الجملة المستوحاة من التراث الإسلامي تفيد لتعمل على قاعدة فقهية “خلق اللّه الإنسان حرا..” ولكن الدساتير الكونية والقوانين المعدلة والمتممة تعمل على قاعدة قانونية لتجعل من هذا الإنسان في كل مكان مكبلا مقيدا بالأغلال، وفق مسطرة “حريتك تبدأ عند نهاية حرية الآخرين”. إلا أن علماء الاجتماع يروجون لفكرة غاية في البساطة والوضوح، ألا وهي أن الحاكم هو “متعاقد” مع الشعب بعقد يسمى “الدستور”، محدود المدة، ومحدود الصلاحيات، ضمن ضوابط تحددها مجموعة من البنود، في جوهره بند ثابت، هو أن الحاكم ليس هو الدولة، كما قال لويس الرابع عشر، بل هو موظف لدى الشعب، معرض للمراقبة والمحاسبة من قبل الشعب. هذه الفكرة في جوهرها رائعة تتمحور حول لمن الأسبقية: للعقل أم العاطفة؟ هناك من جعل العقل أولا ثم تأتي العواطف مقيدة بقيود العقل، مثل المفكر العظيم فولتير، حين اعتبر أن حرية الإنسان سابقة عن حرية الأرض، معتقدا أن البشر خلقوا ليعمروا الأرض. نتذكر دائما أن النعمة السائدة قد تنقلب إلى نقمة إذا غاب مشروع السياسة العامة، لأن تفريغ المؤسسات وانعدام الخيال السياسي والعيش على أطلال الماضي التليد بأحقية جيل نوفمبر على جيل جويلية في إدارة الكفة السياسية، حتى إكمال مساراته الديمقراطية والاجتماعية، أدى تلقائيا لاستدعاء مشاريع أخرى، بحكم أن الفراغ ممنوع فيزيائيا. فعندما تفرغ الكوب من الماء يدخل إليه الهواء، وعندما لا تعطى ابنك المعلومات الضرورية للحياة، فسيقوم الآخرون بوضع تلك المعلومات على طريقتهم. كان من الممكن إيجاد مشروع وطني عام يتسم بالحقيقة والواقعية، ويكتسب بعض الأرضية، ولكن للأسف فإن أصحاب هذا الاتجاه من ممارسي السياسة من أحزاب ومنظمات كرسوا كل جهودهم للبزنس وتكديس المال باعتباره مشروعا في حد ذاته، وقد تم التعبير عن تلك الطبقة أبلغ تعبير (أصحاب الشكارة)، حيث تم تعريف الشخصية الجزائرية بأنها قد كفرت بكل شيء إلا المال والمال فقط. أعيد التذكير بأن بلدا مثل الجزائر لا يمكن حكمها إلا بمشروع سياسي يشارك فيه الجميع، وأن الخيارات ليست كثيرة، وهي حاليا أربعة خيارات بشكل حصري : -المشروع الإسلامي، باعتبار أن الجزائر جزء من أمة الإسلام. -المشروع العربي الأمازيغي، باعتبار أن الجزائر جزء من هذين العالمين. -المشروع الغربي، باعتبار أن الجزائر “قطعة محاذية لأوروبا”. -المشروع الوطني العام، باعتبار أن الجزائر يمكن أن تكون قاعدة مستقلة ومكتفيه بنفسها ولديها مجال حيوي في الجنوب الواسع كما تملك اليد الهائلة والمتأهلة، لا خير ولا أفاق مشرقة إلا من الجنوب الواسع. هذا التنوع الهائل يحفز لإنشاء عقد سياسي اجتماعي تعود فيه المؤسسات السيادية للشعب لتعمل لصالح الشعب، لأن كل من له بصر، حتى ولو متوسط المدى، يستطيع أن يعرف نهاية الطريق الغامض والمظلم الذي يسوقنا القدر إليه، وقد يكون للقضية أبعد من ذلك. القضية تخص إخفاق رؤيا إستراتيجية تتكلم عن تحديد لأولويات في السياسة وفي التنمية، وفي المجتمع. قد نحتاج لرجل إجماع يكون وراءه رجال، مثل أبراهام لينكولن أو نيلسون مانديلا، لكي تتم المصالحة مع الأجيال ومع الوطن. [email protected]