أفرجت الحكومة مؤخرا عن المرسوم التنفيذي رقم 14/292 المؤرخ في 16 أكتوبر 2014، المتضمن إلغاء تصنيف قطع أراضي فلاحية تقدر مساحتها ب3900 هكتار تقع في 18 ولاية تخصص لإنجاز مناطق صناعية. البعض من المختصين اعتبر القرار خسارة كبيرة في حق قطاع الفلاحة، باعتبار أن هذه الأراضي خصبة ومثمرة، في وقت حذر آخرون من خطورة الإجراء، كون هذا الاستثمار سيتم حتما على حساب الأمن الغذائي. وقد بلغت المساحة الإجمالية الموزعة على 18 ولاية، حوالي 3900 هكتار، في كل من عين الدفلى وعنابة وبرج بوعريريج وبجاية والبويرة والشلف وقسنطينة والجلفة والطارف وميلة ومستغانم وسطيف وتيارت وبومرداس ووهران وتيزي وزو والشلف ومعسكر.
الاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين “الاستثمار لا يمكن أن يتم على حساب الأمن الغذائي”
الأراضي الخصبة خط أحمر والرئيس تدخل “لإنقاذ” مئات الهكتارات من الخرسانة والإسمنت
أعلن اتحاد الفلاحين الجزائريين أن القرار الأخير القاضي بتحويل حوالي أربعة آلاف هكتار من الأراضي الفلاحية للعقار الصناعي، اتخذ رسميا منذ سنتين، حيث شرع فعليا في تطبيقه العام الماضي، بإنجاز مشاريع صناعية في مختلف الولايات التي تضمنها المرسوم، غير أنه شدد على أنه لا يمكن “قتل” المساحات الخصبة تحت أي حجة، فالأمن الغذائي، حسبه، هو أكبر منفعة عامة. أفرجت الحكومة مؤخرا عن المرسوم التنفيذي رقم 14/292 المؤرخ في 16 أكتوبر 2014، المتضمن إلغاء تصنيف قطع أراضي فلاحية مخصصة لإنجاز مناطق صناعية على مستوى بعض الولايات، حيث بلغت المساحة الإجمالية الموزعة على 18 ولاية، حوالي 3900 هكتار، في كل من عين الدفلى وعنابة وبرج بوعريريج وبجاية والبويرة والشلف وقسنطينة والجلفة والطارف وميلة ومستغانم وسطيف وتيارت وبومرداس ووهران وتيزي وزو والشلف ومعسكر. وفي تعليقه على القرار، شدد رئيس الاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين، محمد عليوي، في تصريح ل«الخبر”، بأن التنظيم الذي يمثله يشجع الاستثمار “لكن ليس في الأراضي الخصبة..”، وقال إنه لا مانع من تحويل الأراضي الفلاحية الموجودة في المناطق الداخلية للعقار الصناعي، على أن لا يتم المساس بالمساحات الخصبة التي تنتج مختلف أنواع الخضر والفواكه والحبوب. وبحسب عليوي، فإن ضمان الأمن الغذائي، هو أول وأكبر منفعة عامة، لا تضاهيها منفعة أخرى حتى ولو كانت إنجاز طرقات أو مستشفيات، لأن أكبر سلاح تستعمله الدول الكبرى اليوم لفرض سيطرتها هو تجويع الشعوب، وهو تماما، يضيف، ما يحصل حاليا في معظم الدول الإفريقية، فالجوع أكثر دمارا من الحروب، يقول عليوي، ما جعله يحذر كل من يتجرأ على “المتاجرة والبزنسة” بهذه الثروة. واعترف رئيس اتحاد الفلاحين بأن الرئيس بوتفليقة أمر، العام الماضي، بوقف تحويل أكثر من 900 هكتار من الأراضي الخصبة في ولاية بومرداس تبعا لتقرير الاتحاد، حيث وجه تعليمات صارمة لوقف استنزاف الأراضي الفلاحية، باعتبار أن الاستثمار لا يجب أن يتم على حساب الثروة الفلاحية والأمن الغذائي، وهو ما يجسده التدخل القوي للاتحاد، في السانيا بوهران، حينما تلقى شكاوى من المزارعين هناك، تفيد بوجود نية لتحويل مساحات فلاحية لإنجاز 1500 وحدة سكنية، حيث تم “تحرير” بعض المزارع وإعادتها لأصحابها. وفي هذا الإطار كشف محدثنا عن مراسلة وجهها التنظيم الذي يمثله إلى الحكومة، طالب فيها بوقف تحويل الأراضي الفلاحية الخصبة للعقار الصناعي، إلا بشروط، على رأسها، تعويضها بشكل فوري بمساحات أخرى خصبة، بعيدا عن أي تعويض مادي. وفي تعليقه على طبيعة الولايات التي شملتها عملية تحويل الأراضي الفلاحية المتضمنة في المرسوم الأخير، قال محمد عليوي، إن القرار صدر منذ سنتين وشرع في تطبيقه العام الماضي، حيث تم فعليا إنجاز منشآت ومركبات صناعية فوق هذه المساحات، غير أنه أعلن بالمقابل بأن معظم الأراضي المحولة، غير مسقية، على غرار برج بوعريريج، المصنفة حسبه في الدرجة الرابعة، والشلف، بمعنى أن تصنيفها لإنجاز مناطق صناعية لن يؤثر على المنتوج الفلاحي.
كنفدرالية أرباب العمل تشدد على استحداث خريطة وطنية وتحذر “المستثمرون لن يغامروا باستغلال أراض يجهلون خصائصها وطبيعتها الجغرافية” أكدت كنفدرالية أرباب العمل بأن قرار تحويل آلاف الهكتارات من الأراضي الفلاحية إلى القطاع الصناعي، غير كاف وحده لمعالجة النقص الكبير الذي يشهده العقار الصناعي، وإن كانت قد اعتبرت الإجراء المعلن عنه مؤخرا، من بين عدة حلول تنتظر التجسيد، إلا أنها شددت على أن إنجاح مثل هذه التدابير يجب أن ترافقه مجموعة خطوات، على رأسها وضع خريطة وطنية للاستثمار تتضمن معلومات مفصلة عن الموقع الجغرافي للأراضي المحولة، ومدى توفرها على الخصائص الاقتصادية التي تجعلها قابلة للاستغلال الصناعي. وثمّن رئيس الكنفدرالية الجزائرية لأرباب العمل، بوعلام مراكش، القرار الصادر مؤخرا في الجريدة الرسمية والمتضمن تحويل قرابة أربعة آلاف هكتار من الأراضي الفلاحية لإنجاز مناطق صناعية على مستوى بعض الولايات، وقال إن التنظيم الذي يمثله أدرج هذا المطلب الملح في لائحة ظل يناضل من أجل تحقيقها منذ خمس سنوات، بالنظر إلى الأزمة الكبيرة التي تخنق المستثمرين، في ظل ندرة حادة في العقار الصناعي. وحسب نفس المتحدث، فإن هذا القرار ما هو إلا حل من بين مجموعة حلول تنتظر موافقة من الحكومة، على رأسها التعجيل في استحداث خريطة وطنية خاصة بالعقار الصناعي، وبمعنى أدق، فإنه لا يمكن تحويل آلاف الهكتارات إلى عقار صناعي، في ولايات لا يعرف عن طبيعتها وخصائصها المستثمرون أي شيء، مادام كل مشروع صناعي يتطلب بطاقية تقنية عن العقار الذي سيحتويه، تتضمن معلومات تخص خصوصية الموقع الجغرافي لمكان القطعة الأرضية، وكذلك، المنشآت المحيطة بها، ومدى توفره على شبكة طرقات وقنوات توصيل وصرف المياه، وغيرها من المرافق الضرورية التي يسبق تواجدها أي حديث عن استثمار صناعي. ليس هذا فقط، فتحويل هذه المساحات لإنجاز مناطق صناعية، بالصيغة القانونية الحالية، يطرح مشكلا كبيرا يحول دون استفادة المستثمرين الذين يرغبون في استغلالها على قروض بنكية، مادام العقد الذي سيربطهم بها، هو عقد تنازل، فيما تشترط البنوك، يقول مراكش، عقد ملكية لمنح القروض، وهو عائق كبير يصطدم به قرار الحكومة الأخير، ما لم تبادر بوضع مخطط استعجالي لمعالجة هذا الخلل الكبير، من شأنه تحسين العلاقة بين الطرفين، لتسهيل تمويل الاستثمارات. وجدد محدثنا مطلب الكنفدرالية الجزائرية لأرباب العمل، بإنشاء لجنة تحكيم تتولى مهمة تقييم مدى قدرة طالبي القروض من المستثمرين، على تسديدها في الآجال المحددة، إضافة إلى دراسة قابلية إنجاز المشاريع المعلن عنها، على أن تمنح لها صلاحية حرمان كل مستثمر يثبت عجزه عن الوفاء بالتزاماته تجاه البنوك، من أي مساعدة أو قرض، إضافة إلى متابعة مدى احترام هؤلاء المستثمرين لواجباتهم تجاه الخزينة العمومية، وتقيدهم بدفع الضرائب المفروضة عليهم، حيث أعلنت الكنفدرالية استعدادها الكامل للمشاركة في هذا المسعى والانخراط حتى في وضع إجراءات ردعية وعقابية ضد المخالفين، بالموازاة مع استحداث مجلس لأخلاقيات المهنة، على غرار ما هو معمول به في مختلف القطاعات، لوضع آليات تضبط عمليات الاستثمار في المجال الصناعي.
المهنيون يطالبون بتعويض هذه المساحات بعشرات أضعافها “الأراضي المحولة للعقار الصناعي لن تستغل ثانية في القطاع الفلاحي” أكد الأمين السابق لاتحاد الفلاحين الأحرار، بأن جميع المساحات الفلاحية التي يتم تحويلها إلى العقار الصناعي، غير قابلة للاسترجاع والاستغلال في القطاع الفلاحي مرة أخرى، وشدد على ضرورة تعويض الهكتارات المحولة بأضعاف مساحتها، لتدارك الخسارة الكبيرة التي تنجم عن العملية، باعتبار هذه الأراضي خصبة ومثمرة. قال قايد الصالح، بصفته أحد مهنيي قطاع الفلاحة، إن عمليات تحويل الأراضي الفلاحية للاستغلال الصناعي ليست وليدة اليوم، مشيرا إلى أن هذا الإجراء ساري المفعول بصفة غير معلنة، وعلى مدار العام، غير أن المشكل الكبير الذي يخلفه ميدانيا، ينعكس على المنتوج الفلاحي الوطني باختلاف أنواعه، لأن عملية التحويل تشمل أراضي خصبة وذات أهمية كبيرة. ويتسبب ذلك، يضيف محدثنا، في تقليص الإنتاج الفلاحي تدريجيا، مادامت الحكومة لا تعوض المساحات المحولة، وأضاف بأن الميزة الكبيرة التي تخص هذه الهكتارات هو شساعتها وقربها من أسواق الجملة، بمعنى أن تصنيفها لإنجاز مناطق صناعية، سيخلق أزمة حادة في تموين الولاية التي توجد فيها والمناطق المحيطة بها بمختلف أنواع الخضر والفواكه والحبوب، وهي خسارة كبيرة لا بد أن تراعيها السلطات العمومية، من خلال تعويضها بعشرة أضعاف مساحاتها. وقال قايد الصالح إنه على الحكومة استغلال المساحات الشاسعة التي تزخر بها بعض الولايات الجنوبية، والسهبية فهي قادرة، حسبه، على الإنتاج إلى غاية أربع مرات في السنة، من مختلف أنواع الخضر والفواكه والحبوب، واستشهد محدثنا بمناطق زراعية خصبة يمكنها أن تكون بديلا لآلاف الهكتارات التي تم تحويلها في كل من سهل العبادلة ببشار وسهل حملة ببوسعادة وفي بني سليمان بتبلاط. وفي اعتقاد محدثنا، فإن قرار الحكومة التنازل عن هذه المساحات يدخل في إطار المنفعة العمومية، وأن عملية تحويلها لابد أن يخضع لدراسات وتحقيقات تحدد مدى قابليتها وإمكانية تعويضها في مناطق خصبة أخرى، مشيرا إلى أن العملية لا تبعث على القلق، بالنظر إلى الامتيازات الكبيرة التي يتحصل عليها الفلاحون في إطار الدعم الفلاحي، ومكنتهم من استصلاح آلاف الهكتارات في مناطق صحراوية على غرار غرداية والجلفة وخنشلة وبسكرة وسوق اهراس. وقال ممثل اتحاد الفلاحين الأحرار سابقا، إن إجراءات الدعم الفلاحي جاءت في وقتها، بعد الكارثة التي لحقت بالوعاء الفلاحي طيلة السنوات الماضية، حيث حولت الأراضي الفلاحية الخصبة في المتيجة وغيرها، إلى أحياء سكنية وبنايات قصديرية، ولم يسلم جراء ذلك إلا ثلث هذه المساحات.
الخبير الاقتصادي محمد بهلول ل”الخبر” “دول عديدة استغلت المساحات المائية بدل الفلاحية كعقار صناعي” قال الخبير الاقتصادي، محمد بهلول، إن قرار الحكومة تحويل آلاف الهكتارات من الأراضي الفلاحية إلى عقارات صناعية لن يعالج العجز الكبير المسجل في هذا الإطار، ويبقى “ظرفيا” لن يضع حدا للأزمة التي يشتكي منها الصناعيون وما يقف وراءها من ندرة في العقار الصناعي على المدى الطويل. وفي تصريح ل”الخبر”، قال بهلول إن ما قامت به الحكومة ليس سوى حل من بين عشرات الحلول التي أثبتت بمرور السنوات نجاعتها ميدانيا، بفضل التكنولوجيات الحديثة والتقنيات التي تمكن من إعادة تهيئة الأراضي الفلاحية غير المستغلة في قطاع الفلاحة لتوزيعها على المستثمرين الراغبين في الحصول على عقار صناعي. واستشهد الخبير الاقتصادي ببعض الأمثلة التي نجحت في استغلال هذه التكنولوجيات، حيث تحدث عن كوريا الجنوبية، التي رفعت التحدي باستعمال أحدث التقنيات لاسترجاع مساحات مائية من ميناء سيول لإنشاء مطارها الدولي. على صعيد آخر، قال محمد بهلول إنه لا يمكن للجزائر معالجة ندرة العقار الصناعي دون استحداث هيئة متخصصة في مجال تسيير العقارات، تخضع لسوق أعمال خاص فقط بتوزيع العقار الصناعي، ولابد في هذا الإطار، يضيف ذات المتحدث، من وضع ميكانيزمات عملية وناجعة للقضاء على أزمة العقار الصناعي في إطار إصلاحات هيكلية تقوم بها مؤسسات متخصصة، دون اللجوء إلى حلول ظرفية يمكن أن تؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني. ومازال مشكل ندرة العقار الصناعي في الجزائر يؤرق المستثمرين الوطنيين والأجانب، رغم التدابير والتعديلات التي طرأت على العديد من القوانين التي تضمنت تسيير ملف العقار الصناعي، والتي كان من أهمها إنشاء وكالة “أنيراف” المتخصصة في إحصاء عدد القطع الأرضية غير المستغلة في القطاع الصناعي، منها الأملاك العقارية التابعة لمؤسسات عمومية محلة، وإعادة تهيئتها وتوزيعها على المستثمرين في القطاع الصناعي، على غرار العقار الصناعي الذي منح للشركة الفرنسية “رونو” لإقامة مصنعها بواد تليلات بوهران.