هل سيدفع هبوط سعر البترول السلطة إلى مراجعة حساباتها وفي مقدمتها علاقتها بشركائها السياسيين، بعدما دفعتها الطفرة النفطية إلى سنوات من التسلط والتراجع عن المكتسبات الديمقراطية؟ إن قوة السلطة في الجزائر من قوة سعر برميل النفط، وتراجع سعر هذا الأخير في البورصات الدولية من شأنه أن يقلل من “تغول” منظومة الحكم ويدفع أكثر للاقتراب من الخصوم، لأنه ليس بمقدور السلطة مواجهة انتقادات المعارضة ومطالب الشارع في آن واحد بمفردها، بل هي بحاجة لعبور منطقة الاضطراب الجوي الذي تسبب فيه تدني برميل النفط، على الأقل كسب الخصوم أو تحييد ورقة تأليب الرأي العام ضد السلطة التي لم تعد تملك حقن الريع البترولي لتهدئة جبهة اجتماعية وسياسية مرشحة للغليان أكثر بمجرد بداية صدور قرارات “التقشف” ونداءات شد الأحزمة. وزراء الحكومة يغيرون اللهجة بفعل تراجع مداخيل الدولة السلطة تنتقل من نبرة “التغول” إلى خطاب الاستعطاف رافق تراجع أسعار النفط التي فقدت 50 بالمائة من قيمتها في ظرف قياسي، تغير في سلوك الحكومة يحمل أكثر من دلالة، منها قلة خرجات الوزراء إلى الولايات وانطفاء صوت الوزراء الذين أطلقوا “وعودا” بالجملة على المواطنين، وهي مؤشرات تعني أن سحابة “الأزمة” المالية بدأت تلقي بظلالها على كاهل السلطة. تحولت أنظار وزراء الطاقم الحكومي، من توزيع الوعود والبرامج التي لم ير أغلبها النور، مثلما سجله تقرير مجلس المحاسبة في تقييمه لاستهلاك موارد ميزانية الوزارات، إلى مراقبة أخبار البورصة الدولية لأسواق النفط لعلها تحمل أخبارا غير تلك التي تحدث عنها محافظ بنك الجزائر، محمد لكساصي، الذي اعترف بعدم قدرة الجزائر على مواجهة “الصدمة”، إذا استمر تراجع البترول طويلا، عكس السعودية التي قال وزير البترول والثروة المعدنية السعودي، علي النعيمي، في تصريحاته، أول أمس، بأنه بإمكان الاقتصاد والصناعة السعودية تحمّل تذبذبات مؤقتة للنفط وأن السعودية ماضية في سياستها المتوازنة بشكل راسخ وقوي. وإذا كان تراجع أسعار الذهب الأسود قد جعل العملة الروسية تهوى قيمتها بشكل كبير، ويجد الرئيس بوتين نفسه يواجه حالة اختناق لاقتصاد بلاده، فإن لجوء الوزير الأول، عبد الملك سلال، لعقد اجتماعات استعجالية مع وزرائه لبحث كيفية التوجه إلى الجزائريين مستقبلا بدعوتهم لشد الحزام، قد ظهرت مع تغير خطابات الوزراء الذين خفت لديهم لغة “الانتصارات” وحلت محلها نبرة “الله يستر”. وتكشف إعلانات الطمأنة التي يجتهد أكثر من وزير في إرسالها، من أن الدولة ستبقي على الدعم ولن تمس الزيادات أسعار المواد الأساسية واستمرار برامج دعم النمو والسكن الاجتماعي وغيرها، أن السلطة شرعت فعلا في ممارسة “زبر” المشاريع والاقتطاع من الميزانية وغربلة “الأولويات”، لكن لا يراد الكشف عنها رسميا، بالنظر إلى حالة التوتر الاجتماعي والغليان الذي يطبع الشارع. هذه المعطيات ستدفع السلطة التي ظلت لسنوات منفردة في قراراتها، إلى التقرب من خصومها في المعارضة، لأن السلطة التي استطاعت شراء الهدوء الاجتماعي من خلال توزيع الريع، ليس بمقدورها الاستمرار في ذلك وقد جفت المنابع أو تكاد، ما يعني أن ورقة الشارع ستميل لفائدة خطاب المعارضة التي ترى في هبوط أسعار النفط عاملا مساعدا لإقناع المترددين بضرورة “التغيير” الذي تطرحه، كما ترى فيه أيضا بأنه سيقلل مما تسميه المعارضة “تغول” السلطة التي رفضت لسنوات التعاطي الإيجابي مع مطالبها. وتاريخيا، تعتبر المحطات التي اضطرت السلطة لتقديم تنازلات سياسية خاصة، هي المحطات التي شهد فيها البترول انتكاسة في الأسعار، فهو الذي مهل لدستور 89 الذي أقر التعددية الحزبية بعد انتفاضة أكتوبر 88، وهو الذي عجل بدستور 96 الذي كرس التداول على السلطة بتحديد العهدة الرئاسية بعهدتين فقط، بينما تم التراجع عن هذه المكتسبات الديمقراطية بمجرد أن رجعت الطفرة النفطية التي غذت الفساد وتزاوج فيها المال الوسخ بالسياسة، أكثر من مساهمتها في حل مشاكل الجزائريين الذين مازال ملجأهم الشارع لتحقيق المطالب. المعارضة تنتظر نزول السلطة من برجها العالي تراجع سعر النفط “حجر ثقيل” في ميزان التغيير بالجزائر هل يمكن اعتبار التراجع المرعب في أسعار النفط محددا وحيدا لتنازلات مفترضة من قبل السلطة لفائدة المعارضة، بعد أن تم تحييد افتراضات تعددت وتلاحقت، على قبضة من النظام رفض بالمطلق التجاوب مع مبادرات خصومه السياسيين على مدار السنوات القليلة الماضية؟ لم تتفاجأ المعارضة من رد فعل سلطة كثيرا ما اتهمتها بتوظيف ريع النفط في شراء السلم الاجتماعي، والانفراد بسلطة القرار بما يخدم بقاءها. وطالما أن المعارضة تعتبر البترول “نقمة” في وجه تطلعاتها بالتغيير، فإن تراجع أسعاره صار “رهانا” يحضر فيه خصوم النظام “حضنا” في الأسفل لتلقي سلطة يريدونها أن تسقط، بين أيديهم، من أجل التفاوض “بمعطى جديد”، لا تجد فيه السلطة حبلا متينا تتمسك به حتى تستمر في كبريائها وبالتالي افتكاك تنازلات، أدناها قبولها بالجلوس إلى طاولة التفاوض، دونما حساب “كم ستربح المعارضة وكم ستخسر السلطة”. وحتى مع تراجع مداخيل البلاد من العملة الصعبة، لا يبدو أن نزول السلطة عن علاها أمر بسيط، قياسا بتصريح عبد القادر بن صالح، من أن خرجة المعارضة بمطلب انتخابات رئاسية مسبقة، مجرد “شطحات”، ثم “إدانة” مؤسسة الجيش المعارضة على ما أسمته “تحريضا” أو “عملا بالوكالة”، في العدد الأخير من مجلتها. وبالتوازي، تطلق السلطة، من خلال روافدها السياسيين، تطمينات بعدم التأثر بتراجع مداخيل البلاد، رغم توقيفها العديد من المشاريع، ورغم تحذيرات خبراء من الانهيار وظهور بوادر “أكتوبر ثان”، مثلما يرى سيد احمد غزالي وجاب الله ومن والاهما الرؤية في فلك الخصوم. والسؤال المطروح هو: إلى أي مدى سيكون “الدولار” ثقيلا في ميزان التغيير، علما أنه كان كذلك، في نهاية الثمانينيات، عندما أدى تدهور أسعار النفط إلى حالة انهيار، أنتجت بدورها انفجارا سياسيا بثورة 5 أكتوبر 88 التي دفعت الشاذلي إلى تبني إصلاحات تعددية، أدت إلى الوضع الذي يعرفه الجميع؟ صمدت السلطة أمام سهام المعارضة، وأكثرها توالت عليها من قبل قادة تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي، منذ ما قبل انتخابات العهدة الرابعة، 17 أفريل. ورغم تمكن أطياف خصوم السلطة من التوحد، بتقريب الإيديولوجيات ضد من اعتبر “العدو المشترك”، بين إسلاميين وعلمانيين، ووسطيين بين التيارين، ساد اعتقاد يفيد بقرب نزول السلطة من برجها العالي لتقدم تنازلات لمعارضيها، ولو لإسكاتهم مرحليا، لكن، ندوة زرالدة التي حققت استقطابا سياسيا وإعلاميا، شهر جويلية الماضي، والتي قدمت على أنها “بيان نوفمبر ثان”، ورغم أنها أربكت السلطة، إلا أن الأخيرة أدارت لها ظهرها، وتجاهلتها مثلما تجاهلت أكثر من أربع مبادرات سياسية، وإن اختلفت في مضامينها فإن هدفها كان واحدا، هو تغيير النظام بطريقة سلسة، وراحت اجتهادات تناقش إن كان التغيير سيتم “مع النظام أو ضد النظام”، وخاضت المعارضة، مطولا، في هذه الجدلية، حتى كادت تفجرها من الداخل، بعد انسحاب “الأفافاس” من التنسيقية وإطلاقه مبادرة خاصة به، وفي النهاية، لم تعترف السلطة بمطالب التغيير “لا مع النظام ولا ضد النظام”. فهل سيحقق سعر النفط ما عجزت عنه المبادرات السياسية؟ حوار الناشط السياسي والباحث محند أرزقي فراد ل”الخبر” “المعارضة ستكون في وضعية مريحة لتجنيد الرأي العام“ ما هي التداعيات المتوقعة سياسيا على السلطة والمعارضة بعد انهيار أسعار البترول؟ لا يختلف اثنان على أن انهيار أسعار البترول والغاز يشكل خطرا على الجزائر، لذا لا أتمنى أن تعيش الجزائر مرة أخرى ما عرفته من انهيار أسعار المحروقات خلال فترة ثمانينيات القرن الماضي، وما نجم عن ذلك من مشاكل كبيرة. ومن دواعي الأسف أن النظام السياسي التسلطي لم يستخلص العبرة من تلك الكارثة التي كادت تدمّر الدولة الجزائرية. ولا أعتقد أن حكامنا قد غيّروا من طبعهم، لذا أتوقع أن يستمرّوا في نهج سياسة الهروب إلى الأمام والمغامرة والمغالطة، من أجل صون مصالحهم الشخصية، على حساب مصلحة الجزائر. أمّا المعارضة، فستجد نفسها في وضعية مريحة إزاء الرأي العام الذي سبق لها أن حذرته مرارا من مغبة السياسات الفاشلة للسلطة، ومن ثمّ أتوقع أن تستمر في تجنيد الجماهير وتعبئة الرأي العام حول مشروعها الرامي إلى فرض مرحلة انتقالية، كضرورة ملحة للخروج من هذا النظام السياسي الفاشل، واستبداله بنظام ديمقراطي يحترم السيادة الشعبية. هل سيزيد انهيار أسعار البترول من الهوة بين السلطة والمعارضة أم سيقرب بينهما؟ بالنظر إلى غياب مؤشرات حسن النية لدى النظام السياسي القائم، واستمراره في تجاهل المطلب الديمقراطي ومواصلته تضييق الخناق على المعارضة من خلال تعطيل نشاطاتها عن طريق الإدارة، ومن خلال رفض اعتماد أحزاب جديدة (علي بن فليس وكريم طابو)، وحرمانها من حقها في استعمال المنابر الإعلامية العمومية، بل وأكثر من ذلك دفعت الوقاحة بالسلطة إلى درجة طرد جمعية الإرشاد والإصلاح ذات النشاط الاجتماعي الخيري، من مقرها بطريقة تعسفية تبرز مدى حقدها على المعارضة، لهذه الأسباب كلها لا أتوقع أي تحسن في العلاقات بين أصحاب السلطة والمعارضة، رغم أن هذه الأخيرة قد مدّت يدها للحكام سواء عبر توصيات ندوة زرالدة، أو عبر النداء الذي وجهته للشعب الجزائري بمناسبة حلول الذكرى الستين لاندلاع ثورة نوفمبر المجيدة. ما هو التصرف المناسب للمعارضة في الظرف الحالي: مد اليد للسلطة من أجل التغيير؟ أم انتظار انهيارها واقتراح نفسها كبديل؟ كل المؤشرات السياسية دالة على أن حكامنا ماضون في تأسيس الجيل الثاني لدولة الاستبداد، من خلال الهيمنة على الساحة السياسية بواسطة المال الوسخ. فمن أين لها أن تجدي نفعا سياسة “اليد الممدودة” مع أشخاص ملأهم الاستبداد، وأسقطوا من قاموسهم السياسي مبدأ “التداول على السلطة” بإلغاء المادة 74 من الدستور، وآمنوا أنهم مخلوقون للخلود في السلطة. لم يعرف التاريخ مستبدا في الأرض، قدّم الديمقراطية لشعبه على طبق من ذهب، بل نبّهنا إلى أن الحريات والحقوق تؤخذ بالنضال ولا تعطى، علما أن ما يخشاه المستبد هو النضال السلميّ . الأمين العام لحركة الإصلاح الوطني جهيد يونسي ل”الخبر” “السلطة غير مستعدة للتغيير لكنها في فترة الأزمات تلجأ للمناورة” ما هي الآثار السياسية المتوقعة لانخفاض أسعار البترول؟ السلطة في سياساتها لم تكترث البتة لموضوع الاقتصاد، خاصة ما تعلق بتنويع مصادر الدخل حتى تخرج من أسر المحروقات التي تشكل 98 بالمائة من مداخيل العملة الصعبة، وهذا كان دليل عجز واضح للحكومات المتعاقبة في البلاد. لكن مشكلة الاقتصاد لا يمكن فصلها، في نظري، عن الموضوع الأساسي المتعلق بالحريات السياسية وحقوق الإنسان ونزاهة الانتخابات، والذي حاول النظام التهرب منه وتجاهله من أجل البقاء في الحكم. لكن مع انخفاض أسعار البترول اليوم، بدأ الخوف يزحف إليهم وأصبحوا يبحثون عن تقاطعات مع المعارضة، من خلال حديثهم عن التوافق والحوار، ولو أن هذه الشعارات ليست إلا وسيلة للهروب إلى الأمام، ينتظرون من خلالها معاودة ارتفاع الأسعار ثم الاستحكام مرة أخرى. هل يمكن للمعارضة استغلال الظرف الحالي في استقطاب قاعدة جماهيرية لصفوفها؟ المعارضة كانت تحذر وتدق ناقوس الخطر منذ زمن حول هذا الوضع، لكن السلطة، للأسف، لم تكن تكترث للأمر، لأنها كانت تمتلك الأموال الكافية لضمان الحد الأدنى من الضروريات للمواطنين. والتجربة أثبتت أن الشعب إذا لم يمس في قوته لا تهمه كثيرا قضايا التغيير، وهذا أمر إنساني متفهم عند المعارضة. لذلك لايزال رهان المعارضة يكمن في دورها التحسيسي، لرفع منسوب الوعي والتحذير من مغبة الاستمرار في السياسات الحالية. هل ترى أن تعامل المعارضة الأنسب مع الوضع الحالي يكون بمد اليد للسلطة من أجل التغيير؟ أم انتظار انهيارها واقتراح نفسها كبديل؟ لا أظن أن الانهيار المفاجئ للنظام نافع لأنه غير متوقع العواقب، لذلك فالأفضل هو التغيير السلس عبر التفاهم بين السلطة والمعارضة، وهذا هو الأسلم. المفروض في أي سلطة وطنية أن يكون رد فعلها إزاء قضية مصيرية كهذه، متبصرا وحكيما عبر مدّ جسور التواصل مع المعارضة، لأن الجميع في مركب واحد. لكن التجربة أثبتت أن السلطة بعيدة كل البعد عن النظرة المتبصرة، وردة الفعل لديها لن تكون آنية أو جذرية لأنها تعلم أن لديها هامشا للمناورة مدته 3 سنوات بفعل الاحتياطات المالية التي تمتلكها، لذلك يستبعد أن تتغير نظرتها للمعارضة ما لم يكن هناك ضغط جماهيري كبير. لذلك، أعتقد أن السلطة تخاف فقط من الاضطرابات الاجتماعية ولا تلقي بالا للمنادين بالتغيير سياسيا. والذي يحرك عموم الشعب ليس انخفاض سعر البترول لأن آثاره لن تظهر إلا على المدى المتوسط أو الطويل، لكن هناك مؤشرا اقتصاديا آخر قد يكون له أثر مباشر على الوضع الاجتماعي، هو انخفاض سعر صرف الدينار الذي سيؤدي إلى التهاب الأسعار، ومن ثم فإن المبادرة الأخيرة التي أطلقتها إحدى الجمعيات حول “يوم دون استهلاك” هامة في التنبيه لخطورة الوضع الاجتماعي، وكذا تراجع القدرة الشرائية للمواطن.