كان يرتدي بدلة بنية اللون وقميصا أبيض وعلامات الحزن بادية على وجهه، وجهت له التهمة المنسوبة إليه ورد على أسئلتها وكله ثقة في نفسه “أنا لا أخرب بلدي، نيتي كانت واضحة، تركت الرسائل عمدا للقائمين على هذه المواقع الإلكترونية الحكومية، أنا لم أخترق قاعدة البيانات، وإنما تركت رسائل بالمواقع لمجرد التنبيه بعد أن لاحظت ثغرات، وهي بذلك قابلة للتجسس”. وأضاف عبد العزيز “سيدتي الرئيسة لم أدخل قاعدة البيانات ولم أخربها، دخلت وتركت رسائل للقائمين عليها وعنوان بريدي الإلكتروني في حال ما إذا احتاجوا لمساعدتي من أجل تحصينها”. وتابع قصته للقاضية أمام الحضور الذين غصت بهم قاعة الجلسات “فعلت ذلك لأنهم يعتمدون على أجهزة صينية وهي سهلة الاختراق، ولكني توصلت إلى تحصينها، لقد كانت مجرد رسائل لا تهديدات فيها، فقط أوصيت المشرفين على عدة مواقع حكومية مثل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة المالية ومؤسسة بريد الجزائر، بإلزامية تطوير المنظومة الأمنية وتحديثها تفاديا للاختراق وهجمات القراصنة”. يشار إلى أن هذا الشاب الذي يدرس في مرحلة الماستر بتلمسان، كان قد اعترف أثناء التحقيق معه أنه “دخل المواقع الحكومية بنية التنبيه، وأن مهاراته في التحكم في تكنولوجيا الحواسيب والإنترنت مكنته من اختراق مواقع أمنية أجنبية، مثل ما فعله بموقع منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية التي تتضمن نظام الدفاعات المضادة للصواريخ”. شد عبد العزيز إليه انتباه كل من كان في القاعة، فقد أذهل أساتذة في القانون ودكاترة بجامعة الحقوق، حيث كان يرد على أسئلة القاضية ووكيل الجمهورية بثقة كبيرة في النفس وبوضوح، مستدلا بنظريات ومصطلحات علمية بينت تحكمه في اختصاصه. واصل عبد العزيز الدفاع عن نفسه وعن مهاراته في الإلكترونيات، وعالم افتراضي يخوض فيه حروبا وامتحانات صعبة لتطوير مهاراته، حيث اعترفت القاضية له وأمام الملأ بأنه “أول شخص يمثل أمامها في قضية مماثلة”، قبل أن يلتمس وكيل الجمهورية تسليط عقوبة سنتين حبسا نافذا في حق المتهم و50 ألف دينار غرامة مالية نافذة. دفاع المتهم: وكيلي عبقري ولا توجد خبرة محايدة في ملف القضية أكد دفاع المتهم في مرافعته بأن موكله لا يتلاعب بالمصطلحات العلمية كونها ثابتة غير قابلة لأية تأويلات، موضحا بأن موكله “عبقري، وفضوله العلمي وحبه للوطن دفعه لترك رسائل لتنبيه المشرفين على المواقع الإلكترونية الحكومية، وترك لهم حتى عنوان بريده الإلكتروني”، مضيفا أنه خلال التحقيق معه سلمهم كلمة السر الخاصة ببريده لمعرفة ما إن كان فعلا اخترق قواعد البيانات أو خرب شيئا ما، ولكنه استغرب مواصلة التحقيق معه وإحالة ملفه على العدالة حتى دون الاستناد إلى خبرة تثبت ارتكابه لهذه الجنحة، ملتمسا من رئيسة الجلسة إفادة موكله بالبراءة. وفي حالة عدم اقتناع المحكمة بذلك التمس منها تعيين خبير في هذا المجال والتحقيق من جديد مع موكله استنادا على هذه الخبرة. بريد الجزائر “قمنا بتحسين منظومتنا الأمنية بعد رسالة عبد العزيز” اعترفت مؤسسة بريد الجزائر خلال التحقيق مع هذا الطالب الجامعي، بأنها حسنت منظومتها الأمنية المضادة للاختراقات بعد استلامها رسالته، وعمدت لتحصين مواقعها. الهاكر عبد العزيز ل “الخبر” “أريد خدمة وطني فقط” يدرس عبد العزيز في السنة الثانية ماستر بجامعة تلمسان، ويقول في لقاء مع “الخبر” على هامش جلسة محاكمته “ساهمت في حماية مواقع جامعة تلمسان، ولن أتأخر عن مد يد المساعدة لأية جامعة جزائرية، أنا من عائلة بسيطة وميسورة الحال، أنا الوحيد الذي أستعمل الحاسوب بالمنزل، درست وطورت مهاراتي بواسطة مواقع إلكترونية، وبعد تداول قضيتي إعلاميا، تلقيت مساندة الكثير من الزملاء في الجامعة، وأساتذتي في الكلية أكدوا لي بأن الأزمة التي أمر بها ضارة نافعة. معارك ضد الهاكرز المغربيين وخاض عبد العزيز حروبا إلكترونية ضد هاكرز مغربيين أساؤوا للجزائر باختراق مواقع حكومية، كما تمكن من الدخول إلى منظومة الدفاع الإسرائيلية المعروفة لديهم بالقبة الحديدية، مضيفا أنه شعر بالفخر وهو يفعل ذلك. شركات تطلب يد المساعدة ويكشف محدثنا أنه بعد نشر “الخبر” لقضيته، تلقى اتصالات من عدة شركات تطلب مساعدته في تحصين مواقعهم وقواعد بياناتهم، معربا بأنه يتمنى توظيف مهاراته في خدمة الوطن. المحامي إبراهيم بهلولي ل “الخبر” “فراغ في قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية” يقول الأستاذ إبراهيم بهلولي، محامٍ معتمد لدى المحكمة العليا وعضو في مخبر الملكية الفكرية لكلية الحقوق، في تصريح ل“الخبر”، إنه لا يوجد نص قانوني يتابع من يدخل المواقع الإلكترونية، باعتبار أن قاعدة البيانات هي الحيز الذي تخزن فيه المعلومات والأسرار، وكي تكون هناك متابعة على هذا الاختراق، يجب أن يعمد المخترق إلى إتلاف هذه البيانات والمعلومات بهدف إلحاق الضرر بهذه القاعدة أو المنصة، أو أن يزرع فيها فيروسات تخرب المعلومات، ونستخلص من هذا أن يكون الهدف من خلال اختراقه للقاعدة دائما إلحاق الضرر. وبالنسبة إلى بهلولي، فإن المنظومة القضائية الجزائرية لا يمكنها معالجة هذا النوع من القضايا أمام غياب نصوص قانونية تعاقب على اختراق المواقع، تعاقب النصوص على الجرائم الإلكترونية بمفهومها الحديث وتنوعها، لأن جملة النصوص الموجودة في الجزائر مقتصرة فقط على جرائم تقليد المصنفات، البراءات، الاختراق، والعلامات، وعموما القرصنة والتقليد، لأن النصوص الموجودة حاليا غير مباشرة وغير مواكبة للتطور التكنولوجي الذي أخذته الجريمة: الجريمة الإلكترونية، سرقة المعلومات، اختراق المواقع بهدف التخريب، تحويل الأرصدة البنكية عن طريق الإنترنت.. إلخ. من هو “الهاكر”؟ الهاكر هو المختص الماهر في مجال الحاسوب وأمن المعلوماتية. وتطلق كلمة هاكر أساسا على المبرمجين الأذكياء الذين يتحدون الأنظمة المختلفة ويحاولون اقتحامها، دون أن تكون لديهم النية في ارتكاب جريمة أو جنحة، ولكن نجاحهم في الاختراق يعتبر دليلا على قدراتهم ومهارتهم. إلا أن القانون اعتبرهم دخلاء تمكنوا من دخول موقع افتراضي لا يجب أن يكونوا فيه. والقيام بهذا عملية اختيارية يمتحن فيها المبرمج قدراته دون أن يعرف باسمه الحقيقي أو أن يعلن عن نفسه. ولكن بعضهم استغلها بصورة إجرامية تخريبية لمسح المعلومات، والبعض الآخر استغلها تجاريا لأغراض التجسس، والبعض لسرقة الأموال.