللائكية، غيبت القضية الاجتماعية من برنامجها. ألا تعتقد أنه من السابق لأوانه الحكم على مبادرة الأفافاس، واتهامه بلعب إستراتيجية السلطة؟ - من الصعب عليه كسب قبول رضا الجميع، الأفافاس غير منحاز لمجموعة ضد أخرى، ويريد تغيير النظام بمساعدة مجموعة بوتفليقة، في حين أن تنسيقية المعارضة تريد التغيير دون مشاركة مجموعة الرئيس. اعتقد أن الأفافاس يحضر الظروف لدخول إلى السلطة راضيا بسياسة الاحتواء التي تمارسها في حقه، وهي خطوة ستكون تكلفتها غالية مثل ما وقع للأحزاب التقدمية والشيوعية في المنطقة ومنها حزب التقدم والطليعة الاشتراكية، هذه الأحزاب شاركت في الحكم وخسرت رصيدها، بل زالت من الوجود. وكما قلت سابقا الأفافاس الجديد يفضل العمل مع المجموعة الحاكمة، لأنه لا يوجد تناقض أساسي بينهما، فعلى عكس الأرسيدي مثلا، تخلت جبهة القوى الاشتراكية عن مطلب حل الشرطة السياسية التي كانت في صدارة مطالبها، بينما الأرسيدي يضعها في صدارة مطالبه. تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي تتهم الأفافاس بمد طوق النجاة للسلطة، ألا تعتقد أنها قراءة سطحية لجوهر مبادرته؟ - السلطة ترفض أي مساعدة، فهي لا تخضع إلا عندما تكون تحت الضغط، وفي المرحلة الحالية هي ترى نفسها أنها في وضع مريح، ثم أن الأفافاس يفتقد لوسائل الضغط، ولم تعد لديه القدرة على تجنيد الشارع، وينطبق هذا على قوى المعارضة الأخرى كالإسلاميين والأرسيدي، وبن فليس وحمروش، رئيسَي الحكومة السابقين. هذه القوى مجتمعة، كما ذكرت سابقا تفضل العمل بعيدا عن الحراك الشعبي والشارع، لأنهم لو يتحالفون معه ويستعملونه سيكونون في موقع تفاوضي أفضل. هل تعتقد بأن مبادرة الأفافاس غير ذات جدوى؟ - لو كانت لحزب جبهة القوى الاشتراكية إستراتيجية حقيقية لعمل مع قوى المعارضة، الأفافاس كما قلت تغير كثيرا، الدليل أنه لم يقف ضد العهدة الرابعة، ولم ينضم للمطالبين بتطبيق المادة 88 من الدستور الخاصة بإعلان شغور منصب الرئيس، ويرفض توظيف الشارع لتحقيق أهدافه. ثم إن المبادرة صيغت من قبل مجموعة القيادة الحالية، ولا صلة لقواعد الحزب بها، وأتصور أن هناك مقاومة في الداخل لهذا التوجه، وانشقاقات خطيرة، والحزب يعيش مرحلة انتقالية، وإعادة هيكلة، لا تضعه في موقع تفاوضي قوي. أنت ترى أنها علاقات عامة فقط؟ - إلى جانب، ما ذكرته سابقا، يمكن القول أنها عملية علاقات عامة أيضا، يستعملها الحزب لتسليط الأضواء عليه، وفي حالة عدم تسويق مبادرته على المستوى السياسي والإعلامي، تعطي للقيادة أدوات لتعزية نفسها، من خلال القول لقد قدمت مبادرة ولكن الخطأ خطأ الآخرين الذين لم يقبلوا بها. وهناك الجانب المتعلق بتحويل أنظار مناضلي الحزب، عن عملية التغيير الجارية في القيادة، لأنه لا يخفى على أحد أن مؤسس الحزب حسين آيت أحمد انسحب من التسيير المباشر، وهو مريض ومسن، وهناك صراع خفي لخلافته ولا نعلم من سيقود الحزب بعده، هل يكون ابنه، أو أحد أقاربه، وهل تتم الخلافة بالتعيين أو بالوسائل الديمقراطية.