للمرة الثالثة في ظرف شهرين، يعود التونسيون إلى مكاتب الاقتراع، هذه المرة للحسم فيمن يفتح قصر قرطاج، وهذه هي المرة الثالثة أيضا التي يتوجه فيها الشاب أصيل إلى مكتب الاقتراع للتصويت بعد الانتخابات البرلمانية في أكتوبر الماضي، ثم الدور الأول من الرئاسيات في نوفمبر الفائت. لم يجد أصيل حرجا في الإعلان عن خياره في التصويت قائلا: “في المرتين السابقتين لم أرد أن أكشف عن وجهة نظري وتصويتي، هذه المرة يجوز لي أن أعلن عن ذلك، لم تعد المسألة مسألة خيار، لكنها باتت قضية وجود، إما أن ننجح في العبور إلى الديمقراطية، أو نعود إلى ما قبل 14 جانفي 2011”. ليست الصدفة وحدها التي وضعت تاريخ الدور الثاني للانتخابات الرئاسية متزامنا مع الذكرى الرابعة لثورة الكرامة والجوع والظلم، فقبل أربع سنوات، وتحديدا في 21 ديسمبر 2010، كان دوي الرصاص ورشقات الخرطوش والقنابل المسيلة للدموع تدوي في مدن سيدي بوزيد وڤفصة وبن قردان وكالما والرقاب، وغيرها من المدن التونسية، وتأكل من لحم الثوريين الذين خرجوا لكسر قيد الدكتاتورية. كانت الثورة في ذلك اليوم، في يومها الرابع، تزحف ببطء باتجاه المدن القريبة والى العاصمة تونس. وفي تلك الساعات والأيام الدامية، كان سؤال لدى التونسيين يتدحرج عما يخبئه لهم المستقبل. لم يمر من عمر المستقبل هذا سوى أربع سنوات، صار في عمر الشاب أصيل 22 سنة، في جانفي المقبل يريد الشاب أصيل أن يحتفل بالسنة الجديدة 2015،، وفي جانفي المقبل ينصب الرئيس الجديد لتونس تزامنا مع الذكرى الرابعة لسقوط حاكم قرطاج زين العابدين بن علي والحاكمة ليلى بن علي، واحد فقط من المرشحين محمد المنصف المرزوقي أو الباجي قايد السبسي، من يجلس على كرسي الرئاسة ويأخذ مفتاح قصر قرطاج. كما كثير من التونسيين، وجد أصيل نفسه مخيرا بين خيارين، أحسنهما مر، يدرس أصيل في كلية الطب، لكنه مع ذلك يقرأ الروايات كثيرا، استدعى إلى ذاكرته رواية “الطاعون والكوليرا” للروائي باتريك دوفي، وقال في دردشة داخل مركز الاقتراع بشارع مرسيليا: “تماما، نحن الآن مخيرون بين الطاعون والكوليرا، نحن الآن مخيرون بين رئيس عجوز سنه لا يسمح له مطلقا بإدارة شؤون الدولة وتحديات المرحلة الحرجة داخليا وإقليميا، وبين رئيس يمارس الفنطازيا السياسية، وتلتبس عليه شخصية المفكر العقلاني مع شخصية السياسي الفنطازي الذي له شطحات غير مفهومة”. ليست المخاوف بالنسبة لأصيل وصديقيه بشرى التي تعمل في فندق في العاصمة تونس، ونبيل الممثل في المسرح البلدي، فقط في مأزق الاختيار بين الطاعون والكوليرا، لكن أيضا في مأزق الاختيار بين حلف وحلف، تقول بشرى: “المرزوقي دفع تونس إلى الدخول في حلف مع قطر وتركيا، ومطالبات هذا الحلف السياسي بقطع العلاقات مع سوريا ومعاداة السعودية والإمارات سياسيا، والسبسي مندفع بوضوح إلى الحلف المعاكس، الإمارات والسعودية، لقد أرسلت له الإمارات سيارتين مصفحتين لحمايته”. وتضيف: “تونس بلد صغير، لم يكن أبدا طرفا في أحلاف سياسية دولية أو إقليمية، ولا يتحمل كل هذه الضغوط”. كان اليوم الانتخابي الطويل يقترب من نهايته، كما لو أن المسرح يود أن يسدل ستاره على مسرحية سياسية، يرفع نبيل، الممثل المسرحي الذي تعرض للمضايقات في عهد النظام السابق، أصبعه الملون بالأزرق بعد تصويته، يستوقفنا عند كتابة حائطية على جدار قرب مقر الجوية الجزائرية، تقول: “أوفياء للشهداء، حذار حذار من جوعي ومن غضبي”، ويقسم بأنه لولا أسماء الشهداء وصورهم التي تعبر ذاكرته بمناسبة أو بغيرها، لما انتخب اليوم (أمس)، يقول نبيل: “كيف وصلنا إلى هذه اللحظة، كيف وجدنا أنفسنا بين المرزوقي والسبسي، كيف ؟، كيف؟، كيف وجدنا أنفسنا نمثل في مسرحية انتخابية، السبسي جاءت به لوبيات المال ورجالات النظام السابق، هو رجل مريض وبالتأكيد هؤلاء سيحكمون باسمه، والمرزوقي يعتبر نفسه حارس الثورة، لكنه لم يحقق من أهدافها شيئا”. مع بعض الوقت الذي كان يمر، كان الترامواي الأخضر يمر بجانب منا، وموجات من الناخبين تتوجه إلى مراكز الاقتراع، وصولا إلى شارع الحبيب بورقيبة الذي كان مدججا برجالات الشرطة، وبين الحين والآخر تعبر فرق كاملة من دوريات الدراجات النارية لرجال أمن ملثمين، لم أشعر بغرابة المشهد في يوم انتخابي يستدعي الكثير من الحيطة والحذر، لكن رفاقي الثلاثة، وجدوا في ذلك مشهد استفزاز، بالنسبة لهم هذه إحدى إشارات عودة الحرس القديم، يتساءل أصيل: “منذ فترة بدأنا نشعر بالخوف من عودة ميكانيكا أمن النظام السابق، لم ننجح في الأربع سنوات الماضية من عمر الثورة، لا بالانتخابات ولا بغيرها، في القطع مع روح القمع التي تسكن تلك البناية”، كان يشير بيده إلى مقر وزارة الداخلية التي تجمع أمامها التونسيون ذات ال14 جانفي 2011، وهم يصرخون بالعبارة الشعيرة “ديڤاج”. بين المرزوقي، الطبيب الذي يزعم أنه حرس الثورة وحارس الشهداء، وبين السبسي، الحرس القديم القادم من غياهب المتحف السياسي، سيعمّد التونسيون أحدهما بمفتاح قرطاج، لكن الشاب أصيل وصديقيه بشرى ونبيل ينتظرون أن تعمّدهم السنة المقبلة 2015 بأفق أفضل، بعد إرهاق انتخابي طويل. اعتداء على فريق التلفزيون الجزائري ❊ تعرض مصور التلفزيون الجزائري لمضايقات عنيفة من قبل رئيس مركز التصويت بمنطقة سكرة في العاصمة تونس، حيث يصوت المرشح الباجي قايد السبسي، ومنع رئيس مركز التصويت مصور التلفزيون وفريقه من التصوير في المركز الذي شهد حضورا كبيرا للصحفيين، وتضامن الصحفيون التونسيون مع فريق التلفزيون الجزائري، وقاموا بمقاطعة عملية تصويت السبسي في هذا المركز.