هل دفعت الحكومة الفرنسية مالا (فدية) لخاطفي سارج لزارفيتش، مقابل الإفراج عنه ؟ هذا السؤال يطرح حاليا بقوة في فرنسا وفي الدول التي تتعامل بحساسية مع قضية الفدية مثل الجزائروبريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية. والمؤكد أن فرنسا خضعت لشروط القاعدة المغاربية، حتى لو لم تكن شروطا مالية، إذ دفعت الحكومة المالية للإفراج عن جهاديين تورطوا في خطف نفس الرهينة. صرح هيرفي موران، وزير الدفاع الفرنسي سابقا (2007- 2010)، أثناء نقاش حول القضية نظمته “كنال بلوس”، الليلة ما قبل الماضية، أن فرنسا سبق أن دفعت فدية لجماعات إرهابية، وتم في المقابل إطلاق سراح رعاياها الرهائن. وأوضح أن بريطانيا على عكس فرنسا، ترفض مبدئيا التفاوض مع الإرهابيين تحت أي مبرر. ولا يوجد أي شك لدى الطبقة السياسية الفرنسية، والرأي العام المحلي، بأن القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي قبضت مالا نظير تمكين لزارفيتش، ذي الأصول الصربية، من استعادة حريته. وأكَد المتحدث باسم الحكومة الفرنسية ستيفان لوفول، أمس، تفاوضها مع الخاطفين، لكنه تحاشى الخوض في قضية “المقابل” الذي دفعته. وقال بالتحديد إن “المفاوضات (مع القاعدة) أجرتها فرنسا ودول تشاركها في الحرب على الإرهاب”. ونقلت عنه “لومونود” أنه يجهل الأخبار التي تناولت الإفراج عن جهاديين كانا معتقلين بمالي، طلبتهما القاعدة مقابل إطلاق سراح لزارفيتش، إذ قال: “لقد سمعت بذلك، ولكني لن أغامر بالتعليق على أشياء لا أعرفها”. وذكر الموقع الإلكتروني الموريتاني، “صحراء ميديا”، أن السجينين وهما أخوان غير شقيقين، متورطان في اختطاف لزارفيتش من مدينة هومبوري عام 2011، وفي تسليمه لعناصر القاعدة. وألقى الأمن المالي القبض عليهما بعد أيام قليلة من حادثة الاختطاف. وحاول أحدهما الفرار من السجن في جوان الماضي وقتل اثنين من الحراس، وألقي عليه القبض وأعيد إلى السجن. ونقل الموقع عن “مصادر أمنية”، أن مبادلة الرهينة الفرنسي بالسجينين السلفيين، تم ليلة الإثنين إلى الثلاثاء الماضية. وأثارت القضية حفيظة نشطاء حقوقيين ماليين، الذين انتقدوا خضوع حكومة بلادهم لإملاءات الفرنسيين. وتحدثت منظمات حقوقية غير حكومية مالية، أمس، عن إطلاق سراح 4 مساجين إسلاميين، بناء على طلب من فرنسا، وهم محمد آلي أغ وادوسان، وهيبة أغ آشريف، أسامة بن غوزي وحبيب ولد ماحولود. ووصفت الأربعة بأنهم “ضالعون في خرق خطير لحقوق الإنسان في مالي”. فيما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن “مسؤول بالأمن المالي”، أن أحد المقربين من الترڤي المالي إياد آغ غالي زعيم “أنصار الدين”، هو من قاد المفاوضات التي أفضت إلى إيجاد نهاية سعيدة لأزمة الرهينة. وصرَح فلوران جيل، مسؤول الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، فرع إفريقيا، للوكالة الفرنسية، أن السلطات المالية أفرجت عن المساجين “تحت ضغط فرنسا”. واعتبر ذلك “مفارقة” على أساس أن العملية تخص أشخاصا كانوا سببا مباشرا في خطف لزارفيتش. من جهته، ذكر لويس كابريولي، مستشار مجموعة “جيوس” الأمنية الخاصة حاليا، مسؤول فرع مكافحة الإرهاب بجهاز الأمن الداخلي الفرنسي سابقا، لإذاعة فرنسا الدولية، أن المفاوضات لم تكن سهلة وإلا لكان لزارفيتش استعاد، حسبه، حريته منذ عام بمناسبة إطلاق سراح أربعة فرنسيين اختطفوا من منجم اليوارنيوم الذي تستغله مجموعة “أريفا” في النيجر. وفسر كابريولي طول مدة احتجاز الرهينة بكون شروط القاعدة كانت كبيرة، وأن السلطات الفرنسية لم توافق عليها. ولم يستبعد المسؤول الاستخباراتي سابقا دفع فدية من جانب الفرنسيين، بعدما خفَض الخاطفون من القيمة المالية التي طلبوها في بداية المفاوضات. ومع وجود قرائن قوية تفيد بأن الفرنسيين دفعوا، من جديد، فدية للجماعات الإرهابية، ينتظر أن تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية مزيدا من الفتور في شقها المتعلق بمحاربة الإرهاب. ولا يوجد أدنى شك بأن هذه القضية تثير استياء بالغا لدى السلطات الجزائرية، التي لم يصدر عنها رد فعل رغم أنها تظهر حساسية شديدة إزاء موضوع الفدية الذي تعتبره إسهاما في تنمية قدرات الجماعات الإرهابية. ومن المفارقات أن القضية جرت في نفس اليوم الذي دعا فيه وزير الخارجية، رمطان لعمامرة، إلى “إضفاء بعد عالمي على تجريم دفع الفدية”!.