إنّ مفهوم رعاية الطفل في الإسلام هو عبارة عن القيام بحفظ الطفل من كلّ ما يضرّه والقيام بلوازمه وشؤونه على أكمل وجه بما يحقّق حاجاته المتنوّعة ونمو شخصيته بشكل سليم ومتوازن وفق منهج الإسلام وتعاليمه. ورعاية الأطفال واجبةٌ، وحبُّهم قرب إلى الله، كما قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: “لولا أطفال رُضَّع، وشيوخ رُكَّع، وبهائم رُتَّع، لصُبَّ عليكم العذاب صبًّا”، فقد جعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأطفال سببًا في عدم نزول العذاب. والطفل في الإسلام أمانة في يد المسؤول عنه، ووديعة أودعها الله الأبوين، ولذَا فعلى الأبوين أن يقومَا بما يحفظ عليه سلامته وأمنه، لأنّه أمانة عندهما وهذا ما نجده ظاهرًا في نصوص الشّرع الشّريف في الكتاب والسُّنَّة، فتارة يقرن مسؤولية حماية الوالدين لأنفسهما بحماية الأهل بما فيه الأولاد فيقول تعالى: “يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا قوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ” التّحريم 6. وتارة يؤكّد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على هذه المسؤولية بقوله صلّى الله عليه وسلّم: “كلُّكم راع، وكلّكم مسؤول عن رعيته، الرّجل راع في بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها”. وتعتبر رعاية الطفل وتربيته في حضن والديه أسمَى وسيلة من وسائل التّنشئة الاجتماعية المتكاملة نظرًا لما أودع الله فيهما من حنان وحبّ وعطف لأبنائهم، وقد أكّد القرآن والسّنّة على مسؤولية الوالدين تجاه أبنائهم وحذّرَا من كلّ إخلال بهذا الأمر. وفي حالة فقدان الوالدين يتولّى المسؤولية أقرب النّاس إلى الأطفال وألصقهم بهم وأكثرهم عطفًا وحنوا عليهم. وفي حالة فقدان الأقارب يتوجّب على المسلمين المتكافلين إيجاد أسرة بديلة تكفلهم وتهتم بهم دون تبنّيهم أو إلحاق نسبهم بهم. إنّ الإسلام وصّى باليتامى ودعَا إلى إكرامهم والعطف عليهم حتّى لا يحسّوا بأيّ نقص أو تهميش أو فراغ عاطفي. ومن أهم حقوق الطفل على أسرته ما يلي: حقّ النَّسب: والّذي حفظه الله بتحريمه للزِّنى وتشريعه للزّواج. قال تعالى: “وَهُوَ الّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا” الفُرقان:54. حقّ النّفقة بالمعروف: على الأب أوّلًا، فإن لم يوجد فعلَى الأقربين، وإلّا فَعلى المجتمع والدولة القيام بذلك، وإذا كان الشّارع قد كفل للطّفل حقّ النّفقة له على والده إلى أن يتمكّن من كسب المال بنفسه، فقد أوجب الشّارع على الوالدين أن يعدلَا بين أولادهما في العطف والرّعاية والحنو والعطايا، حتّى لا توغر التّفرقة بينهم في ذلك صدورهم، أو تنشئ بينهم العداوة والبغضاء. حقّ الحضانة: على الأبوين معًا، وفي حال الطلاق تسند للأم ثمّ الأب ثمّ أمّ الأم ثمّ للأقارب الأكثر أهلية، أمّا اليتيم فكفالته تجب على المسلمين. حقّ اللّعب: باعتباره أوّل مدرسة يتعلّم فيها الطفل التّفكير والتّعبير والاستمتاع بكلّ ما يسترعي حبّه واهتمامه. فقد روي عن معاوية أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “مَن كان له صبي فليتصابي له”، وما كان يفعله رسول الله مع سبطيه خير مثال لما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين الوالدين وأولادهما، فقد كان صلّى الله عليه وسلّم، يمكّنُهما من الصّعود على ظهره، ولا يقوم من سجوده حتّى ينزلَا خشية أن يؤذيهما، وكان يحمل أمامة بنت ابنته زينب في الصّلاة ويضعها حين سجوده، ثمّ يعاود حملها في قيامه، وهذا يقوم بإشعار الطّفل بالأمن والسّكينة والحبّ، ممّا يكون له أثره في تنشئته نشأة سوية. حقّ التّربية والتّعليم: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “حقّ الولد على والده أن يعلّمه الكتابة وأن يحسن اسمه”. حقّ الدِّين: فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: “ما من مولود إلّا يُولَدُ على الفِطرة فأبواه يُهَوِّدَانِه أو يُنَصِّرَانِه أو يُمَجِّسَانِه”. كما تترتّب عن مرحلة الطفولة حاجيات خاصة تختلف عن بقية المراحل الأخرى، حيث يجب على الوالدين رعايتها، ومن ذلك: الحاجات الغذائية والجسدية: والّتي يسعى الأب إلى تلبيتها وتوفير كلّ الضّروريات في هذا المجال، وهو بذلك يقوم بواجبه أوّلًا و يحصل على الأجر العظيم منه سبحانه أخيرًا. الحاجات النّفسية والعاطفية: والّتي يجب الاهتمام بها كثيرًا نظرًا لما تتميّز به مرحلة الطفولة من هشاشة وضعف، فيجب ملاعبتهم ومداعبتهم والرّحمة بهم والتّصريح بالحبّ لهم أسوة بسيّد الخلق صلّى الله عليه وسلّم. الحاجات التّربوية والاجتماعية: والّتي أوجب الإسلام على الوالدين تدريب أبنائهم وتأديبهم وتعليمهم وتربيتهم على القيم الإسلامية حتّى يكونوا صالحين لأنفسهم ومجتمعهم ومؤهّلين لتحمّل المسؤولية بنجاح. فأوجب على الوالدين أن يُعلِّمَا أولادهما ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، ومنه تعليمهم كيفية الطّهارة والصّلاة، فقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: “مُرُوا أولادكم بالصّلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر”، بل إنّ الشّارع حرم على الوالدين الدّعاء على أولادهما, خشية أن يوافق الدّعاء ساعة إجابة فيُصيب الولد ما دعي به عليه، إذ روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: “لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم”. *كلية الدراسات الإسلامية قطر